من المفارقات في جهود مكافحة الإرهاب أنها قد تحقق رواجاً في قطاعات عمرية غير مرشحة للانضمام للمجموعات الإرهابية، بينما الشرائح العمرية المهددة بالاختراق من الإرهابيين كثيراً ما تكون بعيداً عن تأثيرها. تقرير لصحيفة الإسبانية عرض لتجربة المملكة المغربية في مكافحة الإرهاب عبر إذاعة دينية تتبنى خطاباً دينياً يوصف بالمعتدل. فعلى إثر هجمات الدار البيضاء في سنة 2003، أدركت المملكة المغربية وحلفاؤها الرئيسيون ـالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإسبانياـ أن التهديد الإرهابي في ذلك الوقت كان أكثر حدة مما كانوا يتخيلون. نشر التفسيرات الدينية ومن بين التدابير المتخذة آنذاك، من أجل وضع حد للتطرف داخل البلاد، حفزت هذه الأطراف على نشر التفسيرات الدينية التي توصف بالمعتدلة في وسائل الإعلام. وفي الأثناء، كانت إذاعة "محمد الخامس للقرآن الكريم" المنبر الذي تكفل بنشر أكبر جزء من هذه التفسيرات. وبالإضافة إلى ذلك، كانت إذاعة محمد الخامس، واحدة من أبرز الوسائل الناجعة للحد من التطرف الديني. عموماً، منذ تأسيسها سنة 2004، كانت الإذاعة في طليعة وسائل الإعلام المغربية، من دون منافس وفي جميع الأوقات. وبفضل الدعم اللوجيستي الذي وفرته لها الدولة، فضلاً عن التغطية التي حظيت بها المحطة على المستوى الوطني وإمكانية متابعتها عبر الإنترنت، أصبح للإذاعة قاعدة جماهيرية عريضة في كل المدن المغربية الكبرى والمناطق الريفية على حد السواء، علاوة على أن لها متابعين من الجالية المغربية في الخارج. ومن خلال برمجة على مدار 24 ساعة دون انقطاع، تتناول المحطة الإذاعية، بشكل رئيسي، الحديث عن مختلف القضايا التي لها صلة بالقرآن والعديد من القضايا الدينية الأخرى. فضلاً عن ذلك، دائماً ما تتجنب الإذاعة الخوض في المسائل الاجتماعية أو الترفيهية، أو المسائل السياسية سواء كانت على المستوى القومي أو الدولي. في المقابل، كانت الإذاعة تتيح في برامجها الحديث بشكل إيجابي عن الملك، ليس فقط كحاكم، وإنما أيضاً كزعيم ديني رئيسي في القارة الأفريقية. علاوة على ذلك، اعتمدت الإذاعة على صورة وكيان الملك أيضاً كأداة للانتقاد وتناول تفسيرات الإسلام الأكثر تحدياً وتطرفاً. أداة للتلقين المذهبي في أعقاب سلسلة الهجمات الانتحارية التي استهدفت العاصمة الاقتصادية، الدار البيضاء، أيقن المغرب وحلفاؤه أن البلاد في حاجة إلى جملة من الإجراءات الردعية للقضاء على التهديد الإرهابي والحد من التطرف الديني. وفي هذا السياق، عزز المغرب موارد قوات الأمن والدفاع، في مرحلة أولى. وفي مرحلة ثانية، قاد المغرب، من خلال وزارة الشؤون الدينية، جملة من الإصلاحات لدحر التهديدات الإرهابية ومنع تنامي التطرف في المساجد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام. ومن هذا المنطلق، أطلقت المملكة المغربية إذاعة محمد الخامس للقرآن الكريم في سنة 2004، بغية خدمة عملية التفسير المعتدل للإسلام بما يتماشى مع رغبة المملكة في التحديث والانفتاح الذي تنتهجه الحكومة الملكية. خلافاً لذلك، وبعد مرور عقد من الزمن على تأسيسها، اتسعت دائرة أهداف هذه الإذاعة، وبشكل كبير. كما أسست السلطات المغربية في السنوات الأخيرة سلسلة متكاملة من وسائل الإعلام العامة التي من شأنها أن تتصدى لما تبثه القنوات التلفزيونية والإذاعات التابعة لبلدان أخرى على غرار المملكة العربية السعودية وقطر. وفِي الوقت ذاته، استغلت السلطات المغربية إذاعة محمد الخامس من أجل نشر خطابات لتمجيد صورة الملك، وتجاهل جهات سياسية أخرى فاعلة في الساحة المغربية. وكانت هذه المحطة الإذاعية مخولة لتقييم السلوكيات الاجتماعية، من خلال التفسيرات المستوحاة من القرآن، وتحديد التصرفات اللائقة والمكروهة. ولكن سريعاً ما ظهرت موجة من الانتقادات الموجهة ضد الإذاعة، من قبل جبهات مختلفة. فقد اتهمت القوى السياسية والاجتماعية سواء اليسارية أو التقدمية، المحطة، بأنها تنتهج خطاباً محافظاً موالياً للملكية وأنها وسيلة للتلقين الديني والمذهبي للمواطنين، تتعارض مع مبادئ تنوع الآراء. وازداد تأثير الإذاعة ، نظراً لأن المغرب يتميز بعدم تكافؤ بين الجهات، الأمر الذي يجعل من التلفزيون والإنترنت من الوسائل غير المتاحة للجميع، كما أن نسبة من الشعب من الأميين، الأمر الذي يحول دون رواج الصحف بينهم؛ وبالتالي تحول الراديو إلى أكثر الوسائل الإعلامية تداولاً في البلاد. وعلى ضوء هذه المعطيات، أصبح الراديو يمثل الوسيلة الأولى التي تستعملها المملكة لخدمة أهدافها السياسية. وتحولت إذاعة محمد الخامس للقرآن الكريم إلى مشروع ناجح للتصدي للتطرف الديني، وخدمة المصالح الحكومية أيضاً، خاصة وأن المجتمع المغربي يتابع الراديو بدرجة أولى. تحديات المحطة على الرغم من الجمهور الكبير الذي يتابع المحطة الإذاعية، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى جمهور متنوع، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً وعرضة للدعاية الإرهابية؛ وعلى رأسهم الشباب المهمش الذي يتم استبعاده من شتى الميادين الحيوية في المغرب، فربات البيوت وكبار السن، هم الأكثر وفاء للمحطة، في حين أن الشباب يحبذ الإنترنت والتلفزيون. ورغم نجاح الإذاعة إلا أن الوضع الاجتماعي والأمني في المغرب، يكشف بوضوح أنه لا يمكن حل هذه المشاكل المعقدة مثل الإرهاب والتطرف، بمجرد التركيز على جانب واحد. فرغم الحاجة للوسائل الإعلامية والفكرية، لمحاربة ظاهرة التطرف، فإنه يظل من الضروري تعزيز أنظمة الأمن والاستخبارات، وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال. "هذا الموضوع مترجم عن صحيفة El Orden Mundial الإسبانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط ".
مشاركة :