القرش الأبيض لليوم الأسود، يلخص هذا المثل الشائع الحاجة التي تدفع الحكومات إلى إنشاء صناديق الثروة السيادية، والتي تدير استثمارات خارجية وداخلية في شكل عقارات أو شركات تجارية وخدمية أو حصص في بنوك ومؤسسات مالية دولية تلجأ إليها الدول في وقت الأزمات وفي مواسم الركود الاقتصادي وما أكثرها. لكن إنشاء مثل هذه الصناديق يحتاج اعتمادات مالية ضخمة جداً. فأغلبية البلدان التي تملك صناديق استثمارية تكون عادةً من فئة البلدان المُصنعة وصاحبة الاقتصادات القوية عالمياً أو من فئة البلدان المنتجة للموارد الطبيعية كالنفط والغاز، وضمن هذه الفئة الثانية نجد العديد من الدول العربية التي تملك صناديق سيادية ضخمة. اعلان ودفعت أزمة انخفاض أسعار النفط الدول العربية المنتجة للطاقة إلى تعزيز صناديقها السيادية لمجابهة انخفاض العوائد المالية وعجز الموازنة السنوية، فهذه الصناديق تشكل بديلاً استثمارياً لأرباح النفط على المدى المتوسط والبعيد وإحدى وسائل سياسة تنويع المداخيل التي انتهجتها هذه الدول منذ بداية الأزمة والهواجس حول نهاية عصر النفط قريباً. للعرب مال وفير في تقريره الأخير، يكشف معهد صناديق الثروة السيادية "SWF Institute" عن قائمة أكبر الصناديق السيادية في العالم من حيث الأصول، في ظل وجود أكثر من 79 صندوقاً سيادياً في العالم تضم أصولاً بقيمة 7.4 ترليون دولار، يتصدرها صندوق التقاعد النرويجي بأصول وصلت قيمتها إلى 885 مليار دولار وهو ما يمثل 12% من قيمة الصناديق السيادية عالمياً. وثانياً جاءت شركة الاستثمارات الصينية بأصول بلغت 813 مليار دولار. أقوال جاهزة شارك غردمجموع أصول الصناديق السيادية العربية نحو 3071.8 مليار دولار شارك غردتملك ليبيا صندوقاً بقيمة 66 مليار دولار ولكنّ مواطنيها يعيشون ظروفاً كارثية أما الصناديق السيادية العربية فقد جاءت في مراكز متقدمة ضمن الترتيب العالمي، إذ حلّ جهاز أبو ظبي للاستثمار في المركز الثالث عالمياً والأول عربياً بإجمالي أصول بلغت 792 مليار دولار، وذلك بفضل الاستثمارات الضخمة التي يديرها الجهاز، إذ تُعد الأسهم الكبيرة للجهاز في شركتي اتصالات وشركة الإمارات للاتصالات المتكاملة دو من أبرز الاستثمارات التي يملكها، وهما من أقوى وأكثر شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية تقدمًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب الاستثمارات في القطاع النفطي. عدا وجود خمس صناديق سيادية إماراتية أخرى ضمن التصنيف العالمي حازت من خلالها الإمارات نسبة 17% من الثروات السيادية في العالم. في المقابل، سيطرت السعودية على 9.9% من مجموع الصناديق السيادية في العالم، وجاءت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) في المركز الرابع عالمياً بأصول بلغت قيمتها 576.3 مليار دولار. وضم التصنيف العالمي صناديق سيادية تابعة لـ12 دول عربية، أغلبها دول منتجة للنفط والغاز وتملك احتياطات مالية ضخمة، تريد توظيفها في تنويع اقتصادها خوفاً من أزمات الطاقة المتلاحقة. وبلغ مجموع أصول الصناديق السيادية العربية حوالي 3071.8 مليار دولار. تتركز أغلب الاستثمارات التي تديرها الصناديق السيادية العربية على قطاع الطاقة، إذ يستثمر 13 صندوقاً سيادياً عربياً ضمن التصنيف العالمي في مجالات النفط والغاز، باستثناء مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية التي جاءت في المركز 11 عالمياً بأصول بلغت 200.5 مليار دولار وتنوعت استثماراتها وأصولها في قطاعات شتى وكذلك صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي بلغت أصوله 0.8 مليار دولار، والذي يعتبر الذراع الاستثماري لمنظمة التحرير الفلسطينية. وأيضاُ تميزت شركة ممتلكات البحرين القابضة بتنويع محفظتها الاستثمارية التي تتضمن أصول تجارية مختلفة. ضعف الشفافية لا تدار الصناديق السيادية العربية بشفافية كافية. إذ يسجل معهد صناديق الثروة السيادية في تقريره معدلات منخفضة لشفافية إدارة هذه الصناديق. فباستثناء الصندوق السيادي البحراني الذي سجل معدلاً كاملاً (10 من 10) فإن بقية الصناديق العربية سجلت معدلات متوسطة بين 5 و6 من 10 أو معدلات منخفضة جداً، وبعضها كان عديم الشفافية نهائياً أو غير مصنف. وقد حفلت وسائل الإعلام العربية والعالمية في أكثر من مناسبة بفضائح الفساد وسوء الإدارة والتصرف التي هزت الصناديق السيادية العربية. أكمل القراءة ويقدم ضعف الشفافية في إدارة الثروات السيادية العربية تفسيراً واضحاً لعدم انعكاس هذه الصناديق الغنية بالمال على الوضع المعيشي للمواطنين بشكل إيجابي في الكثير من الدول. فمثلاً تملك ليبيا صندوقاً سيادياً بلغت أصوله 66 مليار دولار، وهو الخامس عربياً، غير أن هذه الثروة لا تعكس تماماً الوضع الكارثي الذي يعيشه المواطنون الليبيون في ظل الحرب الدائرة في البلاد. العشرات منهم يقفون في الطوابير الطويلة من أجل سلة طعام من برنامج الغذاء العالمي في حين تتجاوز فترات انقطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب أكثر من 20 ساعة يومياً. والتفسير الوحيد لهذه المفارقة هو حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، فمعدل الشفافية في إدارة الصندوق السيادي الليبي بلغت واحداً من عشرة فقط، كما حلت ليبيا في المركز 170 في الترتيب العالمي وضمن العشر دول الأكثر فساداً في العالم، وفقاً لمؤشر مدركات الفساد، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في شهر يناير الماضي. الأمر نفسه يتكرر في العراق الذي يملك صندوقاً سيادياً بقيمة 0.9 مليار دولار وبمعدل شفافية غير مصنف تماماً فيما يعيش 30% من سكانه تحت خط الفقر. أما في الجزائر، التي تملك ثروة سيادية بقيمة 27.2 مليار دولار، فإن معدل الشفافية لا يتجاوز واحداً من عشرة والأوضاع المعيشية للمواطنين ليست في أحسن حال خاصة بعد أزمة أسعار النفط الأخيرة. وموريتانيا بلغت المعدل نفسه وبقيمة أصول سيادية مقدارها 0.3 مليار دولار، لكنها تعاني مشاكل اقتصادية وتنموية كبيرة. الواضح أن الصناديق السيادية العربية، التي أنشئت من أجل استثمار الاحتياطات المالية القادمة من الثروات الطبيعة وتطويرها لدعم الاقتصادات المحلية عند الأزمات، يمكن أن تعجز عن أداء وظيفتها في حال تواصلت طريقة إدارتها كما هي عليه اليوم في الكثير من الدول. في المقابل يمكن أن تشكل هذه الصناديق رافعة تنموية قوية للاقتصادات العربية مستقبلاً تحميها من أزمات أسعار الموارد الطبيعية وتمكنها من تنويع مواردها المالية وتحررها من "سجن الريع النفطي"، إذا تم التصرف وفقاً لسياسة تتبع معاير الشفافية والحوكمة الرشيدة. اقرأ أيضاً صناديق سيادية قوية لكن شفافية غير كافية أي دولة خليجية سينفد منها المال خلال خمس سنوات؟ العرب على رأس قائمة متلقّي المساعدات الإنسانية في العالم أحمد نظيف صحافي تونسي يهتم بشؤون الجماعات الدينية والأقليات، مؤلف كتاب بنادق سائحة: تونسيون في شبكة الجهاد العالمي. يحمل إجازة في الإعلام وإجازة في الإخراج. كلمات مفتاحية الأزمة الاقتصادية البنوك النفط التعليقات
مشاركة :