المسرحية تنزل الأحداث في سياق التحولات المجتمعية الراهنة، فجاءت الحوارات بلغة اليوم، والشخصيات بملامح اللحظة وحرصت المخرجة البرازيلية على تنزيل الأحداث في سياق التحولات المجتمعية الراهنة، فجاءت الحوارات ناطقة بلغة اليوم، والشخصيات حاملة لملامح اللحظة، فرغم محافظتها على الحوارات الأصلية، حاولت أن تجعل عملها أكثر التصاقا بالمرحلة الراهنة. فكريستين زوجة الماركيز روبير لم تعد من أصول نمساوية، بل عربية، والحارس شوماخر صار أسود، وأندري جوريو لم يعد ذلك الطيار البطل الذي عبر المحيط الأطلسي، بل غدا بحارا ينقذ المهاجرين المغامرين بأنفسهم في عرض المتوسط… غايتها أن تنزل الدراما في ظرف يبين تفسخ شريحة من البورجوازية المستهترة ليس في قصر بسولونيا، كما في النص الأصلي، بل في مبنى الكوميدي فرانسيز نفسه، حيث يتحول بيت موليير إلى فندق خاص يستقبل فيه الماركيز ضيوفه. ولما كان مولعا بالسينما، فقد عمد إلى تصوير الحفل قبل بدايته، ثم اضطر إلى ترك الكاميرا لغيره فكشفت تلك الكاميرا نفسها علاقته بالحسناء جونفييف، ووقوع زوجته هو في هوى البحار. منذ ما يزيد على ثلاثة قرون، هذه هي المرة الثانية، بعد إخراج فان هوف لـ”ملاعين فيسكونتي”، التي تقتحم فيها السينما الكوميدي فرانسيز، ذلك أن ثلث العرض الذي اقترحته جاتاهي كان سينمائيا، إذ يبدأ العرض بفيلم يدوم ستا وعشرين دقيقة، يبث على شاشة ضخمة تحتل الخشبة طولا وعرضا مثل جدار أبيض، إضافة إلى كاميرا تصور الأعمال التي تتم في زوايا مخفية وتبث بدورها على الشاشة، وكذلك كاميرا صغيرة طائرة بجهاز تحكّم عن بُعد تُصوّر القاعة والجمهور من فوق، مع مشاهد ارتجالية وسط الجمهور يتخلله رقص وأغان فولكلورية. تقول جاتاهي “أنا على يقين أن بالإمكان صياغة عمل تجريبي لا يكون غامضا حدّ الإغلاق، وهدم الجدار الذي يفصلنا عن الجمهور”، ولكن النتيجة جاءت دون المؤمل، فرونوار عندما صوّر “قانون اللعبة” عام 1939 كان واعيا بأن الكارثة وشيكة، وأن جانبا من المجتمع الفرنسي سادر في لهوه لا يعي الخطر المحدق، والشريحة التي صورها في شريطه كانت بحق تمثل تلك الطبقة اللامبالية، وتعكس مخاوفه العميقة. ورغم نية المخرجة البرازيلية تحذير العالم من حرب أخرى تهدده اليوم كما قالت، إلا أنها لم تفلح في تمرير ذلك الخطاب، ولكنها في المقابل نجحت في تصوير خواء المتع التي ترتمي فيها تلك الشريحة بكل اندفاع، وهذا هو الجانب الذي تفاعل فيه الجمهور مع عرض أرادت المخرجة من ورائه إزالة الحواجز بين الواقع والتخييل.
مشاركة :