إمكانات الخطاب وأثر الوعي الايديولوجي - ياسر صالح البهيجان

  • 2/19/2017
  • 00:00
  • 42
  • 0
  • 0
news-picture

إن أي اتجاه أيديولوجي يؤمن بإمكانية تقييد دلالة الخطاب يعد اتجاها إقصائيا متخلفًا ورجعيًا أيضًا، لأنه يتعارض مع الانفتاح النصوصي على مستويات الاستقبال، ويضمر عجزًا عن فهم المراوغة الدلالية التي باتت شرطًا معرفيًا يُنتج الاختلاف، أي ذاك الاختلاف النشط المحرض على التفكير المتجاوز لإمكانات المعنى المباشر والسطحي، والباحث عن تأويل أعمق يرفض الوقوف عند ما هو جمالي في الخطاب، ليصل إلى مستوياته النسقية الكامنة فيه والمختبئة خلف عباءة كلماته وجمله. أي عملية فكرية في الإنتاج والتلقي هي أيديولوجية بالضرورة، حتى وإن ادعى منتج النصّ أو مستقبله بأنه متجرد من أي أيديولوجيا توجه إنتاجه أو تأويله للنص؛ لأن هذا الاعتراف سيستحيل أيضا إلى معطى أيديولوجي لا يختلف عن غيره من الأيديولوجيات، فلكل خطاب مصطلحاته، ولكل مصطلح ذاكرته الثقافية، إذا ما سلمنا بأن اللغة -أي لغة- هي قيمة جمعية وليست نتاج قدرة فردية خالصة، ما يعني أن فكرة التجرد المطلق من الوعي الجمعي الحاضن للمنظومة الأيديولوجية غير ممكنة. الأيديولوجيات تقف حيال النص موقفين اثنين، أحدها انغلاقي يرفض تعددية التأويل عبر تدني أفق الاستقبال، والرغبة في توهم الإمساك بزمام النص معناه، والآخر منفتح انفتاحا سلبيًا يتجه نحو فرض رؤية تأويلية بعيدة عن الاحتمالات المشروعة والممكنة، ويجنح نحو تفسير مؤدلج لإثبات إدانة منتج النص انطلاقا من أفكار مسبقة راسخة في ذهن القارئ عنه، ما يجعل الخطاب رهين منتجه وليس دلالته المعرفية والفكرية. الوعي بالأثر الأيديولوجي والاعتراف به سواء في إنتاج الخطاب أو استقباله سمة منهجيّة، تسمح للفرد بتجاوز الدلالة الأحادية، وتجعله أكثر انفتاحًا أثناء بحثه عن الحقيقة المعرفية، حتى وإن بدت تلك الحقيقة نسبية وقابلة للتحول، إذ لا يمكن للتأثير الأيديولوجي أن يسهم في تأويل واعٍ يتخطى حدود الأحكام الساذجة والعاطفية، كما أنه ليس من المنطق ادعاء التجرد المطلق من أي أيديولوجيا، لأنه ادعاء واهم ما دام أي منهج فكري هو بالضرورة نتاج أيديولوجية ما. الاستسلام للأثر الأيديولوجي في تلقي الخطاب يحجب إمكانات كشف عيوبه النسقية وينتج حالة عمى ثقافي تتيح للأنساق المضمرة التغلغل في السلوك الجمعي، وتخلق بدورها حالة ركود فكري يسهم في الاستمرار باجترار الذاكرة الثقافية على ما تحمله من نتوءات وعلل رجعية ومتخلفة تجاوزتها ظروف المرحلة الراهنة، وباتت معوقًا رئيسًا يجدف عكس طموحات الصحوة المعرفية التي تحفز على المشاركة الفاعلة في بناء أطرحات فكرية تنسجم مع حالة التطور الإنساني.

مشاركة :