«أنا أبحث عن (حل) دولتين ودولة واحدة، وأنا مع الحل الذي يفضله كلا الطرفين»، بهذه الكلمات، في مؤتمر صحافي مشترك مع بنيامين نتنياهو، يكون الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في نهاية المطاف، قد بدد الآمال حول وجود أي حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. في الواقع، كان ترامب يسعى بوضوح لإرضاء ضيفه المدعوم بالمتعصبين في حكومته، مثل وزير السلامة العامة، جلعاد إردان، ووزير التعليم، نفتالي بينيت، ووزير الرياضة، ميري ريغيف، ونائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي هوتوفلي. لقد أعلن نتنياهو أنه ضد إنشاء دولة فلسطينية. على مدى عقود، سعت الحكومات الإسرائيلية لاحتلال مجمل ما تسميه «أرض إسرائيل»؛ وبشكل منهجي دمرت شروط التوصل إلى حل ينطوي على قيام دولة فلسطينية مستدامة، وذات سيادة وعاصمتها القدس. ومع ذلك فإن الخرافة القائلة إن الدولة الفلسطينية الحقيقية لاتزال قيد العرض، وإنه توجد «عملية سلام» حقيقية في الواقع، قد تكون مثالاً على التفكير الخيالي الفريد من نوعه، وكانت تلك الخرافة حاسمة لاستمرار احتلال دائم لا ينتهي للضفة الغربية والقدس الشرقية العربية، كما كانت بمثابة درع في مواجهة الضغوط الدولية الجادة. الدفن النهائي لـ«حل الدولتين»، الذي كان يحتضر أصلاً، سيجبر جميع الأطراف المعنية على مواجهة ما هو واضح لأي مراقب نزيه. فعلى مدى عقود فُرض واقع الدولة الواحدة، بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وبالطبع فإن الدولة الواحدة هي «إسرائيل». وبغض النظر عن التسمية التي تستخدم في هذا السياق، فهذه هي النتيجة الوحيدة التي تقبل بها الحكومة الإسرائيلية، مهما يكن الوضع الذي سيُعطى للفلسطينيين، بما في ذلك «الحكم الذاتي». سيادة منقوصة رفض مبدأ الدولة الفلسطينية ترفض حكومة نتنياهو والجماعات الصهيونية المتطرفة مبدأ وجود دولة فلسطينية، بغض النظر عن التفاصيل، وتراهن على عناصر الضعف والانقسام الفلسطيني والعربي، وتريد توظيف ما يحدث الآن من صراعاتٍ عربية داخلية، لمصلحة مزيد من التهويد والاستيطان، بحيث لا يكون هناك، مستقبلاً، ما يمكن التفاوض عليه مع الفلسطينيين، لذا فإن الحكومات الإسرائيلية تصرّ على الاستمرار في بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في الأراضي المحتلة. ووفق مقترحات لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لن تكون هناك استعادة كاملة للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وكذلك بالنسبة للقدس الشرقية، لكن يحصل الفلسطينيون على «دولة فلسطينية عاصمتها القدس» تكون «منزوعة السلاح»، وفيها وجود عسكري أميركي وشبكة إنذار مبكر على طول الحدود بين الدولتين، إضافة إلى وضع ترتيبات أمنية في منطقة غور الأردن، ذلك كله لتأمين «ضمانات أمنية» لإسرائيل، بمشاركة أمنية أميركية واسعة في الدولة الفلسطينية المزمع إعلانها مستقبلاً. لم يبالغ نتنياهو خلال حديثه إلى جانب الرئيس الأميركي، فقد قال إن في أي اتفاق سلام «يجب أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الشاملة على المنطقة بأكملها إلى الغرب من نهر الأردن»، وطالما ردد منذ فترة طويلة أنه سيسمح فقط للفلسطينيين بـ«دولة ناقصة السيادة»، وأن معظم المستوطنات الإسرائيلية يجب أن تبقى كما هي؛ وأن كامل مدينة القدس ملك لإسرائيل وحدها؛ ويجب على الأخيرة أن تحتفظ بـ50% إلى 60% من مساحة الضفة الغربية، بما فيها وادي نهر الأردن الخصب. ولا يهم، بعد ذلك، ما إذا كانت هذه المهزلة تسمى حل «الدولة الواحدة» أو «الدولتين»، أو ما إذا كان الفلسطينيون سيحصلون على الحق في رفع العلم على مثل هذه الرقعة الصغيرة التي يرثى لها. المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب مع نتنياهو، وجلسات سماع مجلس الشيوخ بخصوص تعيين ديفيد فريدمان سفيراً لدى إسرائيل، يعطياننا صورة واضحة جداً عن مدى تغير العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة منذ 20 يناير 2017. فقد أصر الرؤساء الأميركيون منذ كلينتون على إقامة دولة فلسطينية، ودانوا التوسع الاستيطاني، وحاولوا كبح جماح أفظع التجاوزات التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية، في حين كانوا يمولون ويدافعون عن الأنشطة ذاتها في الأمم المتحدة، التي يفترض أنهم يعارضونها، هذه المواقف الضعيفة تتآكل الآن. وبعد أن شكك في حل الدولتين، وقف ترامب بجانب نتنياهو وهو يعدّد شروطاً مسبقة يراها العالم علناً خرقاً للاتفاق مع الفلسطينيين. وإلى جانب السيطرة الإسرائيلية الدائمة على «الدولة»، طالب نتنياهو بالاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية، وهي تسمية لم يتبنَّها الإسرائيليون أنفسهم، حتى الآن. وبينما طلب ترامب من إسرائيل «تقييد البناء على المستوطنات قليلاً» لم تفعل الإدارة الأميركية شيئاً إزاء التوسع الاستيطاني الهائل الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة. ومن خلال شهادة كتبت بعناية من قبل معاوني ترامب، أكد فريدمان أمام الكونغرس انحيازه بشكل وثيق إلى ادعاءات كاذبة، إلى حد كبير، أطلقها نتنياهو في اليوم السابق؛ بأن الفلسطينيين رفضوا الاعتراف بإسرائيل ونبذ الإرهاب، وأنهم يدفعون المال لقتلة الإسرائيليين. في الواقع اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل ونبذت العنف منذ عقود. كُلفة الاحتلال تحصل عائلات نحو 35 ألف فلسطيني، قتلوا على يد الإسرائيليين، منذ عام 1967، على تعويض، بمن فيهم بعض الذين شاركوا في أعمال عنف ضد إسرائيل، واحتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية، وهذا العدد أكبر مرات عدة من عدد الجنود والمستوطنين والمدنيين الإسرائيليين الذين قتلوا، الأمر الذي يساعد في توضيح أسباب العنف ودوافعه، هذه هي كلفة الاحتلال التي ينكر وجودها نتنياهو وفريدمان. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينما كان واقفاً إلى جانب نظيره الأميركي «سمي اليهود بهذا الاسم لأنهم جاؤوا من يهودا»، مضيفاً: «هذه الأرض وطن أجدادنا، واليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا»، وهذا يتماشى تماماً مع وجهات نظر فريدمان الذي جمع ملايين الدولارات من التبرعات المعفاة من الضرائب للمستوطنات المقامة على الملكية الخاصة الفلسطينية المسروقة في «يهودا». لقد غيرت إدارة ترامب قواعد اللعبة بشكل واضح، وباتت الأمور تميل إلى أبعد من ذلك، في اتجاه الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل. في هذا العالم الجديد والجريء، بات لزاماً على الفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى أن يتغلبوا على الانقسامات الداخلية التي تشل حركتهم، وأن يرفضوا ضغوط القوى الخارجية التي ساعدت على إبقاء حركتهم الوطنية مجزأة، وأن يصيغوا استراتيجية واضحة لمستقبل المساواة الكاملة بينهم وبين الإسرائيليين. ربما قدم ترامب الفرصة لهم لتصور كيف ستبدو الدولة الواحدة، أو ثنائية القومية، أو كونفدرالية، أو حتى «حل الدولتين»، يكون فيها الطرفان متساويين في الحقوق. القطيعة التامة مع الاستراتيجيات الفاشلة للقيادات الضعيفة في رام الله وغزة، وحدها كفيلة بتوفير بديل حقيقي لمستقبل رهيب، يتصوره ترامب ونتنياهو لهم، يطغى عليه حرمان وقمع لا ينتهيان. رشيد خالدي مؤرخ فلسطيني أميركي يعمل أستاذاً للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا الأميركية.
مشاركة :