الصحافي البريطاني فيليب شورت، الذي وضع السيرة الملحمية «ماو»، يقدم سيرة ملحمية أخرى: فرنسوا ميتران. إنها دراسة في السياسة الفرنسية، في هشاشة الدول الكبرى أمام الإرهاب، في مدن الضعف البشري الذي يهد العمالقة، في معنى العلاقات الدولية، وفي العلاقة بين الحاكم وحلفائه. عندما وصل ميتران إلى الإليزيه تزاحمت الكتابات العربية حول تأييده لإسرائيل، إلا محبركم المخلص، فقد كتب أن روما من فوق ليست روما من تحت، وأن ميتران المرشح ليس ميتران الرئيس. وفي النهاية أقام الرجل أول علاقة خاصة بين دولة أوروبية ومنظمة التحرير. وعندما اشتد عليه المرض قال إن المستشار الألماني أكثر من يتصل للاستفسار عنه، ثم استدرك «طبعا بعد ياسر عرفات». عاش ميتران حياة عاصفة ومزدوجة: زوجة وعشيقة. اشتراكي ويميني. خصم للديغوليين وشريك لهم، عندما اضطر إلى تعيين جاك شيراك رئيسا للحكومة فيما سمي «المساكنة». وعندما تحدث عن تلك المرحلة فيما بعد، قال: «آه، كم كذب عليّ شيراك».. وكان قد عين أول رئيس حكومة عنده اليساري الأوسطي ميشال روكار: «لم يكن أمامي من مهرب. لكن لو عاد الأمر إليّ لما عينته أكثر من وزير بريد وبرق وهاتف، أو شيء من هذا القبيل». وعن رئيس الوزراء الآخر إدوار بالادور قال: «نادرا ما التقيت رجلا أسوأ مني. ولكن هل يمكن أن يكون حقا سيئا إلى هذا الحد؟ لقد كان شخصا رهيبا إلى درجة شعرت بأنني لست سيئا إلى تلك الدرجة. فأنت لو قطعت جلده بسكين لما وجدت دما بل سما». هل كانت رؤيته السياسية صائبة دائما؟ ليس تماما. بعد سقوط السوفيات كان ميتران - مثل بقية زعماء الغرب - يعتقد أن ألمانيا لن تتوحد من جديد. وإذا توحدت، فسوف تكون تلك وصفة لحرب عالمية ثالثة. وقال لجورج بوش الأب إنه حتى لو سمح الغرب بالوحدة فإن ميخائيل غورباتشوف لن يسمح بها، وإلا أطاح به العسكريون الروس. غير أن ألمانيا توحدت من جديد دون خناقة واحدة في المشاريع. وأعادت برلين عاصمة لها بكل هدوء، بعكس ما كان يخشى. لكنها منحت حلفاءها وأعداءها السابقين تنازلا واحدا: لن تصنع القوة النووية. قسم ميتران ثروته بين زوجته دانيال، وبين عشيقته آن وابنته منها، مازارين. شقة لكل من الفريقين و250 ألف فرنك نقدا. وكانت دانيال تعنى بمساعدة المعوزين الأكراد، ومن أجل جمع المال راحت تبيع ثياب ميتران في المزاد، ثم كتبه، ثم الهدايا التي تلقاها. سكن الكثيرون من الأكراد في ضاحية «أنسي» القريبة من سويسرا. تستطيع أن تعرف الأحياء الكردية من أجهزة الالتقاط التلفزيونية الموجهة صوب أربيل.
مشاركة :