كان استبدال عالم افتراضي بالعالم الحقيقي خدعة متقنة. لكن ربما يكون الجمع بين العالمَين أكثر منفعة! يتوقّع الخيال العلمي المستقبل ويؤثر في العلماء وخبراء التكنولوجيا الذين يعملون على تحقيق ذلك المستقبل. مثلاً، تُعتبر الهواتف الخلوية نسخاً واقعية من أجهزة الاتصال المحمولة باليد التي استعملها الكابتن كيرك وفريقه في مسلسل Star Trek الأصلي. حتى أنّ النماذج التي ظهرت في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على شكل صدف استوحت تصميمها من تلك الأجهزة الخيالية مباشرةً. إذا حقّقت مختلف الشركات أهدافها، بدءاً بالعملاقة منها كـ«مايكروسوفت» و«غوغل» وصولاً إلى المبتدئة منها وأبرزها «ماجيك ليب» و«ميتا»، ستتجه الخطوة المقبلة التي تسمح بالقفز من عالم الخيال نحو الواقع المضخّم. يُعتبر الواقع المضخّم جزءاً أساسياً من منتجات الخيال العلمي، بدءاً من شاشات العرض بمستوى الرأس التي استعملها أرنولد شوارزنيغر في أفلام Terminator (المبيد) وصولاً إلى شاشات الحواسيب التجسيمية التي استعملها توم كروز بدور شرطي مستقبليّ في فيلم Minority Report (تقرير الأقلية). الواقع المضخّم شبيه بالواقع الافتراضي على بعض المستويات، لكن تبرز اختلافات أساسية بينهما: ينسب كل مفهوم معنىً مختلفاً إلى مصطلح «الواقع». يهدف الواقع الافتراضي من جهته إلى إدخال المستخدمين في عالم مقنع لكن اصطناعي. في المقابل، يُكَمّل الواقع المضخّم العالم الواقعي عبر دعمه ببيانات محوسبة مفيدة أو ترفيهية. ربما يكون ذلك التداخل خارطة مليئة بالاتجاهات، أو جهازاً لتذكيرنا باجتماع، أو كائناً فضائياً افتراضياً يحمل سلاحاً بالأشعة ويكون مستعداً للتفجير! رغم الضجة التي أحدثها الواقع الافتراضي والشهرة التي حصدها أخيراً، يميل الناس إلى تمضية الوقت في الوقائع الحقيقية أكثر من الوقائع المحوسبة. لذا يشعر خبراء التكنولوجيا بالحماسة تجاه الواقع المضخّم ويترقبون نشوء سوق عملاقة جديدة. تتوقع شركة «ديجي كابيتال» التي تشمل مستشارين متخصصين بالاندماج والاستحواذ في كاليفورنيا إنفاق 108 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2021 على الواقع الافتراضي والواقع المضخّم معاً، لكن ستُخصَّص ثلاثة أرباع ذلك المبلغ للواقع المضخّم. «فاب 2 برو» في نهاية السنة الماضية، كشفت «غوغل» و«لينوفو»، شركة معدات صينية، عن ابتكار «فاب 2 برو»، أول هاتف يستعمل جزءاً من تقنية «تانغو» التي أنتجتها «غوغل». من خلال تزويده بمجموعة إضافية من أجهزة الاستشعار، سيتمكن الهاتف من رصد شكل العالم من حوله. ومن خلال استعمال المعلومات التي تجمعها أجهزة استشعار عاملة بالأشعة تحت الحمراء وعدسة واسعة الزوايا وكاميرا «وقت الطيران» (تقيس الوقت الذي تحتاج إليه النبضات الضوئية كي تعكس محيط الهاتف)، تستطيع تقنية «تانغو» جمع صورة ثلاثية الأبعاد عن ذلك المحيط. بفضل هذه الأدوات كلها، يمكن أن يصمّم الهاتف المزوّد بتقنية «تانغو» نموذجاً عن منزل أو مكتب أو أي مساحة أخرى، ثم يستعمل ذلك النموذج على شكل لوحة يمكن رسم الصور عليها. لاستكشاف الخيارات المحتملة، ابتكرت «غوغل» تطبيقات يستحيل استعمالها على هواتف غير مزوّدة بتقنية «تانغو». تغطّي خدمة «القياس» مثلاً شريط قياس افتراضياً على شاشة الهاتف. يكفي أن نوجّهه نحو الباب كي يخبرنا بعرضه وعلوّه. ويكفي أن نوجّهه نحو سرير كي نعرف أبعاده، ما يسمح لنا بالتأكد من أنه يستطيع المرور عبر الباب. يحمل تطبيق آخر في تقنية «تانغو» اسم «وورلد»، ويسمح للمستخدمين بملء غرف المعيشة في منازلهم بأزهار وصواريخ افتراضية، وتتفاعل هذه المعدات كلها بالشكل المناسب مع خلفية المكان. إذا وضعنا صاروخاً مثلاً وراء التلفزيون، سيمنعنا من رؤيته! رؤية عبر نظارات مختلفة يبدو الأثر الذي تعطيه تقنية «تانغو» مبهراً لكن لا تزال هذه التكنولوجيا في مراحلها الأولى. سيكون بناء نماذج ثلاثية الأبعاد عن العالم عملاً معقداً من الناحية المحوسبة، حتى أنه قد يستنزف سريعاً بطارية هاتف «فاب 2 برو» القوية. تستعمل هذه النماذج نفسها سعة تخزين البيانات في الهاتف بوتيرة متسارعة. ستكون شاشة الهاتف العاملة باللمس طريقة خرقاء للتواصل مع البرنامج. لذا يظن بعض مؤيّدي الواقع المضخّم أن هذه التقنية لن تنتشر بالشكل المناسب إلى أن يتخلى الناس عن الهواتف الذكية ويستبدلوا بها نظارات ذكية يمكن أن تعكس صوراً متداخلة على كل ما ينظر إليه المستخدم. أصبح هذا الشكل من النظارات متاحاً، لكنه يعطي أثره حتى الآن في أماكن العمل أكثر من المنازل. تُصنّع شركات مثل «أوبيماكس» في ألمانيا و«فوزيكس» في نيويورك نظارات مزوّدة بخاصية الواقع المضخّم، فيها كاميرات وأجهزة استشعار، وتستعمل مسلاطاً موضوعاً على إطار لتشغيل ما يشبه شاشة صغيرة وثنائية الأبعاد في زاوية واحدة من نظر المستخدم. عند استعمال تلك الشاشة في المستودعات مثلاً (إلى جانب تقنية تتعقّب العمّال والحزم)، يمكن أن يحصل الموظف على تعليمات حول وجهته ويحدّد أسرع طريق للوصول إليها ويختار الحمولات التي يجب أن يأخذها حين يصل إلى هناك، تزامناً مع ترك يديه فارغتين لنقل الصناديق. تظن شركة «أوبيماكس» أن هذا الابتكار يُحسّن مستوى الفاعلية بنسبة 25%. خلال مؤتمر في لندن، وصفت شركة الطائرات الأميركية «بوينغ» كيف استعملت نظارات الواقع المضخّم لمنح العمّال في مصانعها تعليمات مفصّلة حول طريقة جمع العناصر، فضلاً عن التحقّق من مسار العمل. نتيجةً لذلك، قال بول ديفيس من قسم البحوث في شركة «بوينغ» إن إيقاع العمل تسارع تزامناً مع تراجع الأخطاء. لكن لم تنجح محاولة جدّية لتقديم هذه التقنية للمستهلكين الفرديين. مثل منتجات «فوزيكس» و«أوبيماكس»، كانت نظارة «غوغل غلاس» التي ظهرت عام 2013 مزوّدة بمسلاط صغير يوضع على ذراع واحدة. كانت الفكرة تقضي بابتكار هاتف ذكي قابل للارتداء يسمح للمستخدم بإجراء المكالمات الهاتفية وقراءة الرسائل الإلكترونية ورؤية الخرائط واستعمال نظام تحديد المواقع العالمي المدسوس في النظارة تزامناً مع استعمال اليدين للقيام بمهام أخرى. لم تكن المشكلة تتعلق بالمستخدمين. بدا مستكشفو نظارة «غوغل غلاس»، أي الأشخاص المستعدون لدفع 1500 دولار لاستعمال الأداة قبل غيرهم، سعداء بما يكفي. لكن لم يُسَرّ في المقابل الأشخاص الذين كانوا يتواصلون معهم. سرعان ما حمل هؤلاء الناس لقب «حمقى النظارة» وأطلقه عليهم الأشخاص الذين انزعجوا من ميلهم إلى إلقاء نظرة على الرسائل الإلكترونية وسط المحادثات أو شعروا بقلق من قدرة الجهاز على تسجيل كل ما يحصل في مكان وجوده (منع بعض المطاعم دخول مستخدمي تلك النظارة لأسباب مرتبطة بالخصوصية!). وأوقفت «غوغل» تصنيع نظارة «غلاس» في عام 2015 لكنها تعمل على إصدار نسخة جديدة تستهدف الشركات بدل الأفراد. تحمل شركات أخرى طموحات أصغر حجماً، لكنها ربما تحقق نتائج أفضل. تأسست «رايدون» مثلاً على يد ثلاثة مهندسين لديهم خبرة في تصميم شاشات بمستوى الرأس للطائرات. ستبدأ قريباً ببيع نظارات واقية للتزلج مع خاصية الواقع المضخّم. تقضي هذه الفكرة بتحويل التزلج إلى لعبة فيديو عبر إظهار الطرقات للمستخدمين والسماح لهم بقياس الوقت والتنافس مع أصدقائهم والتقاط الصور... شاشات فاعلة يُصَنّع بعض الشركات شاشات أكثر فاعلية. بدل استعمال صور ثنائية الأبعاد، تقترح إنشاء واقع مضخّم ثلاثي الأبعاد. في مارس 2016، بدأت «مايكروسوفت» بتصنيع نسخ أولية من نظارة «هولولنس» ويمكن أن يستعملها مصمّمو البرمجيات حول العالم. على عكس نظارات الواقع المضخّم التي أنتجتها «فوزيكس» و«أوبيماكس» أو نظارة «غوغل غلاس»، يمكن أن ترسم «هولولنس» صوراً ثلاثية الأبعاد موجودة في العالم الحقيقي على ما يبدو. يمكن أن يتجوّل المستخدمون على دراجة نارية افتراضية مثلاً للنظر إليها من الخلف أو يمكن وضع أكسسوارات افتراضية على طاولات أو رفوف حقيقية. بعبارة أخرى، ستكون هذه النظارة الجديدة شبيهة بالهاتف الذكي المزوّد بتقنية «تانغو» لكنّ إمكاناتها أعلى مستوى. تمسح كاميرات الجهاز العالم من حولها، علماً بأنها تشتق من نظام «كينيكت» (أكسسوار تطوّر في الأصل لأجل وحدة التحكّم بالألعاب «إكس بوكس 360» من إنتاج «مايكروسوفت»). تنتج تلك الكاميرات سيلاً من المعلومات الفائقة لدرجة أنّ «مايكروسوفت» اضطرت إلى تصميم رقاقة خاصة لمعالجة البيانات الواردة كافة. بعد فهم هذه التفاصيل ونظراً إلى القدرة على تعقّب موقع رأس المستخدم، يمكن أن تصمّم الآلة رسومها البيانية بناءً على تلك المعطيات، فتُصنّع مثلاً دراجة نارية افتراضية تبدو واقفة على أرض حقيقية. تسمح الكاميرات نفسها للمستخدم بالتفاعل مع الآلة عبر استعمال أوامر صوتية أو القيام بإيماءات في الجو أو تحديد اتجاه نظره بدقة. على عكس نظارات الواقع الافتراضي التي تحتاج إلى الاتصال بحاسوب شخصي أو هاتف ذكي كي تعمل، تشكّل نظارة «هولولنس» حاسوباً ذاتي الاحتواء لا يحتاج إلى أية أكسسوارات إضافية. يشاهد المستخدمون العالم عبر عدستين سميكتين وشفافتين. يبث مسلاطان الضوء نحو أعلى العدستين، وتنقل ثلاثة موجّهات أمواج بصرية (موجّه للضوء الأحمر وآخر للضوء الأخضر وآخر للضوء الأزرق: إنها الألوان الأولية التي تشتق منها الألوان الأخرى) ذلك الضوء نحو أسفل العدسة قبل ثنيه بزاوية 90 درجة وتوجيهه نحو عينَي المستخدم. تُحوّل نظارة «هولولنس» الواقع إلى شاشة حاسوب عبر بث صورها في العالم الحقيقي. يمكن وضع النافذة التي تحتوي على خاصية الاتصال عبر «سكايب» على جدار المكتب، فتختفي حين ينظر المستخدم بعيداً وتعود للظهور حين ينظر إليها مجدداً. يمكن وضع رزنامة محوسبة على المكتب (أو السقف!). ورؤية هذه المعلومات كلها ممكنة من دون الانقطاع كلياً عن العالم الخارجي كما يحصل مع نظارة الواقع الافتراضي. كانت الألعاب جزءاً من أوائل نماذج نظارة «هولولنس». في النموذج الأول، فجّر المستخدمون كائنات فضائية اختبأت وراء كنبات غرف المعيشة في منازلهم. في النموذج الثاني، لعبوا بقطع مأخوذة من لعبة «ماين كرافت»، شكل افتراضي من لعبة الليغو، على طاولة غرفة المعيشة في منزلهم. وركّزت أحدث التطبيقات على مجال العمل والتدريب. يبث تطبيق صُمّم بالتعاون مع جامعة «كيس ويسترن ريزيرف» في «كليفلاند» جسم الإنسان في إحدى الغرف لتعليم علم التشريح بسهولة. يمكن أن تضيف موجة من الأيدي العضلات إلى الهيكل العظمي أو تُخرِج القلب من الصدر لتحليله عن قرب. تحسين العالم مثل تقنيات كثيرة في مجال الخيال العلمي، سبق وأصبح الواقع المضخّم متداولاً لكن لا تُوزَّع منتجاته بالتساوي. كانت النسخة الأولية عبارة عن شاشات عرض بمستوى الرأس بدأت تُضاف إلى المقاتلات النفاثة خلال الخمسينيات. تُعرَض معلومات مثل اتجاهات البوصلة وارتفاع الأماكن والعمليات المصرفية على شاشة في مقصورة الطيار. قد توضع تلك الشاشات أحياناً في السيارات أيضاً. لكن لم يكن خوض هذه التجربة أمراً ممكناً في حياة الناس اليومية إلا بعدما تقلّصت الحواسيب وباتت قوية بما يكفي اليوم. في السنة الماضية، انشغل العالم لفترة قصيرة بلعبة «بوكيمون غو» التي تُستعمَل على هاتف ذكي مزوّد بخاصية الواقع المضخّم. راح اللاعبون يتجولون في ردهة المباني أو وسط الأشجار حول العالم لجمع وحوش افتراضية تظهر بفضل كاميرا الهاتف على الشاشة. كذلك تُعتبر تطبيقات مثل «سناب شات» مثالاً بارزاً آخر في هذا المجال، إذ يشمل هذا التطبيق فلاتر للصور تسمح للمستخدمين بالتقاط صورهم وصور الآخرين مع أذنَي أرنب محوسب أو ماكياج افتراضي كامل. لكن تبرز أيضاً استعمالات أقل سخافة. يستخدم تطبيق «ترجمة غوغل» رؤية الحاسوب والترجمة الآلية وكاميرا الهاتف الذكي لعرض الصور التي تستعمل النصوص حول العالم مثل الخيارات الواردة على قوائم الطعام ولافتات الشوارع، فيحوّلها إلى أي لغة من عشرات اللغات. تتّكل تطبيقات مثل «سناب شات» وخدمة «الترجمة» على أنظمة حلول حسابية مبنية على رؤية الآلة كي تعطي نتائجها. «سناب شات» مصمّم للتعرّف إلى الوجوه، ويُعتبر عمل هذا التطبيق جيداً بما يكفي لكن لا يمكن استعمال أذنَي الأرنب في هذه الحالة إلا على الرأس. كذلك، تبحث خدمة «الترجمة» عن نصوص من العالم كي تنفّذ مهمّتها. لكن تخطط شركات تصنيع الهواتف الذكية لمشاريع أضخم بكثير. مشروع متوسع يمكن استعمال نظارة «هولولنس» بشكل جماعي أيضاً. في عرض آخر، حصل شخص على تعليمات حول طريقة إصلاح قابس الضوء من شخص آخر كان يستعمل نظام مؤتمرات الفيديو في غرفة أخرى. استطاع المرشد أن يشاهد ما يراه مستخدم نظارة «هولولنس» ويرسم فوق مجال رؤيته (رسم مثلاً دوائر حول الأغراض التي تهمّه أو حدّد الأداة الصحيحة في صندوق). تجري شركة الهندسة الألمانية «ثيسن كروب» التجارب لإعطاء الأجهزة إلى عمّال التصليح فيها. إذا كُلّف أحد بعمل صعب، يمكنه أن يتّصل بالمكتب الرئيس طلباً لتلقي نصائح من الخبراء. يمكن أن يتّصل المستخدمون ببعضهم أيضاً ويشاهدوا الواقع المضخّم نفسه (على طريقة الخيال العلمي الحقيقي، يظهر المستخدمون الآخرون على شكل شخصيات ذهبية وثنائية الجنس ومبهمة بما يشبه أسلوب تصميم الفنون البصرية «آرت ديكو»). بدأت الشركة الدولية للهندسة والمهندسين «آيكوم» تستعمل نظارة «هولولنس» لتسهيل تصميم المباني. يمكن أن تكون مشاريع البناء المعاصرة معقدة جداً بحسب جون إنديكوت، أحد المديرين التنفيذيين في شركة «آيكوم»، ما يعني أن أكثر المصمّمين خبرة ربما يجدون صعوبة في حفظ المعلومات كافة في عقلهم. في عام 2016 صمّمت الشركة مبانٍ حول معرض «سربنتين» الفني في لندن. لاحظ إنديكوت أن الناحية الهندسية من تلك المباني كانت معقدة جداً: «لم نستطع التحقق منها على شاشة ثنائية الأبعاد، لكن سمحت لنا نظارة «هولولنس» بمراجعة التفاصيل كلها». تعاونت شركة الهندسة الأميركية «تريمبل» مع «آيكوم» لتطوير النظام. يقول أفياد ألماغور، مدير برنامج «الواقع المختلط» في «تريمبل»: «نلاحظ أيضاً أن النظام مزوّد بتطبيقات تُعنى بالمجالات كافة، من المناجم والزراعة إلى إدارة المنشآت. يمكن أن نقوم بنشاطات عدة مثل تعقّب الموارد [عمّال المناجم أو الشاحنات أو المعدات] أثناء تنقّلها في نموذج ثلاثي الأبعاد من أحد المناجم في الوقت الحقيقي». لكن لا يمكن اعتبار نظارة «هولولنس» مثالية بأي شكل. الاستفادة من سحر الواقع المضخّم ممكنة في جزء صغير من رؤية المستخدم (يمكن تشبيه الوضع بالنظر إلى عالم محوسب عبر صندوق بريد!). صحيح أن النظارة خفيفة (تزن نحو 600 غرام) ومريحة، لكنها ضخمة وليست أنيقة الشكل. ويبدو استعمال نظام تعقّب الحركات للتفاعل مع نظارة وهمية أمراً متعِباً وغريباً. لم يُعرَض هذا النظام للبيع بعد، لكن حين يحصل ذلك (لم تحدد «مايكروسوفت» موعداً دقيقاً)، من المتوقع أن يجذب الشركات دون سواها بسبب سعره (لا يزال مجهولاً مع أن بعض النسخ بيع لشركات تصميم البرمجيات مقابل 3 آلاف دولار على الأقل). يبرز خصم محتمل آخر: إنها مجموعة «أوسترهاوت» للتصميم في سان فرانسيسكو. تُصَنّع المجموعة نظارات بخاصية الواقع المضخّم للشركات الصناعية والطبية وأعلنت عن منتجَين يستهدفان الأفراد. صحيح أنهما أقل مستوى من نظارة «هولولنس» من الناحية التقنية، لكنهما أكثر سلاسة من المنتج المنافِس. مع ذلك تبقى «ماجيك ليب» أبرز منافِس لـ «مايكروسوفت»: تأسست تلك الشركة في فلوريدا في عام 2010 وجذبت استثمارات بقيمة 1.4 مليار دولار من شركات مثل «غوغل» و«علي بابا»، أكبر شركة بيع إلكترونية بالتجزئة في الصين، كذلك لفتت الانتباه بفيديوهاتها الترويجية المميزة. وهي احتفظت بأسرارها التكنولوجية لنفسها لدرجة أنّ بعض المشككين يظنّ أنها باعت تقنيتها بكميات تفوق قدرات إنتاجها. لكن تكشف نماذج أصدرتها عن صور أكثر وضوحاً وتميّزاً من تلك التي تستطيع «مايكروسوفت» بثها عبر نظارة «هولولنس». لا تتحمسوا كثيراً رغم هذه الضجة كلها، لا يزال الواقع المضخّم في مراحله الأولى ولا يمكن اعتباره تقنية استهلاكية حتى اليوم. لذا لا مفر من التشكيك بتقديرات الأسواق التي تتوقع حصد أرباح خيالية في نهاية هذا العقد، لا سيّما أنّ الواقع الافتراضي الذي يشبه الواقع المضخّم وأثار ضجة أكثر منه أثبت محدوديته حتى الآن. لم تصدر أي شركة تُصَنّع نظارات الواقع الافتراضي أرقام مبيعات رسمية، لكن تبدو الأرقام المسرّبة متواضعة. في أكتوبر 2016، صرّحت شير وانغ، رئيسة مجلس الإدارة في شركة الإلكترونيات الاستهلاكية التايوانية «إتش تي سي»، للموقع الصيني87870 News أن شركتها باعت 140 ألف نسخة من جهاز «فايف» منذ إطلاقه في شهر أبريل السابق (في المقابل، تبيع شركة «آبل» 870 ألف جهاز «آي فون» في اليوم!). في نوفمبر، اعتبرت «سوبر داتا» المتخصصة ببحوث السوق في نيويورك أن الواقع الافتراضي كان «أكبر خاسر» في موسم التسوق الأميركي خلال عيد الشكر، لذا خفّضت توقعات مبيعاتها لنظارة «بلاي ستيشن» العاملة بالواقع الافتراضي من إنتاج «سوني» عام 2016 من 2.6 مليون إلى 750 ألف. حتى في أوساط شركات التكنولوجيا المتفانية، تبدو الحماسة تجاه الواقع الافتراضي محدودة. اكتشف استطلاع أجراه المتجر الإلكتروني «ستيم» الذي يطغى على سوق الألعاب المحوسبة أن 0.38% من عملائه فقط اشتروا نظارات الواقع الافتراضي في شهر ديسمبر، علماً بأن هذا الرقم بقي ثابتاً منذ الشهر السابق. إذا لم يختفِ الواقع المضخّم بالطريقة نفسها لا بد من تسهيل استعماله، ما يعني ضرورة أن تتكيّف النسخ الاستهلاكية مع هواتف الناس. يقول تيم ميريل، رئيس شركة «ديجي كابيتال»، إن الهواتف أجهزة شائعة يرتاح لها الناس. هي أصبحت بالنسبة إلى كثيرين الجهاز الافتراضي المستعمل لمختلف العمليات المحوسبة. وتقدّم متاجر التطبيقات القائمة فيه طريقة سهلة كي يبيع المصممون برمجياتهم ويمكن أن يساعدهم نموذجه المهني (حيث يدعم مشغّلو الشبكة كلفة المعدات ويستعيدون قيمة هذا الاستثمار عبر الضرائب ورسوم الإيجار) على وضع خطة مالية لتحديد التكاليف الأولية التي يجب أن يدفعها العميل. على صعيد آخر، تبدو شاشة الهاتف صغيرة ومعقدة وربما نضجر من حمل الجهاز كلما أردنا استعمال تطبيق الواقع المضخّم. تقدّم نظارات مثل «هولولنس» طريقة لمعالجة هذه المشكلة. ستكلّف الأجهزة التي أصبحت قيد التطوير راهناً آلاف الدولارات وستبدو سخيفة. حتى الآن، تنحصر الفئة المستهدفة بالشركات التي تستطيع تحمّل كلفة المعدات ولا تهتم كثيراً بشكل الجهاز. لكن يأمل كثيرون أن يقلّصوا خليط أجهزة الاستشعار وقدرة الحوسبة اللازمة لتشغيل الواقع المضخّم بالدرجة التي تحدّث عنها مارك زوكربيرغ، مؤسس «فيسبوك»، حين عرض الجهاز أمام المصمّمين في أبريل الماضي: «سنحصل على ما يشبه نظارات عادية تجمع بين الواقع الافتراضي والمضخّم». يريد آخرون تطوير مشاريع إضافية. تستكشف شركتا «سامسونغ» و»آبل» فكرة ابتكار عدسات لاصقة بنظام الواقع المضخّم. حتى الآن، تبقى تلك الأجهزة بعيدة المنال. يحبّ العاملون في قطاع الحوسبة التكلم عن «لحظة الآي فون»، أي حين يُطلِق منتج متقن، بشكل شبه فردي، مرحلة جديدة من ثورة الحوسبة. لكن تلك اللحظات نتاج سنوات من البحوث عن تقنيات مختلفة وجهود حثيثة لتطويرها. لم يكن «آي فون» أول هاتف ذكي. بل كان يصعب إيجاد أي موظف إداري يحترم نفسه من دون «بلاك بيري» في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وتعود الفكرة الأساسية وراء هذا الابتكار على الأقل إلى أيام ظهور أجهزة المساعدة الرقمية الشخصية والمحمولة باليد خلال التسعينيات. لذا من المستبعد أن تنجح أي من المقاربات الراهنة للواقع المضخّم في تغيير العالم كما فعل «آي فون». لكن يأمل المسؤولون عن تلك المقاربات أن يحققوا هذا الهدف يوماً عبر خليط من الابتكارَين.
مشاركة :