شرعنة سلاح حزب الله تحوله إلى حرس ثوري أو حشد شعبي أثار تصريح الرئيس اللبناني ميشال عون جدلا كبيرا في لبنان بعد أن قام بتشريع سلاح حزب الله، معتبرا أنه ليس مناقضا للدولة، بل هو مكمل للجيش اللبناني. ومن خلال هذه التصريحات أكد الرئيس اللبناني أنه ثابت على جبهته ومتمسك بحلفه مع حزب الله. العرب [نُشرفي2017/02/18، العدد: 10547، ص(6)] الاتفاق قائم بيروت - لا يكاد يختفي شبح أزمة في لبنان، حتى يطل شبح أزمة أخرى من وسط بركان الأزمات التي تثقل كاهل البلد منذ الحرب الأهلية. بعد أزمة فراغ رئاسي، دامت حوالي عامين ونصف العام، تم حلّ الإشكال على تسوية أوصلت الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا. إثر ذلك، دخلت البلاد مرحلة الخلاف حول الحقائب الوزارية. ولم تكد تنتهي المسألة حتى عاد الانقسام ليطل من بوابة قانون الانتخابات البرلمانية؛ وفيما لا يزال القانون محل خلاف، عاد الرئيس عون ليفتح نافذة خلاف بشأن إحدى أكبر القضايا محل نزاع في لبنان، وهي سلاح حزب الله. هل كان ضروريا على الرئيس الجنرال عون أن يثير، عشية إحياء ذكرى اغتيال رفيق الحريري، قضية “شرعية” سلاح حزب الله. وأن يقول، في رد على سؤال بشأن هذا السلاح، إنه “طالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح”. جاءت تصريحات رئيس الدولة اللبنانية خلال مقابلة مع فضائية “سي بي سي” المصرية الخاصة، بثتها الاثنين الماضي، على خلفية زيارة عون لمصر، وقال فيها أيضا إن سلاح حزب الله “مكمّل لعمل الجيش (الوطني اللبناني)، ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية”. وبردّ ميشال عون الذي أيد فيه وجود سلاح حزب الله في المرحلة الراهنة في مواجهة إسرائيل، عادت قضية هذا السلاح، وبقوة، إلى واجهة الحياة السياسية في بلد يحكمه اتفاق الطائف، الموقع بين الفرقاء اللبنانيين عام 1989، والذي أنهى حربا أهلية امتدت على مدى 15 عاما. فتحت هذه التصريحات الباب واسعا أمام غضب لبناني واسع رأى أن ميشال عون، الذي وصل إلى سدة الرئاسة إثر تسوية قبل من خلالها تيار المستقبل بمرشح حزب الله رئيسا على البلاد، يرمي من خلالها توجيه رسائل مبطنة، خصوصا للذين توقعوا تغييرا في مواقف الرئيس بعد أن وصل إلى قصر بعبدا. في تعليقه على هذه التصريحات، قال رئيس الحكومة، سعد الحريري، خلال كلمته في الذكرى الـ12 لاغتيال والده “نعم هناك خلاف حاد في البلد حول سلاح حزب الله وتورطه في سوريا، وليس هناك توافق على هذا الموضوع، لا في مجلس الوزراء، ولا في مجلس النواب، ولا على طاولة الحوار، ولكن ما يحمي البلد هو أنّ هناك إجماعا حول الجيش والقوى الشرعية والدولة فقط”. هل كان ضروريا على الرئيس الجنرال عون أن يثير، عشية إحياء ذكرى اغتيال رفيق الحريري، قضية "شرعية" سلاح حزب الله وتعرضت الترسانة العسكرية التي يملكها حزب الله خارج سيطرة الدولة للمسائلة بقوة، خصوصا بعد أن اهتز شعار “المقاومة”، الذي كان الحزب يستخدمه لتبرير حمله للسلاح. فبعد عام 2006 توقفت مقاومة الاحتلال وأصبح سلاح حزب الله موجها إلى الداخل وهدفه الهيمنة على القرار السياسي وتصفية الخصوم، الأمر الذي يبرر المخاوف التي تسود في لبنان من تشريع سلاح الحزب بما يجعله يفرض أجندته السياسية الموالية لإيران. وتدعو العديد من الأحزاب السياسية الرئيسية إلى تجريد الجماعة من السلاح. ويذكّر الغاضبون من تصريحات الرئيس عون بأحداث مهمة هزت البلاد وكان السبب فيها سلاح حزب الله، من ذلك اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، واتهمت عناصر من حزب الله بالتورط في هذه العملية، التي أعقبتها اغتيالات أخرى طالت قيادات لبنانية من ذلك رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن الذي أوكلت إليه مهمة توقيف قادة في حزب الله حول ما يخص قضية اغتيال رفيق الحريري. كما استمع اللبنانيون إلى تصريح الرئيس عون بشأن “شرعية” سلاح “المقاومة” لدى حزب الله، وهم يستحضرون أحداث السابع من أيار 2008، التي اعتبرت الأكثر خطورة وعنفا منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990. في تلك الفترة أصدرت حكومة فؤاد السنيورة قرارين من مجلس الوزراء بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة إلى سلاح الإشارة الخاص بحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير. رفض حزب الله هذين القرارين وسيطر مسلحون للحزب على أجزاء من بيروت إثر معارك مسلحة. وامتدت المواجهات بين أنصار قوى 8 آذار وأنصار قوى 14 آذار إلى مناطق الجبل الدرزية شرق بيروت وبعض مناطق الشمال وأدت إلى سقوط نحو مئة قتيل. ومع اندلاع النزاع في الجارة سوريا، في مارس 2011، تورط حزب الله لوجستيا وعسكريا في الحرب، فيما انقسمت الساحة اللبنانية بين مؤيدين لنظام بشار الأسد، على رأسهم فريق 8 آذار، ومؤيدين للمعارضة السورية، وفي مقدمتهم فريق 14 آذار، ثم تسبب قتال قوات حزب الله إلى جانب قوات النظام السوري، منذ عام 2013، في تعميق هذا الانقسام. إيلي محفوظ: عى قوى 14 آذار أن تلملم نفسها وتجمع القوى السيادية لوضع إطار تنظيمي جديد وعلقت تقارير أميركية عن تدخل حزب الله في سوريا مشيرة إلى أنه حوّل حزب الله من قوة تخوض حرب عصابات، إلى قوة غازية ذات إمكانات تحقق لها النجاح على الأرض في مهامها القتالية. وذكرت صحيفة الفاينانشال تايمز، إثر تصريحات عون، أن الحرب في سوريا منحت حزب الله فرصة ليكون قوة ذات استراتيجيات متجددة. أمام هذا الواقع، يحذّر إيلي محفوظ، رئيس حزب حركة التغيير اللبنانية، من قلق لبناني من موقف الرئيس، في تصريحاته الصحافية حول تحول حزب الله اللبناني إلى “حرس ثوري” أو “حشد شعبي”، مشددا على أن “إشكالية سلاح حزب الله هي دوما موضع خلاف بين اللبنانيين”. وتابع محفوظ، وهو عضو الأمانة العام لقوى 14 آذار، أنه “عندما بدأت طاولة الحوار (اجتماعات عقدت بين القيادات اللبنانية في مجلس النواب ثم القصر الجمهوري) بعقد اجتماعاتها كان الهدف هو الحديث عن إشكالية السلاح خارج إطار الدولة، لكن حزب الله أخذ الحوار إلى مكان آخر”. وقال إنه “بسبب سلاح حزب الله، وتحت ضغطه، أضطر فريق 14 آذار (تنتمي إليه حركة التغيير) إلى تقديم تنازلات أكثر من مرة”، مذكّرا “الذين يدافعون عن سلاح حزب الله وعن حامليه بأن خمسة من عناصر وقياديي هذا الحزب لا يزالون متهمين أمام القضاء الدولي باغتيال رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري (يوم 14 فبراير 2005)”. حرس أو حشد أبدى رئيس حركة التغيير اللبنانية، وهي حزب مسيحي تأسس عام 1985، تخوفه “من تشريع سلاح حزب الله، فيصبح الحزب في لبنان شبيها بالحرس الثوري في إيران، أو الحشد الشعبي في العراق، لذا من المفترض على قوى 14 آذار، أو من تبقى منها، أن تلملم صفوفها؛ لأنه عندما غاب التنظيم الإداري لهذه القوى بهتت الحياة السياسية في لبنان”. وتابع محفوظ “لا شك أن البعض سيستغل المواقف الأخيرة (منها تصريح عون المؤيد لهذا السلاح) لتأسيس معادلة جديدة في لبنان، لتحويل حزب الله إلى تنظيم لبناني شرعي، كما هو الحال في إيران والعراق”. ولمواجهة مثل هذه التحركات، رأى أنه “يجب اتخاذ خطوات منها، أن تلملم قوى 14 آذار نفسها وتجمع القوى السيادية، لوضع إطار تنظيمي جديد لقوى 14 آذار، وأيضا العودة إلى طرح الشعار الأساسي الذي انطلقت منه قوى الاستقلال، وهو لا سلاح خارج إطار الشرعية اللبنانية”. واعتبر أنه “مخطئ من يظن أنه تمكن مطالبة المجتمع الدولي بمساعدة لبنان في وقت تتخلى فيه القيادات اللبنانية عن دورها السيادي، لذا عندما تتوحد الصفوف في لبنان يمكننا الضغط على دول العالم لمساعدتنا”. رد استباقي لئن اتفق على أن “سلاح حزب الله كان دائما موضوعا خلافيا بين الفرقاء السياسيين في لبنان”، فإن الكاتب السياسي اللبناني جوني منير، اعتبر أن “الجديد في الموضوع أنه، وللمرة الأولى، يتحدث رئيس الجمهورية عن هذا الموضوع، وهو بكلامه أعطى طابعا شرعيا لهذا السلاح، أما الموقف الدولي فقد جاء كردة فعل على هذا الكلام، واكتفى بالتذكير بموقفه التقليدي”. وتابع منير أنه “للمرة الأولى بعد عام 2005، أي بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، يتكلم رئيس الجمهورية عن سلاح حزب الله، ولو أن كلام الرئيس جاء ردا على سؤال، وليس ضمن خطة مسبقة، وفي هذا الكلام تحصين لواقع السلاح وحزب الله”. يتوقع الخبراء أن تنخفض القوة العسكرية لحزب الله بعد انتهاء الصراع في سوريا، ما يعني تقليص الدعم السوري والإيراني ورأى الكاتب السياسي اللبناني أنه “إذا كانت لدى الولايات المتحدة الأميركية نية للبدء بالضغط على حزب الله في سوريا، ومن ثم في لبنان، فإن الجواب على ذلك جاء استباقيا من خارج لبنان ومن داخله”، مشيرا إلى تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تحدث فيها عن “الحاجة إلى حزب الله في سوريا”. وقال إن “المرحلة القادمة بالنسبة إلى سلاح حزب الله لها علاقة بالموضوع السوري”. والموقف الدولي من تصريحات عون عكسته تغريدة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ قالت فيها إن “قرار مجلس الأمن 1701 واضح ويدعو إلى نزع سلاح كل الجماعات المسلحة، وأنه لا للسلاح خارج الدولة”. ثم وصفت، في تصريحات لصحف لبنانية، ما قاله الرئيس عون بأنه “مقلق”، خصوصا أنه يأتي قبيل أسابيع قليلة من صدور التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ بنود القرار 1701 والتزام لبنان بمفاعيله. وفي تصريح أممي آخر، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، أن “احتفاظ حزب الله وجماعات أخرى بالسلاح خارج سيطرة الدولة يحد من قدرة لبنان على ممارسة سيادتها الكاملة وسلطتها على أراضيها”. وأوضح أن “الأمم المتحدة تعتقد أن استمرار الالتزام بجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة يشكل أهمية حيوية لاستقرار لبنان”. ويتوقع الخبراء أن تنخفض القوة العسكرية لحزب الله بعد انتهاء الصراع في سوريا، ما يعني تقليص الدعم السوري والإيراني. لكن الأكيد أن تقلص الدعم العسكري الخارجي لحزب الله لا يعني انتهاء قوته العسكرية. فأهمية سوريا العسكرية للحزب تأتي أساسا من كونها معبرا رئيسيا لأسلحته المرسلة من إيران، وقد استطاع الحزب، وفق بعض التقارير، إيجاد معابر بديلة للمعبر السوري. ويذهب البعض إلى القول إن إيران، ورغم العقوبات التي قد تفرضها عليها إدارة الرئيس دونالد ترامب أيضا، لو تم تأكيد تنصيف الحرس الثوري جماعة إرهابية، فإنها لن تتوقف عن دعم حزب الله، لأنه سيبقى حليفها الوحيد في المنطقة، وبالتالي لا حلّ أمام السياسيين اللبنانيين إلّا العمل على تفعيل قرارات مجلس الأمن “قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701"، لتفادي دخول البلاد في مرحلة أكثر خطورة من الاستقطابات والأزمات، فسلاحه قد يوقظ “وهم” الأمن الذاتي المسيحي، وفق الكاتب اللبناني رولان خاطر.
مشاركة :