متطلبات تعامل المملكة العربية السعودية بفاعلية مع كل جوانب التحديات لحماية أمن الوطن واستدامة استقراره، مع الاحتفاظ بالمرونة المطلوبة لمواكبة المستجدات في ساحتَيْ الأمن الداخلي والخارجي، تزداد تعقيدًا كل يوم؛ فهناك التفاعلات داخل الحدود التي تتطلب عيونًا يقظة، تتابع أي مستجد يثير الشبهات. وهناك المستجدات خارج الحدود فيما يتعلق بالعلاقات الدولية, الاقتصادية والسياسية, الثنائية والتحالفية التي يتطلب التعامل معها بفاعلية مرونة وحكمة وبُعد نظر. في الداخل ما زالت قوى الأمن الداخلية تتابع وتتصدى بنجاح للخلايا الإرهابية المتخفية. وقد تم القبض على كثيرين من أعضاء الخلايا الداعشية المختبئة في الأحياء في مدن متباعدة، تعمل معًا في شبكات متداعمة، تهدد بتفجير أمن الوطن والمواطنين. وفي اليمن ما زال الاشتباك قائمًا بين الشرعية التي تدعمها السعودية والتحالف الدولي, والانقلابيين الحوثيين وعلي عبدالله صالح الذين تدعمهم إيران بالمال والسلاح وحتى التدريب والتخطيط. ببساطة، السعودية لا يمكن أن ترضى بوجود هذه النشاطات الإيرانية الهدامة على حدودها، ولا ياستهداف أمنها الداخلي، ولا باستهداف الجيران. ومع هذا، فالسلام مهم جدًّا للسعودية؛ لأنها تعلم أن الاستقرار والنمو لا يستدام إلا في أجواء السلام إقليميًّا ودوليًّا. في الأسبوع الماضي تناقلت وكالات الأنباء تفاصيل زيارة الرئيس التركي أردوغان للمملكة العربية السعودية في الوقت نفسه الذي قام فيه الرئيس الإيراني روحاني بزيارة سريعة لكل من الكويت وعمان, جاءت بعد زيارة أمير الكويت لطهران للتباحث حول مبادرة لتقريب وجهات النظر, وتخفيف حدة التصعيد والمواجهة العسكرية بين إيران وجيرانها في الخليج والجزيرة. بينما زار ولي عهد البحرين المملكة العربية السعودية للتباحث حول المشتركات. تركيا وإيران تجدان نفسيهما مضغوطتَيْن؛ إيران لتغيير موقفها الصلف من جيرانها وعنجهية التدخل في شؤونهم الداخلية، بل الوجود العلني والتحكم في حكومات سيادية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. والسبب الواضح هو تغير السياسة الأمريكية تجاهها في المرحلة القصيرة منذ تولى الرئيس ترامب الرئاسة. انتهى توجُّه تسامح الرئيس السابق أوباما الذي رفع الحصار الاقتصادي عنها، وفتح باب التفاوض حول برنامجها النووي، وتقبل استمرارها فيه.. وهو ما يراه جيرانها الخليجيون أمرًا مرفوضّا. وقد أوضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن سياسة إيران في تصدير الثورة يجب أن تتوقف، وعليها التعايش مع الجيران بسلام واحترام.. وإذا فعلت ذلك بجدية فلا مانع من تقبلها في الجوار كجار غير عدواني النيات. أما تركيا فهي أيضًا في وضع متأزم اقتصاديًّا وسياسيًّا بعد الانقلاب الفاشل الذي تتهم الولايات المتحدة بالتواطؤ فيه مع من سمتهم الكيان الموازي المندس في كل فئات المجتمع. وحضور روسيا في ساحة الصراع السوري يزيد الطين بلة؛ إذ في الشمال الشرقي من سوريا تتأجج احتمالات تجمعات الأكراد وتحركات داعش؛ ما لا يجعل موقف تركيا سهلاً في اختيار من تتحالف معه ضد من. يبقى أن علاقاتها مع دول الخليج كانت دائمًا إيجابية؛ إذ تمثل الأموال الخليجية نسبة مهمة في الاستثمار الخارجي في تركيا. التوازن بين متطلبات السلام والاستقرار يعني التوازن بين الضغوط والإصرار على حماية كرامة الوطن وأمنه. ويظل السلام بشرط التخلي عن حلم الهيمنة على الجوار هو الهدف الأخير والأصلح. لا أحد يحب الحروب أو استمرار الصراعات إلا أولئك الذين يجدون فيها ما ينفعهم, كأن يكونون باعة للسلاح للطرفين, أو يجدون في افتعال عدو خارجي ما يشغل شعبهم عن التفكك والغضب الداخلي, أو يحلمون بالتشبث بالسلطة, حتى بعد فقدان الشرعية والمصداقية كعلي عبدالله صالح وبشار الأسد وحسن نصر الله. الدكتوره ثريا العريض الجزيرة
مشاركة :