مثلٌ نجده ينطبق على شخصيات كثيرة في التاريخ الإنساني، فبعض المبدعين ظنوا أنهم سيدخلون بوابة الشهرة، لأنهم برعوا في فنون متعددة، لكن الطريق يضيع من تحت أقدامهم فجأةً، وتخطئهم الأضواء، ثم يتسربلون في متاهات الزمن. • على سبيل المثال: سافينييان دي سيرانو، لا أحد يعرف مَن هو: فقد وُلد عام 1619، وكان شاعراً مبدعاً، وترك مؤلفات رومانسية تميَّزت بأناقة المفردة، كما كان رساماً. هذا الرجل طُمست معالمه، أو كادت، لولا أن الكاتب المسرحي إدمون روستان، الذي وُلد عام 1868، نفخ في روحه، فأصبح شهيراً بعد قرنين من إسدال الستار عليه، عندما بحث عنه ونقَّب فيما تركه من آثار، فكتب عنه مسرحية "سيرانو دي برجراك"، الشهير بضخامة أنفه، فأصبح الرجل أسطورة تناولته الأقلام في الكتابة عنه. *** • لماذا هذه المقدمة؟! حضرت منذ أيام مهرجان السينما العالمي في لندن، وقد عُرض فيه فيلم "في سيرة الماء... والنخيل... والأهل"، الذي يتناول بدايات تاريخ حياة الإنسان في منطقة الإمارات، وكيف أن هذا الإنسان كان يتعامل بمشقة مع الطبيعة، لالتماس أدنى متطلبات العيش في مواجهة الحياة. وقد أبدع فيه مخرجه الصديق ناصر الظاهري أيما إبداع، ما جعله يحصل على العديد من الجوائز العالمية في عدة مهرجانات. • صديقي ناصر، كاتب زاوية يومية، قاص، باحث في التراث، وترأس اتحاد الأدباء في الإمارات، ثم اتجه أخيراً للإخراج السينمائي، حيث درس السينما في فرنسا. *** • أثناء المناقشات - بعد عرض الفيلم - سألته: * كم اقتضاك من الوقت لإنجاز هذا الفيلم؟ - التصوير أخذ سنة ونصف السنة، التقنيات الأخرى، كالمونتاج والصوت والموسيقى، وغير ذلك، أخذت ستة أشهر، وتمت كلها في هولندا. * مَن أنتج الفيلم؟ - أنا قمت بالصرف على إنتاجه كاملاً. * كم كلفك؟ - أكثر من مليون ونصف المليون أورو. * أخ ناصر، كم اقتضاك من الزمن لجمع المعلومات والمادة التاريخية؟ - فتحت هذا الملف منذ أكثر من ثلاثين سنة. *** • بعد المناقشات العامة ذهبت مع ناصر لتناول طعام العشاء، ففاجأني بالتالي: * بالنسبة لسؤالك حول جمع المعلومات التاريخية لفيلمي: - ماذا بشأنه؟ - أنت لا تدري أني جمعت عنك ملفاً ضخماً بالصوت والصورة، وما نشرته، وما نُشر عنك، منذ أكثر من عشرين سنة. * فماذا وجدت؟ - وجدت أنك "سبع صنايع والبخت ضايع"! * وماذا ستفعل بهذا الملف؟ - عليك يا صديقي أن تتفرغ لي لأكثر من سنة، لأن (الإنسان الضائع / نجم عبدالكريم) هو موضوع فيلمي القادم!
مشاركة :