إذا أرادت الرؤية أن تغير وجه المملكة كما خطط لها وكما أرادها ولاة الأمر -حفظهم الله- فيجب التركيز على التطبيق سأتطرق لاحقا في هذا المقال عن علاقة رؤية 2030 وبيع الشاورما، لكن قبل ذلك سأرجع بالذاكرة عدة سنوات إلى الخلف عندما كنت أبحث لماذا بعض دول شرق آسيا تطورت مثل كوريا وماليزيا وسنغافورة، وأخرى تأخرت مثل إندونيسيا رغم إمكاناتها الهائلة. وتعمقت في القصة الشهيرة التي يعرفها كل من يعرف تاريخ إندونيسيا وهي عصابة بيركلي أو مافيا بيركلي، وهي باختصار طلاب إندونيسيون مجتهدون ابتعثوا لجامعة كاليفورنيا بيركلي الشهيرة في أواخر الخمسينيات لدراسة الاقتصاد، ولما حلت النكبة الاقتصادية في إندونيسيا في أواخر الستينيات من القرن الفائت طلب الرئيس سوكارنو منهم أن ينقذوا اقتصاد البلاد المحطم، ولقد قام هؤلاء الخريجون بمعجزة اقتصادية تدرس إلى الآن، حيث إنهم خفضوا التضخم خلال 3 سنوات من 650% إلى 13%! وكذلك زادوا معدل النمو الاقتصادي إلى أكثر من 6% سنويا، وقد زاد دخل الفرد إلى أكثر من خمسة أضعاف خلال عقد، لكن الأمور لم تسر حسنا فالبطانة الفاسدة حول سوكارنو بدوا بالتحريض عليهم سرا وعلنا لأنهم عطلوا الفساد الذي كانت البطانة مستمتعة فيه، وسموهم (مافيا بيركلي!)، وأخيرا اقتنع سوكارنو بكثرة الكلام وقام بإزاحتهم، ورجعت إندونيسيا للفساد والتخلف، وكان هذا هو الفرق الرئيس بين كوريا وسنغافورة وإندونيسيا، فكوريا وسنغافورة استمرتا بإزاحة الحرس القديم والاستفادة من مبتعثيها والتطور ومكافحة الفساد، بينما إندونيسيا انتكست ورجع الفساد فتخلفت، وكان من المفروض أن تكون الآن من أغنى الدول، لكن تبدو الأمور حاليا أحسن، وإندونيسيا ستكون هي مستقبل آسيا. من القصة أعلاه نستفيد شيئين رئيسين، أنه هناك مقاومة لكل تغيير، لكن الأهم الاستمرار، والشيء الآخر أن الفريق قبل الطريق، ولنجاح أي خطة أو رؤية فيجب بناء فريق مقتدر وذي أفكار إبداعية، ولا يجب إعادة تدوير الفريق القديم، ومقولة د. غازي القصيبي أو حكمته بالأحرى هي قاعدة في علم الإدارة (محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت). في علم الإدارة والاقتصاد تدرس قاعدة: إن اتخاذ القرار الصحيح ووضع الخطط العلمية أمر مهم للغاية، ويتساوى معه في الأهمية تطبيق القرار والخطة على الواقع، لأن عدم التطبيق الصحيح للقرار يجعله كعدمه. الآن تمشي في البلد والمنشآت الحكومية وتجد الجميع يضع شعار 2030، وهذا يدل على التفاعل والحماس، لكن في نفس الوقت تجد أن أكثر الناس بيروقراطية ومقاومة للتحديث أيضا يضعون هذا الشعار، بينما قراراتهم وتصرفاتهم كلها ضد روح التطور والرؤية، سواء عن قصد أو دون قصد، لقد تفاجأت جدا أن أرى مسؤولين حكوميين ومراتب عالية من قبيل مدير عام وأعلى ومستواه (اس 1) في القيادة بناء على نموذج بلانشارد للقيادات، مما يعني أن هناك البعض قضى عقودا في الوظيفة وما زال يقول لك دون خجل انتظر تجيني التعليمات في أمور بسيطة وبديهية، وهذا يعني حتى مع من هو أعلى منه ما زالت السلسلة تتكرر. إن الخبرة ليست بعدد السنيين كما يتصور البعض، وكمثال للتبسيط لو أن موظفا جديدا في الأرشيف كان عمله أن يفرز الملفات لصناديق بلون أخضر وأصفر وأزرق وأسود وبعد 15 سنة من الترقيات أصبح هذا الموظف هو رئيس الأرشيف، هل نعتبر خبرته 15 سنة؟! أو هي خبرة معادة (مكررة) ليس فيها تجديد، هنا في هذه الحالة نحن أمام رجل خبرته الحقيقية 6 أشهر أو سنة على الأكثر!. إن الترقيات والخبرة في القطاع الحكومي تعتمد غالبا على الأقدمية والعلاقات، هل هؤلاء (ذوو الخبرة المكررة) من نعتقد أنهم سيطورون ويتواكبون مع رؤية 2030 ويقومون بتطبيقها!، حتى إن لم يقف عائقا فإنه يكون سلبيا وغير نشط في التطبيق. أما عنوان هذا المقال فهو يتكلم عما نشر بالصحافة الأسبوع الماضي عن بائعة شاورما في الكورنيش معها ماجستير في تقنية النانو من أستراليا، أولا الشغل ليس عيبا أبدا، والفقير إلى الله كاتب المقال اشتغل في محطة ومحلات لأبي في صغري، وتعلمت خبرات حياتية لا تقدر بثمن، لكن تصوروا الموضوع، الدولة صرفت مئات الآلاف لتبتعث طالبة في تخصص تقني نادر يتماشى مع تحديث الدولة، وتخرجت من جامعة في دولة متقدمة علميا مثل أستراليا، وفي الأخير لا يستفيد منها البلد، هل هناك هدر لثروة البلد مثل هذا!. إن جوهر رؤية 2030 هو الاستفادة من عقول أبناء البلد وتحديث اقتصاد الدولة وجعله اقتصادا معرفيا، ولن يجدوا أفضل من تقنية النانو لتطبيق هذا الجوهر، ولربما كانت أماكن التوظيف التي أتتها نورة كانت تضع شعار رؤية 2030 على مكاتبها، وهنا الاختلاف بين الخطة والتطبيق، ونورة مجرد مثال نشرته الصحافة، وهناك الكثير مثلها، ولا أريد أن أحدد الموضوع بشخصها، ولكن أريد الحديث عن هذه المجموعة من شباب وشابات الوطن، ليس أسوأ على إمكانات وتقدم أي بلد من فقدان عقوله وشبابه للأمل. وربما الوضع سيصبح أسوأ مستقبلا مع نظام استقلالية الجامعات الجديد، إذ الآن مع وجود بعض السلطة للوزارة ومع ذلك بعض أقسام الجامعات تزور وتخلق اختبارات وهمية للمفاضلة بين المتقدمين كما نشر في الصحافة قبل أسابيع، فما بالكم بعد نظام الاستقلالية. لا شيء يدفع الشاب إلى الإحباط وعدم العطاء والتهور مثل عدم المساواة، أنا متأكد أن الشباب السعودي ممكن أن يعمل بأي وظيفة كانت لو شعر بأنه ليس هناك شخص أقل من مؤهلاته ووظيفته أفضل منه لأن لديه معارف أو علاقات. عدم المساواة سيدفع الشاب للرفض والعناد، كيف أقنع شابا مؤهلاته من أفضل الجامعات بالعمل بائعا مثلا، وهو يرى أقرانه أقل شهادة وكفاءة على مكتب حكومي ضخم. وهنا يأتي دور فريق الرؤية ببث الأمل والمساواة، لكن الأهم أن يكون فريقا جديدا مؤهلا وليس إعادة تدوير للعناصر القديمة التي سببت المشكلة لكن بزي وشعار جديد. أقولها بصراحة، إذا أرادت الرؤية أن تغير وجه المملكة كما خطط لها وكما أرادها ولاة الأمر -حفظهم الله- فيجب التركيز على التطبيق. صفوق الشمري الوطن
مشاركة :