واشنطن - لم يبد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أي قدر يذكر من الصبر على معارضته في الرأي لكن من المرجح أن يكون مستشاره الجديد للأمن القومي اللفتنانت جنرال اتش.آر. مكماستر اختبارا لضيق خلقه. وسينضم مكماستر إلى العاملين في البيت الأبيض بوجهات نظر خاصة بروسيا ومكافحة الإرهاب وتدعيم الجيش وغيرها من القضايا الأمنية الكبرى تختلف لا عن وجهات نظر الموالين لترامب فحسب بل عن الآراء التي أعرب عنها الرئيس نفسه. ومكماستر من المفكرين العسكريين الذين كان للخبرة والممارسة العملية والتفكير دور في تشكيل أفكارهم أكثر مما للمشاعر والانفعالات والسياسة. وربما يجد نفسه في ساحة سياسية غريبة عليه وربما معادية له مثلما كانت رمال أفغانستان والعراق ومدنهما معادية له. غير أن مكماستر لن يكون وحيدا في مهمته، فمن حلفائه البارزين في الإدارة الأميركية وزير الدفاع جيم ماتيس والجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة والسناتور جون ماكين رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ بالإضافة إلى الكثيرين من رجال الجيش الذين خدموا معه. والثلاثاء قال شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض إن ترامب أبلغ مكماستر أن "لديه الصلاحيات الكاملة في تكوين فريق الأمن القومي كما يشاء". إلا أن ترامب سبق أن خطا خطوة غير معتادة بضم ستيف بانون مستشاره للشؤون الإستراتيجية المعروف بأفكاره اليمينية إلى مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض. وقال أندرو إكزام الضابط السابق بالجيش مسؤول سياسات الشرق الأوسط بوزارة الدفاع وصديق مكماستر منذ أكثر من عشر سنوات "الاحتمال الحقيقي لوجود نقاط اشتعال يكمن في الناس الذين جلبهم ستيف بانون إلى الإدارة، من ينظرون للأمور نظرة عقائدية جدا". وأضاف إكزام أن الزلات التي وقع فيها ترامب في أيامه الأولى فيما يتعلق بالهجرة وقضايا أخرى "عززت السلطة المتاحة لا لمكماستر وحده بل لوزير الدفاع ماتيس وربما لوزير الخارجية ريكس تيلرسون". وسيكون من أوائل الاختبارات لنفوذ مكماستر مراجعة الإدارة للسياسة الأميركية في سوريا والسياسة العامة ضد التشدد الإسلامي. وقال مسؤولون بوزارة الدفاع الثلاثاء إن نتائج المراجعة تصدر أوائل الأسبوع المقبل. وفي يونيو حزيران قال بانون إن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يخوضون "حربا وجودية عالمية" على الإسلام. أما نهج مكماستر في هزيمة المتشددين من المسلمين السنة فقد كان أكثر دقة إذ اعتمد إلى حد كبير على فصل المتطرفين عن الغالبية العظمى من السكان المحليين. ففي عام 2005 عندما كان مكماستر ضابطا برتبة كولونيل وقائدا للفوج الثالث المدرع بالجيش الأميركي قام بإعداد رجاله لاستعادة مدينة تلعفر على الحدود العراقية السورية فجعل بعضهم يرتدي الدشداشة واستعان بأميركيين من أصول عربية لأداء دور السكان المحليين وعلم رجاله كيفية التفرقة بين البيوت السنية والبيوت الشيعية وذلك من خلال الصور المعلقة على الجدران. وحذر مكماستر في مقال نشر في مجلة ميليتاري ريفيو من أن التركيز على القوة مثلما فعل ترامب في تهديداته بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية قد تؤتي نتائج عكسية. وكتب يقول "في العراق أدى عدم الفهم الكافي للعوامل المحركة للصراع من عشائرية وعرقية ودينية، إلى تنفيذ عمليات عسكرية (مثل عمليات مداهمة شبكات يشتبه أنها معادية) كان من شأنها أن تتسبب في تفاقم المخاوف أو تسيء لإحساس السكان بالشرف بأشكال دعمت التمرد." وليس معنى ذلك أن مكماستر يدفعه التفكير للتردد في استخدام القوة. فقد سقط 21 من رجاله قتلى في العمليات في تلعفر وبلغت نسبة الخسائر البشرية في إحدى الوحدات 40 في المئة. الاختبار الروسي وسيتمثل الاختبار الثاني لمكماستر في السياسة الخاصة بروسيا. وعلى النقيض من سلفه مايكل فلين ومن ترامب نفسه يعتبر مكماستر موسكو خصما لا شريكا محتملا. ففي مايو أيار استشهد مكماستر في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بضم روسيا لشبه جزيرة القرم ودعمها للمتمردين في شرق أوكرانيا باعتبار ذلك دليلا على مسعى أشمل "لهدم النظام الأمني والاقتصادي والسياسي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وبالتأكيد بعد الحرب الباردة وإحلال نظام أكثر تفهما للمصالح الروسية محله." وثمة مجال ثالث تختلف فيه آراء مكماستر عن الرئيس هو حجم الجيش الأميركي وشكله. ويبين موقع الحملة الانتخابية للرئيس ترامب أنه وعد بزيادة أعداد الجنود بعشرات الآلاف وزيادة عدد سفن البحرية إلى 350 سفينة من 282 سفينة وتزويد سلاح الجو بالطائرات التي يحتاجها وعددها 1200 مقاتلة. أما في المقال المتعمق الذي نشر عام 2015 في ميليتاري ريفيو وذيل بحاشية من 39 نقطة وتضمن الاستشهاد بما رواه المؤرخ اليوناني ثوسيديديس عن حرب بيلوبونيز فقد قال مكماستر إن "الوعد بتحقيق النصر السريع من مسافة بعيدة بناء على استطلاع واستخبارات ومعلومات أفضل وقدرات أكبر في دقة ضرب الأهداف" سفسطة "تربك استهداف مؤسسات العدو بالإستراتيجية". والسؤال الآن هو ما إذا كان لآراء مكماستر قوة كافية لتغيير مسار السياسة الأميركية الذي اختطه الرئيس ومساعدوه المقربون. وقال جون ناجل الضابط المتقاعد بعد أن بلغ رتبة كولونيل في الجيش وساعد في إعادة صياغة العقيدة الأميركية في مكافحة التمرد في حربي العراق وأفغانستان "أعتقد أن التحديات الحقيقية التي سيواجهها ليست تحديات الإستراتيجية والمسؤوليات العالمية للقوى العظمى الوحيدة في العالم. "فهو يدرك كيفية التعامل معها. التحديات التي سيواجهها أخلاقية في التعامل مع إدارة لم تكن دائما واضحة في دعمها للقيم الأميركية". وأيا كانت فرص مكماستر فإنه لم يتول هذا المنصب لمجرد أن قائده العام أمره بذلك. فقد قال ذات مرة "من يتجاهلون التاريخ مكتوب عليهم أن يكرروه. من يتجاهله كتبت عليه المشاهدة".
مشاركة :