شهدت ساحات القضاء السعودي أخيراً جرائم مرتبطة في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً «واتسآب». وتعددت القضايا بين التشهير والقذف والسب، فيما أصدرت المحاكم عقوبات على مُدانين، أبرزها الجلد والسجن والغرامة. وأصبح تشويه سمعة الآخرين وقذفهم أو التشهير بهم عبر هذه المواقع منتشراً في المملكة، وفي المقابل، تصدت الأجهزة العدلية لتلك الجرائم، إذ عاقبت متورطين في تلك القضايا، تطبيقاً للأنظمة التي تجرم السب والقذف والتشهير. وتعاقب المادة الثالثة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية في أقصى عقوبتها بالسجن لمدة سنة، وغرامة 500 ألف، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يمس في الحياة الخاصة، من طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها. وفي أحدث جريمة من هذا النوع، أوقفت أجهزة الأمن شاب سوري الجنسية في الرياض، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بعد انتشار وسم على موقع «تويتر»، بعنوان «سوري يساوم سعودية على شرفها»، يحوي صوراً لمحادثة عبر «واتسآب»، توضح «مساومة» المتهم مواطنة قصدته بحكم منصبه للحصول على وظيفة، وطلب لقائها في مقابل توظيفها، بينما كانت المواطنة تتوسل سرعة توفير وظيفة لها، نظراً إلى حاجتها إلى المال لعلاج والدها ورغبتها في استقدام عاملة منزلية له. ودانت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض في أيار (مايو) الماضي، مقيمة عراقية بالإساءة إلى الحكومة السعودية بوصف «مسيء»، إضافة إلى تأييد تنظيم «داعش»، ومتابعة وتداول أخباره عبر برنامجي المحادثات «واتسآب» و«تيلغرام»، وأصدرت حكماً ابتدائياً بسجنها ستة أعوام، بعدما ثبت اقدامها على تخزين وإرسال وإعداد ما من شأنه المساس بالنظام العام، وتداول مقاطع «فيديو» خاصة في التنظيم الإرهابي، مع عدد المؤيدين لـ«داعش». وأعلنت وزارة الداخلية في نيسان (أبريل) الماضي، رصد استخدام آلاف الحسابات بأسماء سعودية «وهمية»، تبث أكثر من أربعة ملايين رسالة «سلبية» شهرياً عبر «تويتر» خلاف ما يُبث عبر مواقع أخرى، من جهات وصفتها بـ«المعادية». وأضافت الوزارة أنه «من خلال المتابعة والتحليل لما يطرح في شبكات التواصل الاجتماعي: تويتر، وفايسبوك، ويوتيوب، وواتسآب، وسناب شات تبين أن هناك مجموعة من الآفات التي يسعى مغرضون بمختلف توجهاتهم وميولهم إلى بثها ومحاولة خداع المتلقين بها، وفي مقدمتها التأليب على ولاة الأمر، والدعوة إلى الخروج عليهم». وفي العام 2015، تسبب «واتسآب» في طلاق زوجين، إثر «حالة واتساب» دونتها زوجة سعودية في البرنامج، وتأكد الزوج أنه المعني بالعبارة التي أثارت اعتراض الكثير من أقربائه وأهله، وسببت له «الحرج». وقال الزوج الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ«الحياة» حينها: «طليقتي دونت عبارة كشعار وحالة على برنامج واتسآب تسببت لي في حرج بين زوجات أصدقائي وأقربائي»، مضيفاً: «كتبت عبارة: حسبي الله ونعم الوكيل فيك مع كتابة الحرف الأول من اسمي، واكتفت بذلك، ولم استوعب ما تعنيه إلا بعد التأكد منها شخصياً، إثر اتصال تلقيته من أحد أقاربي». ويتسبب تصوير مقاطع فيديو لأشخاص من دون علمهم ونشرها على المواقع في التشهير، حتى لو كانت النية «سليمة». وفي حادثة من هذا النوع، فتح حادث فيديو تحرش شباب بفتاتين في مجمع تجاري في المنطقة الشرقية ملفاً يتمثل في تصوير الحوادث التي تقع في الأماكن العامة، وبثها عبر مواقع التواصل، وهو ما يعرض أصحابها إلى العقوبة بحسب نظام الجرائم المعلوماتية. وبعد إيقاف الشابين المتهمين في قضية التحرش، قررت مجمعات تجارية ومتنزهات ومطاعم فرض رقابة على مصوري المقاطع التي تُبث في المواقع، وتحديد هوياتهم من خلال كاميراتها الداخلية بالتنسيق مع أجهزة الأمن، التي طالبت بمعرفة «الأشخاص الذين يوثقون الحوادث التي تحصل داخل المجمعات ويبثونها، بدلاً من الاكتفاء بتقديمها إلى الجهات المختصة». وفي السياق نفسه، أصدرت المحكمة الجزائية في المدينة المنورة نهاية 2015، حكماً بسجن مواطن 15 يوماً، وتغريمه ثلاثة آلاف ريال، إثر تشهيره بمواطن عبر «تويتر». وأوضح محامي المدعي عبدالرحمن المحمدي أن «شكاوى القذف والتشهير باستخدام الوسائل والوسائط الإلكترونية يعاقب عليها نظام مكافحة الجرائم الإلكترونية بالسجن والغرامة، لكل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية، ومنها التشهير في الآخرين، أو إلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة»، مشيراً إلى أن القرائن والأدلة «مطلب أساسي ومهم» ضمن سلسلة إجراءات محاكمة مرتكبي القذف الإلكتروني، وصولاً إلى إيقاع العقوبة القانونية في الحقين العام والخاص ضد مرتكب الجريمة. وتحتل المملكة المرتبة الـ14 عالمياً بالنسبة لعدد مستخدمي «واتسآب»، بـ56 في المئة من إجمالي مستخدمي الهاتف الجوال، إضافة إلى كونها السابعة عالمياً في عدد حسابات الفرد الواحد في جميع مواقع التواصل، بمعدل سبعة حسابات للفرد، ثلاثة منها نشطة، والأولى عالمياً من ناحية عدد مستخدمي الهواتف المحمولة. وأظهرت دراسة أجريت تحت مظلة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في العام 2015، أن عدد مستخدمي الهواتف المحمولة في السعودية يفوق أية دولة في العالم، إذ تصل إلى 180 جهازاً في مقابل كل 100 سعودي، على رغم عدم تجاوز سكان المملكة في العام نفسه الـ30 مليوناً، إلا أنه وبحسب هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، فإن عدد المشتركين وقتها في خدمات الهاتف النقال وصل إلى 52 مليوناً. واعتبر قانونيون التجاوزات الصادرة عن مشجعي الأندية الرياضية مثل التجمع للقيام بأعمال التخريب والاعتداء «من الأفعال المجرمة»، مشيرين إلى أن نشرها عبر مواقع التواصل يخضع إلى نظام الجرائم المعلوماتية، ولم يستبعدوا أن تصل العقوبات إلى السجن ودفع غرامة نصف مليون ريال. وقال المستشار القانوني محمد الوهيبي لـ«الحياة»: «إن قيام المتعصبين بالاعتداء على الأشخاص سواء أكان هذا الاعتداء بالضرب أم بتصوير الأحداث، ونشر هذه الاعتداءات على مواقع التواصل، جريمة يعاقب». يذكر أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، كشفت في العام 2014، أن الابتزاز وانتحال الشخصية في مواقع التواصل تحتلان صدارة «الجرائم الإلكترونية»، إضافة إلى جرائم أخرى، منها نشر الخطابات السرية والتشهير.
مشاركة :