ليلى مراد حاضرة في قلوب محبيها بذكرى ميلادها الـ99

  • 2/18/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حلت أمس (الجمعة) الذكرى الـ99 لميلاد قيثارة الغناء العربي ليلى مراد التي عرفت بحنجرتها الذهبية وأغانيها الخالدة. اقتحمت ليلى عالم الغناء في ثلاثينات القرن العشرين وتركت نحو 1200 أغنية، و28 فليما غنائيا، لكن للأسف تمر ذكراها دون احتفاء رسمي في مصر، فلم تقم دار الأوبرا المصرية حفلا لها، لكن احتفل جمهورها من الكبار والشباب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بمشاركة أشهر أغانيها وصورها، ولقطات ومشاهد من أفلامها. ولدت ليلى مراد في 17 فبراير (شباط) عام 1918 في الإسكندرية، وتحديدا في حي محرم بك، وكانت مصر آنذاك مجتمعا متعدد الجنسيات والديانات. نشأت في أسرة يهودية، والدها من أصول مغربية وهو زكي مراد مردخاي، الذي كان يعشق الموسيقى والطرب، وكان أحد الموسيقيين المعروفين في زمن سيد درويش وداود حسني، فقد كان من أصحاب الطريقة الكلاسيكية في الغناء العربي، فلم يستطع أن يكمل الطريق عقب بزوغ نجم الموسيقار محمد عبد الوهاب. لكن كانت له علاقات طيبة بالكثير من الفنانين والملحنين، مثل: السنباطي وزكريا أحمد والقصبجي، والشعراء وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي، الذين كانوا يترددون على منزله إلى أن قرر زكي مراد أن يسمعهم صوت ابنته «ليليان» فتغنت بأغان لأم كلثوم وأدوار شرقية قديمة فأبهرت الحاضرين. يذكر المؤرخ الفني الراحل كمال النجمي في كتابه «تراث الغناء العربي»: «علية القوم لم يتعرفوا على ليلى مراد إلا بعد أن أقام لها والدها حفلا غنائيا على أحد مسارح القاهرة، وكان ذلك في بداية عام 1932.. وكان والدها صديقا لأمير الشعراء أحمد شوقي، فأعانه ماديا وأدبيا على إقامة الحفل، وحضره بنفسه وبصحبته صديقه الصغير المطرب محمد عبد الوهاب، ودعا إلى حضوره أصدقاءه من الباشوات والبكوات، فكان حفلا ناجحا، خرجت منه ليلى مراد مطربة يعرفها كبار (السميعة) في القاهرة. فضلا عن أنها صارت موضع التفات الموسيقار عبد الوهاب، مطرب الملوك والأمراء في تلك الأيام». ويشير: «ظهرت ليلى مراد في عصر الأصوات الجميلة البالغة القوة، العظيمة الدربة، قبل عصر الميكروفون» فكانت تحيي حفلاتها بصوتها الرائع دون ميكروفون. وتألقت ليلى مراد إذاعيا بعد افتتاح الإذاعة المصرية الرسمية عام 1934، حيث ساعدها الفنان مدحت عاصم المشرف على الموسيقى بالإذاعة آنذاك، ومنحها فرصة للغناء مرة كل أسبوع، فحققت جماهيرية ممتازة وهي بعمر ستة عشر عاما. ومع ازدهار السينما المصرية وبداية انتشار الفيلم الغنائي، طلبت منها بهيجة حافظ الاستعانة بصوتها لتغني أغنية «يوم الصفا» لفيلم «الضحايا» وعرض الفيلم في عام 1935 بنسخته الناطقة بعد عرضه الصامت من قبل. بعد ذلك رشحها محمد عبد الوهاب للوقوف أمامه بطلة في ثالث أفلامه «يحيا الحب» عام 1938 للمخرج محمد كريم. قال عنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب: «أحسن ما في ليلى أنها لم تقلد أحدا، وأن لها شخصية مستقلة متميزة، كما أنها ورثت عن والدها زكي مراد الرسوخ في الغناء إلى جانب امتلاكها براءة الصوت العربي». انطلقت بعدها مسيرة ليلى مراد بطلة للأفلام الغنائية، واشتهرت بتمثيلها البارع إلى جانب صوتها الطربي المميز، فأخرج لها توجو مزراحي اليهودي السكندري أيضا فيلم «ليلة ممطرة»، وبعدها قدمت معه سلسلة أفلام متتالية: «ليلى بنت الريف»: «ليلى بنت مدارس»، و«ليلى»، و«ليلى في الظلام». ويقول الكاتب الصحافي أشرف غريب، في كتابه «الوثائق الخاصة لليلى مراد»: إذا كان توجو مزراحي قد أرسى دعائم نجاح ليلى مراد، فإنها كانت على موعد جديد مع نجاح من نوع آخر.. لقد كان نجاحها مع أنور وجدي بداية من فليم (ليلى بنت الفقراء) الذي عرض بسينما ستوديو مصرفي الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 1945 أبقى أثرا من كل الأفلام التي سبقته... نجاحا جعل من ليلى مراد نجمة أول نجمة شباك في تاريخ السينما المصرية». خرجت ليلى من عباءة «الغناء الكلثومي»، فقد فتحت كوكب الشرق أم كلثوم مجال الغناء أمام أجيال من المطربات تدربن على أغانيها ذات الطابع الشرقي الحداثي، إلا أن ليلى استطاعت أن تطوع خامة صوتها الفريدة فقدمت الأغنية العربية في قالب غربي تارة وقالب شرقي بحت، كما أنها نجحت في أن تترك بصمة في عالم الفيلم الغنائي، فأطلق عليها «ملكة الأفلام الغنائية»، الذي اقتحمته بقوة وحققت مع زوجها أنور وجدي نجاحا كبيرا وأفلاما رائعة، إلا أن خلف هذا النجاح والنجومية كانت النجمة تعيش حياة تعيسة. وقد كشفت ليلى مراد عن ذلك في حواراتها الفنية والمقالات التي كتبتها بنفسها لمجلة «الكواكب» العريقة. كانت المجلات الفنية في مصر لها تقليد مميز، وهو أن يكتب الفنان بقلمه مقالات، أو يتحدث عن مواقف وذكريات وتنشر بتوقيعه، وكانت ليلى مراد قد كتبت مقالات عدة في مجلة «الكواكب»، عكست حياتها التعيسة وحزنها الدفين الذي لم تكن تخفيه عيناها على الشاشة الفضية. كتبت في مقال نشر عام 1954 بمجلة «الكواكب»: «أنا ابنه (الحظين) الحظ الباسم والحظ العاثر.. الحظ الضاحك والحظ العابس دارت بي عجلة الحياة في غير الدورة التي كنت أمني النفس بها، دارت بي متخذة وجهة غير التي كنت أريدها». تستكمل: «قال الناس عني: (مطربة ذات صوت شجي آخاذ)، وقال الناس عني: (محظوظة ذات طالع سعد نادر) وأقول عن نفسي: (أنا ليلى مراد التي تعذبت في حياتها الماضية، وتتعذب في حياتها الحالية، وسوف يطاردها العذاب في حياتها الآتية)». وتكشف ليلى في هذا المقال كم كانت التعاسة مصاحبة لها منذ طفولتها، حيث نشأت في أسرة يهودية فقيرة دخلت الفن بدافع مساندة والدها في النفقات، ولم تتمكن من تحقيق حلمها في أن تكون مدرسة أو زوجة سعيدة. تزوجت ليلى من أنور وجدي ورغم نجاحها الفني معه، فإنه كان يسيء معاملتها وانفصلت عنه ثلاث مرات، ثم تزوجت من وجيه أباظة، أحد الضباط الأحرار، وأنجبت منه ابنها أشرف، ثم تزوجت المخرج فطين عبد الوهاب الذي اشتهر بإخراج أشهر الأفلام الكوميدية المصرية، وأنجبت منه ابنها زكي، وهو امتهن التمثيل أيضا، وخصوصا الدراما التلفزيونية. كرست ليلى مراد حياتها للسينما، ويبدو أنها كانت ذات بعد نظر؛ لأن جهودها لم تذهب هباء، بل خلدت أعمالها وحفرت اسمها في قلوب عشرات الأجيال ولا تزال، فلم تقم الحفلات الغنائية الساهرة وتجوب مسارح مصر، بل كانت تصدح عبر الشاشة الفضية والإذاعة والتلفزيون فيما بعد. عانت ليلى مراد في حياتها وبعد وفاتها من الشائعات التي لعبت على وتر يهوديتها والتشكيك في إسلامها، الذي أعلنته في ديسمبر (كانون الأول) عام 1947 وقيل عنها أنها تبرعت لإسرائيل، لكنها كانت تقاوم وتنفي بكل الطرق. ففي تصريح لها نشر في نوفمبر 1952 تقول ليلى مراد في مجلة «الفن» الأسبوعية: «إنني مظلومة وبريئة من جميع ما نسب إلي. إنني مصرية عربية مسلمة، ومتزوجة من مصري مسلم، وأحب العرب والإسلام. وأن الله لن يظلم مخلوقا بريئا. إن براءتي ستظهر للجميع وسيزداد حب الناس لي في جميع البلاد العربية. وعلى الرغم من شعوري بأن ليس لي أعداء. إلا أنه يوجد من يغيرون من شهرتي. فنكاية بي أشاعوا عني هذه الأكاذيب التي ليس لها ذرة من الصحة والحقيقة، والتي ليس لها أي دليل؛ لأنني قد وهبت نفسي وحياتي للفن والعرب والإسلام، وهذه حقيقة يعلمها الجميع، بل ويعلمها الذين أشاعوا هذه الفرية الكاذبة. لقد ظلموني وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون». اعتزلت ليلى مراد العمل السينمائي وهي في أوجها الفني وكان عمرها 37 عاما فقط، وكان ذلك عام 1955، وكان آخر أجر تقاضته 12 ألف جنيها. عاشت حياتها فيما بعد بالقاهرة متنقلة ما بين أحيائها الراقية الزمالك وجاردن سيتي، وكانت وصيتها الأخيرة أن تشيع جنازتها دون إعلان مسبق، وأن تكون الصلاة عليها في مسجد السيدة نفيسة في القلعة، وألا يحضر أحد من الغرباء تشييع جنازتها إلى مثواها الأخير. توفيت ليلى مراد إثر أزمة صحية ألمت بها حيث كانت تعاني اعتلالا في القلب، وقالت الفنانة مديحة يسري إنها أصيب باكتئاب شديد إثر وحدتها ونسيان زملائها لها، وتوفيت في نوفمبر عام 1995 في مستشفى مصر الدولي بالدقي. دفنت ليلى مراد في مقابر الأسرة «مقابر البساتين» وهي مقابر اليهود؛ مما أثار أيضا الكثير من اللغط حول ديانتها. ورغم أنها تركت 28 فيلما غنائيا وعشرات الأغاني الرائعة، فإنها لم تأخذ حظها من التكريم والتقدير لفنها، ويكفي أن نعلم أن فنانة بقدرها لم يقم متحف باسمها حتى الآن.

مشاركة :