محاربة اتفاقيات التجارة لن تعيد للطبقة الوسطى مجدها

  • 2/23/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لورانس سامرز فكرة تحميل اتفاقيات التجارة السابقة مسؤولية تآكل الطبقة الوسطى في أمريكا، وتسبب المزيد من الضرر باتت مقبولة ومتداولة لدى الحزبين الرئيسيين في البلاد. ويبدو أن المنظرين السياسيين في الحزبين باتوا معجبين بما يرددونه من عبارات أكثر من اهتمامهم بالحقائق والأرقام لا شك أن اتفاقيات التجارة كانت في صلب السياسة الأمريكية خلال السنوات الماضية. ولا شك أيضاً أن فكرة إعادة التفاوض حول اتفاقيات التجارة ستعيد للولايات المتحدة مجدها المفقود من خلال تنشيط النمو الاقتصادي، وتوفير الوظائف وهي الأهداف التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وما تجدر الإشارة إليه هنا أن فكرة تحميل اتفاقيات التجارة السابقة مسؤولية تآكل الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، وأن اتفاقية الشراكة عبر الهادي سوف تسبب المزيد من الضرر، باتت مقبولة ومتداولة لدى الحزبين الرئيسيين في البلاد. ويبدو أن المنظرين السياسيين في الحزبين باتوا معجبين بما يرددونه من عبارات أكثر من اهتمامهم بالحقائق والأرقام. والحقيقة أن تأثير التجارة والعولمة على الأجور، هما موضع جدل، قد يكون كبيراً. أما أن يُقال إن اتفاقيات التجارة السابقة التي أبرمتها الولايات المتحدة كانت في غير صالحها فهذا كلام سخيف. وربما يكون من المفيد الحوار حول تأثير العولمة على أجور الطبقة الوسطى وعلى المساواة. فزيادة الواردات أضرت بالوظائف. وباتت الشركات قادرة على تشديد شروط قبول الموظفين تحت تهديد إمكانية تعهيد الوظائف. كما أن تطور سلاسل التوريد العالمية أسفر عن تغييرات جذرية في علاقات الإنتاج الأمريكية. لكن المفيد هنا أن هذه المؤثرات أقل بكثير من تأثير التقدم التقني. وهذه الحقيقة تستند إلى عدد من الأبحاث الاقتصادية التخصصية وتجارب ألمانيا في مجال المنافسة، وملاحظة أن نسبة الوظائف في القطاع الصناعي الأمريكي تتراجع بوتيرة ثابتة منذ 75 عاماً. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنني أعتقد أن الدراسات العالمية والاتجاهات العامة تركز على تحميل التجارة مسؤولية تراجع معدلات الأجور أكثر مما كانت عليه قبل عشر سنوات. إلا أن متابعة تأثير التجارة على الأجور تختلف عن متابعة تأثير اتفاقيات التجارة العالمية عليها. ومن غير الممكن التأكيد على أن اتفاقيات التجارة التي أبرمتها واشنطن مثل نافتا كان لها تأثير فعلي على معدلات الأجور في الولايات المتحدة أو على الوظائف لسبب بسيط هو أن السوق الأمريكي مفتوح من قبل توقيع الاتفاقيات المذكورة بأربعين عاماً. أما التعرفة الجمركية المفروضة على السلع المكسيكية التي تدخل الولايات المتحدة فبلغ متوسطها 4% قبل اتفاقية نافتا. وكانت الصين تحظى بما يُعرف باسم الشريك التجاري المفضل لدى واشنطن حتى قبل انضمامها لمنظمة التجارة العالمية وحصولها على امتياز الانضمام كغيرها من الدول الأعضاء. أمّا التعرفة المفروضة على السلع الكورية الجنوبية فلم تتجاوز 2.8%. وتصبح العلاقة بين اتفاقيات التجارة ومنافسة الواردات واهية عندما يصغي المرء إلى الآراء التي تهاجم اتفاقيات التجارة. فهؤلاء نادراً ما يتطرقون لدور الولايات المتحدة التي يفترض فيها أن تزيل الحواجز التجارية. ونادراً ما يتطرق المعارضون لتلك الاتفاقيات لمطالبة واشنطن مختلف الدول خلال المفاوضات التجارية بالالتزام بقضايا تفرضها عليهم مثل حقوق الملكية الفكرية ومعايير سوق العمل وعدم التلاعب بصرف العملات. ورغم أنني مؤيد للانتقادات الخاصة باتفاقية الشراكة عبر الهادي، ولكن حتى لو كانت كل تلك الانتقادات صحيحة فهي لا تبرر الاستنتاج بأن إلغاءها سوف يزيل التحديات التي تواجهها الطبقة الوسطى الأمريكية. والسبب في ارتفاع حجم الواردات الأمريكية ليس خفض الحواجز التجارية وإنما هو أن الأسواق الناشئة هي أسواق ناشئة فعلاً. فهي تحقق نمواً في اقتصاداتها بسبب إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية وتسعى لمزيد من التكامل مع دول العالم. هذه التطورات كانت ستحصل سواء وقعت واشنطن على اتفاقات التجارة أم لا، رغم أن تلك الاتفاقات كانت محفزاً لإجراء الإصلاحات. وبما أن الولايات المتحدة تقاعست عن إزالة الحواجز في اتفاقات التجارة التي أبرمتها فإن محفز الإصلاحات هو العامل الذي يقدره صناع القرار في الدول الأخرى إلى جانب علاقاتهم السياسية مع الولايات المتحدة. وبناء على ما تقدم يبدو الحل واضحاً جداً. فالسعي للتمترس وراء الحواجز الجمركية ومحاربة الانفتاح والتطوير في الدول الأخرى، ستكون له آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي وعلى الولايات المتحدة قبل غيرها. والحل الصحيح هو في الإبقاء على سياسة الانفتاح، والبحث عن سبل لدعم العمالة التي تم إقصاؤها بسبب التطورات التقنية أو اتفاقيات التجارة أو غيرها من التحديات. *وزير خزانة أمريكي سابق

مشاركة :