الاكتئاب من الأمراض النفسية التي يشعر فيها الشخص بالقلق والحزن والتشاؤم والذنب، ويتزامن ذلك مع انعدام وجود هدف للحياة، ما يجعله يفقد الإحساس بالواقع ويزهد في الحياة، ويعدّ الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية انتشاراً على مستوى العالم، وفي المعتاد نستخدم هذا المصطلح بشكل شائع للدلالة على مشاعر الحزن التي تنتاب الكثير من الأشخاص في أوقات معينة من الحياة؛ وذلك نتيجة بعض الصدمات النفسية والظروف السيئة التي تمر علينا جميعاً. الاكتئاب مؤشر على عدد من الاضطرابات السلوكية التي يمكن تشخيصها وتمييزها بسهولة من جهة الأطباء المتخصصين، ومن المهم التفرقة بين حالة التعاسة والحزن التي يشعر بها البعض في الحياة اليومية وبين أعراض الاضطرابات التي يسبّبها مرض الاكتئاب، فعندما نعاني من ضغوط نفسية معتادة، مثل فقدان شخص عزيز، أو فشل في العلاقة العاطفية، أو خيبة أمل كبيرة وإحباطات، ففي هذه الحالات يشعر معظمنا بالتعاسة والحزن، وهذا رد فعل عاطفي طبيعي يترافق مع الحالة، ويستمر لفترات محددة فقط ولا يطول، ويختلف تماماً عن اضطرابات الاكتئاب، ونعتبرها جزءاً من الأحداث اليومية في الحياة. خلل المزاج يعدّ الاكتئاب أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً وانتشاراً بين الأشخاص، ويصنف ضمن الخلل النفسي التي يتسم بتقلب الحالة المزاجية، وأهم ما يميزه عن غيره من الأمراض النفسية، هو حدوث انخفاض تدريجي أو حاد وسريع في المزاج والنفور من الأنشطة، وهذه الحالة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على أفكار الشخص وسلوكه ومشاعره ونظرته إلى العالم والرفاهية المادية، ويؤثر الاكتئاب على طريقة التفكير والتصرف، وبذلك يؤدي إلى العديد من المشاكل العاطفية والجسمانية، ولا يستطيع المصابون بهذا المرض ممارسة حياتهم اليومية المعتادة بشكل طبيعي؛ حيث يسبب لهم الاكتئاب شعوراً متعمقاً بانعدام أي رغبة في الحياة، وعدم الاهتمام بأي وسائل ترفيهية في الحياة، والركون الدائم إلى الانعزال والصمت والتفكير والسرحان، وعدم الاهتمام بالأولاد في حالة إصابة الأمهات ولا رغبة في الطعام والشراب، فيعيش الشخص بجسده فقط وعقله في عالم آخر. الضغوط النفسيّة هنالك عدة عوامل تقود إلى الوصول إلى حالة الاكتئاب، وأولها العوامل الوراثية؛ حيث ثبت إمكانية انتقال الإصابة بالاكتئاب وراثياً في العائلة الواحدة، ويشبه ذلك استعداد الشخص للإصابة بأمراض أخرى مثل داء السكري وأمراض القلب، وكذلك يُعتقد أن جزءاً من اضطرابات الاكتئاب سببها حدوث خلل في التوازن الكيميائي في الدماغ، والإصابة باضطرابات الاكتئاب تتزامن أيضاً مع الضغوط النفسيّة، فالمآسي الشخصية وحدوث الكوارث، لها دور كبير في الإصابة بهذه الحالة المرضية، ومرض الاكتئاب أكثر شيوعاً لدى البالغين والشباب والنساء والمسنّين، وبعض الأشخاص المصابين بمشاكل صحيّة بدنيّة، وغالباً ما يصيب الاكتئاب الأشخاص القلقين والحسّاسين والعاطفيين وسريعي الانفعال والغضب من أقل مؤثرات حياتية، ومن يطلبون الكمال ويقومون بالنقد الذاتي الحاد، ويضعون معايير عالية لأنفسهم وغيرهم، وبعض الأشخاص الذين يعتمدون على الآخرين ثم يصابون بخيبة الأمل في هؤلاء، نتيجة التخلي عنهم وغالباً ما يصابون بالاكتئاب، والتناول المفرط للكحول وتعاطي المخدرات يُعرّض الأشخاص لهذا المرض، ويؤدّي أيضاً إلى ارتفاع خطر الانتحار لديهم، وعلى العكس من ذلك فإن الأشخاص المتفائلين والذين يفكّرون بإيجابيّة، سوف يحمون أنفسهم من الاكتئاب. العنوسة والانفصال من العوامل الأخرى التي يمكن أن تكون أحد أسباب الإصابة بالاكتئاب، الإحساس بالوحدة والعنوسة والوصول إلى سن اليأس، والشيخوخة والتقاعد، والتعرض للصعوبات المادية المستمرة وعدم كفاية الأطفال في الطعام والشراب، وقد شاهدنا وقرّاؤنا الكثير من حوادث حالات الانتحار للأب بعد التعرض لضائقة مالية أصابته بمرض اكتئاب، وبعض الآباء يقتلون أولادهم قبل الانتحار نتيجة الخلل الكبير في سلوكه من جراء الاكتئاب، كما أن ضغوط العمل ومشاكل العلاقات الشخصية، والانفصال عن الزوجة أو الزوج أو الانفصال العاطفي تسبب هذه الحالة، والإصابات الحادة والأمراض الجسدية التي تسبب إعاقة أو ضعفاً كبيراً في الصحة أو خللاً في بعض الأعضاء يؤدي إلى حالة من الاكتئاب. آلام جسمانية أحد الأعراض المعروفة عن مرض الاكتئاب الشعور العميق بالفراغ والحزن، وقد تكون الكآبة ليست بالضرورة اضطراب نفسي، بل رد فعل طبيعي لأحداث حياتية محددة، مثل كونها عرضًا من أعراض بعض الحالات الطبية، أو أحد الآثار الجانبية لبعض العلاجات الدوائية، والكآبة أيضاً سمة أساسية مرتبطة بمتلازمات نفسية مثل الاكتئاب، وفي حالات كثيرة ترافق الاكتئاب بعض الأعراض الجسمانية مثل الشعور بآلام في الظهر أو إرهاق دائم، ومعظم من يعانون من هذا المرض يشكون العصبية والتوتر، وهذا المزاج السيئ لا يبقى في مستوى الألم النفسي، وإنما منهم الكثير من يصرح بسبب حالة جسدية سيئة بشكل عام، لأنه من المتوقع أن حالة الاكتئاب قد تؤثر سلباً على كافة الأجهزة في الجسم، وكذلك يصاب المريض بالاكتئاب بفقدان الرغبة في ممارسة الأنشطة اليومية الاعتيادية، وينتابه إحساس بالعصبية والكآبة وبانعدام الأمل، ونوبات من البكاء من دون أي سبب ظاهر، واضطرابات في النوم بصفة مستمرة، وصعوبات في التركيز، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وزيادة أو نقصان الوزن من دون قصد، أيضاً يصبح الشخص المصاب أكثر عصبية ويصاب بحساسية مفرطة، وإحساس بالتعب أو الوهن وبقلة القيمة، وفقدان الرغبة في ممارسة الجنس، ومن الممكن أن يحاول المريض الإقدام على الانتحار. الأم والولادة يصيب اكتئاب ما بعد الولادة ما يقرب من 52% من الأمهات الجدد، حيث تشعر الأم التي وضعت مولودها حديثاً باكتئاب خفيف أو قلق أو توتر، كما من الممكن أن تعاني مشاكل في النوم بالرغم من شعورها بالتعب معظم الوقت، وهذا النوع من الاكتئاب يدوم لساعات أو أيام قليلة فقط ثمّ يزول ويختفي، ولكن في بعض الحالات يمكن أن يتطور شعور الحزن لدى حوالي 10% من الأمهات، ومن ثم يصبح اضطراباً خطيراً يسمى (اكتئاب ما بعد الولادة)، والأمهات المصابات بهذا المرض يجدن صعوبة كبيرة في التعامل مع متطلبات الحياة اليومية وممارسة الوجبات المنزلية، وفي الكثير من الأحوال ينتابهن مشاعر من القلق والخوف والكآبة والحزن والإرهاق الشديد، وبعض الأمهات يتعرضن لنوبات من الهلع والانزعاج، ومن الممكن أن يشعرن بالضيق وسرعة التعصب والانفعال، وهناك نوع من أنواع اكتئاب ما بعد الولادة شديد الحدّة ولكنه نادر الحدوث، ويُدعى الذهان النفاسي، وفيه تصبح الأم غير قادرة على التعامل مع حياتها اليومية بصورة طبيعية، ويمكن أن تصاب باضطراب في التفكير والسلوك، ومن الضروري بالنسبة للأم والطفل أن تتم معالجة اكتئاب ما بعد الولادة، وهنالك علاجات فعالة جداً متوفرة لهذه الحالة. 3 طرق للعلاج النظرة الجديدة والمعاصرة للاكتئاب ترى أن المرض ناتج عن نقص أو عدم توازن بالمواد الكيميائية الموجودة في المخ والجسم ككل، وهذه المواد تسمى نويروترانسميترات (ناقلات كيماوية بين عصبية مثل سيراتونين ونورابنفرين ودوبامين)، ولأنّ المرض كما ذكرنا يصيب الجسم كله فكلما بقي الشخص المصاب بالاكتئاب فترة أكبر من دون علاج، زاد الوضع سوءاً وقل احتمال تخلصه من المرض نهائياً، ومن دون علاج للاكتئاب تتفــــاقم الأمور وتؤدي لمشاكل عائلية وأسرية (على الأغلب مشاكل بالحياة الزوجية)، ومـــــشاكل بالعــــمل ومع الأسف فإن البقاء من دون تلقي العلاج قد يؤدي للتفكير بالانتحار، ومن الممـــكن أن نقسم العـــــلاج إلــــي 3 طرق: المعالجة الدوائية، المعالجة النفسانية، والمعالجــــة بالتخـــــليج الكهربيّ (المعالجة بالصدمة الكهربائية)، وهناك أدوية مانعة ومضادة للاكتئاب تــساعد على توازن العمليات البيوكيميـــائية في المخ، وهذه الأدوية غير فعــــــالة بشــكل فوري، وعلى الغالب تحتاج إلى فترة ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع حتى يبدأ تأثيرها، وكأي دواء آخر، قد تكون لها أعراض جــــانبية مــــــثل (جفاف الفم، خمول، فقدان الشهية وزيادة التعرق)، ويجب مراجعة جهة طبــــية مؤهــــــلة فوراً عن كل عرض غير اعتيادي، كذلك من الواجب إخبار الطبيب فوراً حول أي تغير بالتصرفات، مثل القلق الزائد، وعدم الهدوء النفسي والخوف، والأرق والصعوبة في النوم، والعصبية والعدوانية والهجومية الزائدة، والاندفاع، عدم الراحة أو الانفعال الزائد والحركة الزائدة، في بداية كل علاج بواسطة الأدوية ضد الاكتئاب، من المهم إحــــاطة الطبيب الشخصي عن الأعراض الطارئة، وأيضاً في كل مرة يتم فيها تغيير عدد الجرعات أو نوع الدواء. النساء أكثر تشير المنظمات العالمية المختصة بالأمراض النفسية إلى أن الاكتئاب يصيب اكثر من 121 مليون شخص حول العالم، ويصاب به 15% إلى 25% من النساء، و10% إلى 15% من الرجال، فالنساء أكثر عرضة وإصابة بمرض الاكتئاب، وهناك إحصاءات أخرى تذكر أن نسبة إصابة المرأة تصل إلى 9 إلى كل رجل واحد، وفي الولايات المتحدة شعر الكثير من طلاب الجامعات بأعراض الاكتئاب لدرجة وصلت إلى نصف هؤلاء الطلاب، وكشفت الأبحاث أن نسبة الأمراض النفسية التي تصيب الجناة مرتفعة للغاية، فهي تصل ما بين 55% إلى 70% بين الأشخاص المحتجزين في قضايا متنوعة، وتبين أن معظمهم مصابون بمرض الاكتئاب أحادي القطب، والطريقة التي يتم التعامل بها مع هؤلاء المساجين المصابين كانت موضع بحث طرحت فيه الكثير من النقاشات والأطروحات، حول كيفية علاجهم وخروجهم من هذه الحالة، وهل هم مذنبون أم المرض هو السبب، وأوضحت دراسة أجريت على 5500 سجين مصاب بالاكتئاب أن هناك اختلافات كبيرة بين السجون في التعامل مع هؤلاء واستخدام التدخلات النفسية والاجتماعية للعلاج.
مشاركة :