الاتحاد يؤكد أن تراجع بريطانيا عن قرار الانفصال أمر قانوني وأن الانفصال السهل ليس خيارا متاحا وأن الخيار أمام لندن بين الانفصال الصعب أو لا انفصال على الإطلاق. العربالستير مكدونالد [نُشرفي2017/02/21، العدد: 10550، ص(7)] فات أوان العودة بروكسل – أهاب توني بلير بالبريطانيين أن "ينهضوا" ويعطلوا انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي أو حتى التخفيف من شدته غير أن الأمر لم يعد في ما يبدو بأيديهم.. إذ أن الكثير من الأوروبيين يريدون الاستمرار في مسيرة الانفصال. بعد الاستفتاء الذي قرر فيه البريطانيون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي أصر الزعماء الأوروبيون وقد أصابهم الذهول على أن بوسع البريطانيين تغيير رأيهم. وربما شجع ذلك أمثال رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير الذي خرج الأسبوع الماضي ليتحدى خطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي تقضي ببدء عملية الانفصال الشهر المقبل وتحقيق الانفصال خلال عامين أيا كان ما يعرضه الاتحاد الأوروبي. ومهما كانت الآمال في ظهور عقبات قانونية أو صحوة من الناخبين، فقد تغير الجو السائد بين بقية الدول الأعضاء في الاتحاد تغيرا تامّا. وفي حين أن الباب لا يزال مفتوحا من الناحية الرسمية أمام بريطانيا للبقاء في الاتحاد فإن الكثيرين في القارة الأوروبية لا يرحبون الآن بالتراجع عن قرار الانفصال. وقال دبلوماسي أوروبي كبير "هذه الحافلة انطلقت"، وأضاف "ما من أحد سعيد بذلك. لكننا تحركنا وآخر شيء يريده أي واحد الآن هو إعادة فتح الموضوع برمته". ومن المؤكد أنه لا أحد يريد التنبؤ بأي قدر من الثقة بالنتيجة النهائية لعملية الانفصال في ضوء الانتخابات الصعبة المقررة هذا العام في فرنسا وألمانيا واهتزاز المشهد السياسي في مختلف أنحاء المنطقة بسبب الحركات الشعبوية الصاعدة. ويشترك في هذا الرأي دبلوماسيون من عدد من الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعددها 27 دولة وبعض مسؤولي الاتحاد. وحتى بين الحلفاء الذين سيخسرون أكثر من غيرهم من جراء الانفصال لا يدور حديث يذكر عن التراجع. وقال دارا ميرفي، وزير شؤون أوروبا في الحكومة الايرلندية في منتدى في دبلن، أبدى فيه الكثيرون خوفهم على الاقتصاد الايرلندي، “علينا أن نتقبل أن الانفصال سيحدث". ألمانيا وفرنسا وقوى أخرى كبرى تخشى أن يؤدي التساهل مع بريطانيا إلى المزيد من التفسخ في صفوف الاتحاد الأوروبي ومن المفوضية الأوروبية يرصد البعض أيضا نبرة أكثر تشددا تحذر من يريدون في بريطانيا الانفصال السلس الذي تحدثت عنه رئيسة الوزراء ماي في الشهر الماضي أو التراجع عن “الانفصال الصعب". وقال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية، الأسبوع الماضي متهكما، إن التردد لا يجوز فإما أن تظل بريطانيا عضوا وإما تنفصل. وقال جايلز ميريت، رئيس مركز "فريندز أوف يوروب" (أصدقاء أوروبا) للأبحاث في بروكسل “الجو السائد في بروكسل… ازداد تشددا فعلا خلال الأسابيع القليلة الماضية". لكن، مازال البعض يتحدث عن الأمل. فقد قال النائب الألماني تيري لارينتكه، الذي يتحدث باسم حزب الخضر في شؤون الانفصال البريطاني بالبرلمان الأوروبي، “رغم اللهجة المتشددة والتهديدات من جانب الحكومة البريطانية لا يزال الاتحاد الأوروبي مشروع إصلاح”. وأضاف “إذا قدر أن تقرر بريطانيا البقاء عضوا في الاتحاد الأوروبي فسيكافح حزب الخضر من أجل عدم إغلاق الباب”، غير أن ألمانيا وفرنسا وقوى أخرى كبرى تخشى أن يؤدي التساهل مع بريطانيا إلى المزيد من التفسخ في صفوف الاتحاد الأوروبي. ولذلك حتى إذا سعت ماي لطلب "انفصال سهل" تحتفظ بمقتضاه بريطانيا بكامل الحقوق في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي مقابل قبول القواعد المنظمة لها فقد نفد صبر الكثيرين على بريطانيا التي ضمنت لنفسها منذ فترة طويلة امتيازات خاصة. وقال ميريت، من مركز أصدقاء أوروبا، "الأعصاب متوترة الآن. سيتطلب الأمر من داوننغ ستريت (رئاسة وزراء بريطانيا) تحولا هائلا في الموقف للتمكن من قبول ذلك دون إراقة ماء الوجه على نطاق واسع". وبمجرد أن تخطر ماي الاتحاد الشهر المقبل بنية بريطانيا الانسحاب بمقتضى المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي فإن النكوص سيجابه حقل ألغام على المستويين السياسي والقانوني. وتؤكد ماي أن رسالتها في هذا الصدد ستكون نهائية لا رجعة فيها من حيث الصياغة القانونية. ويعتقد الكثير من مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن من الممكن وقف عملية الانفصال إذا كانت الدول الأخرى -الأعضاء السبعة والعشرون- أو معظمها توافق على ذلك. غير أن الشكوك تكتنف تلك الإرادة السياسية الآن. ففي أكتوبر قال دونالد توسك، رئيس وزراء بولندا السابق الذي يرأس مجلس الاتحاد الأوروبي لقادة الدول الأعضاء للبريطانيين، إن التراجع عن قرار الانفصال أمر قانوني وإن الدول السبع والعشرين ترحب به. لكنه حذرهم من أن "الانفصال السهل" ليس خيارا متاحا وأن الخيار أمام لندن بين "الانفصال الصعب أو لا انفصال على الإطلاق". ولا يبدو أن هناك أي استعداد لتقديم امتيازات من النوع الذي قد يدفع الناخبين في بريطانيا إلى تغيير آرائهم. وكان ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا السابق، توصل إلى صفقة كان يأمل أن تمكنه من الفوز في الاستفتاء على الانفصال وذلك بالسماح لبريطانيا بالحد من الهجرة من الاتحاد الأوروبي. أما الآن فلم يعد هذا مطروحا على المائدة بل إن البعض قد يستغل تراجع بريطانيا عن الانفصال في الضغط على لندن للتخلي عن امتيازات أخرى مثل خصم يصل إلى نحو 50 في المئة على الأموال المستحقة عليها للاتحاد الأوروبي إذا أرادت الاحتفاظ بعضويتها في الاتحاد الأوروبي.
مشاركة :