د. إكرام بدر الدين يلاحظ أنه على الرغم من قصر الفترة الزمنية للرئيس الأمريكي الجمهوري الجديد دونالد ترامب في البيت الأبيض، التي تقدر بقرابة شهر، إلا أن الرئيس وإدارته يواجهون تحديات ومصاعب داخلية منذ لحظة إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية، وربما تكون غير مسبوقة من قبل وتضاف إلى التحديات الداخلية الأخرى الاقتصادية والاجتماعية التي كان يعاني منها المجتمع الأمريكي يمكن إعادة هذه التحديات إلى الطبيعة الشخصية والذاتية للرئيس الأمريكي، أو لما اتخذه من قرارات وسياسات، أو لما أطلقه من وعود خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، أو لموقفه من بعض المؤسسات الأمريكية، أو موقف هذه المؤسسات منه ما فرض مصاعب وتحديات أمام الرئيس وإدارته، ويمكن الإشارة إلى أهم هذه التحديات فيما يلي: } أولاً: الانقسامات والاستقطاب في المجتمع الأمريكي في خلال الحملة الانتخابية الرئاسية وبعدها، فقد حدث انقسام واضح نتيجة للمنافسة الانتخابية بين ترامب وكلينتون، ورغم ما تنطوي عليه الانتخابات الرئاسية الأمريكية من منافسات بصفة عامة، إلا أنه بمجرد إعلان اسم المرشح الفائز تنتهي العداوات الانتخابية وتنتقل السلطة إلى الرئيس الجديد، خصوصاً في ظل ما تتسم به الولايات المتحدة من طابع مؤسسي وسياسات طويلة المدى أو استراتيجيات يترتب عليها طي صفحة الانتخابات الرئاسية. ولعل الجديد في هذه الانتخابات هو أن حالة الانقسام أو الاستقطاب في المجتمع الأمريكي استمرت عقب الانتخابات الرئاسية رغم ما أعلنه الرئيس ترامب في خطاب النصر في 20 يناير/كانون الثاني 2017 من أنه سيعمل على تحقيق وحدة المجتمع الأمريكي. } ثانياً: التناقض بين الرئيس وبعض المؤسسات، وترجع جذور هذا التناقض إلى فترة الحملة الانتخابية، حيث إن بعض المؤسسات الأمريكية المهمة والتي يكون مقرها في العاصمة واشنطن ربما لم تتخذ موقفا مؤيدا لترامب بنفس الدرجة التي تمتعت بها منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ومن ذلك على سبيل المثال الإعلام وأجهزة المخابرات وبعض المراكز البحثية المهمة، ومراكز استطلاع الرأي وهو ما يمكن تفسيره بعدم وجود تاريخ سياسي لترامب مقارنة بالمنافسة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي لها تاريخ سياسي معروف سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها بحكم كونها السيدة الأولى لمدة ثماني سنوات فضلا على توليها منصب وزير الخارجية الأمريكية وعضويتها في مجلس الشيوخ، وربما يرتبط ذلك أيضا بطبيعة شخصية ترامب التي تميل إلى كونها شخصية تصادمية، ونتيجة لذلك فإن أحد التحديات المهمة التي يواجهها ترامب في الداخل تتعلق بتحسين العلاقات بينه وبين المؤسسات الأمريكية المختلفة ذات التأثير، وربما يمكن الإشارة أيضا في هذا الإطار الذي يعبر عن العلاقة التصادمية بين بعض المؤسسات المهمة ودونالد ترامب هو الموقف بينه وبين القضاء الأمريكي، حيث اتخذ القضاء الأمريكي موقفا معارضا للمرسوم الذي أصدره ترامب بحظر دخول المهاجرين واللاجئين من سبع دول شرق أوسطية، ما دفع ترامب إلى إقالة القائمة بعمل وزير العدل وتعيين بديل لها، وتم التأكيد في مرحلة لاحقة على رفض هذا المرسوم ما جعل ترامب يقف موقف التناقض مع السلطة القضائية. } ثالثاً: الاستقالات غير المسبوقة، حيث تقدم العديد من كبار العاملين في وزارة الخارجية الأمريكية باستقالاتهم وهم من الذين عملوا لفترة زمنية طويلة في عهد إدارات جمهورية وديمقراطية ولديهم قدر كبير من الخبرة وقد يكون من الصعب تدبير بدائل لهم على نفس الدرجة من الخبرة والكفاءة في الزمن القصير، ولعل من أبرز هؤلاء المستقيلين باتريك كاندي، وهو بمثابة الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى جانتري سميث، وجويس بار وغيرهم من كبار العاملين بوزارة الخارجية، كذلك من الاستقالات التي كان لها أصداء واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها استقالة مايكل فلين، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، وذلك على خلفية اتصالات غير معلنة مع روسيا، ونوقش خلالها قضية العقوبات على موسكو، ولعل السؤال المهم هو: هل ستتوقف الاستقالات عند هذا الحد أم سيتسع نطاقها؟ وهو ما يضع الرئيس الأمريكي وإدارته في موقف صعب. إضافة إلى ذلك برز تصادم عنيف بين ترامب والصحافة ومختلف وسائل الإعلام حيث بدت هناك فجوة واسعة بين الطرفين بدأت خلال الحملات الانتخابية لترامب وتصاعدت بعد توليه السلطة. } رابعاً: المعارضة من خارج المؤسسات السياسية، ويقصد بذلك أن المعارضة في الولايات المتحدة ودول الديمقراطيات الليبرالية تكون معارضة مؤسسية أي من داخل المؤسسات كالأحزاب، أو المجلس التشريعي، أو الإعلام وغيره، وهذه هي الحالة المألوفة للمعارضة في دول الديمقراطيات الليبرالية، وقد شهدت الولايات المتحدة عقب تولي ترامب السلطة أشكالاً أخرى من المعارضة ربما لم تكن مألوفة في الولايات المتحدة من قبل، وهي التظاهرات في الشارع التي عبرت عن نفسها من خلال مستويين: المستوى الأول: عقب إعلان فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية- وهو عكس ما كان متوقعا وعكس نتائج استطلاع الرأي العام- ما أدى إلى تظاهرات كبيرة نسبيا في بعض الولايات المهمة وشاركت فيها المرأة بصفة خاصة، بل ووصل الأمر إلى أن تطالب بعض الولايات بالانفصال عن الاتحاد وهي حالة غير مألوفة منذ أكثر من مئتي عام أعقبت الحرب الأهلية الأمريكية. المستوى الثاني: عقب المرسوم الذي أصدره ترامب بعد قرابة أسبوع من توليه السلطة، والذي يحظر فيه دخول اللاجئين والمهاجرين المسلمين من سبع دول شرق أوسطية، ما أثار موجة كبيرة من الاستياء وعدم الرضا داخل المجتمع الأمريكي، عبّرت عن نفسها في شكل تظاهرات في عدة ولايات تعبيرا عن الاعتراض على سياسة الرئيس الأمريكي في هذا الشأن، ومنطقهم في ذلك أن اتخاذ وتنفيذ مثل هذا الإجراء يهدد القيم الأمريكية الأصيلة التي تعتمد على التعددية والتسامح والبعد عن التعصب وقبول الآخر، ويهدد وحدة المجتمع الأمريكي ويكرس الاستقطاب والاختلاف في المجتمع. ويمكن القول إن هذه العوامل السابقة تمثل تحديات مهمة في الداخل الأمريكي للرئيس ترامب وإدارته، وتتطلب التعامل الناجح في مواجهتها حفاظا على القيم الأصيلة التي يعتمد عليها المجتمع، وربما يكون التحدي الكبير الذي يواجه ترامب هو الكيفية التي سيتعامل بها الرئيس الأمريكي مع هذه التحديات، وقدرته على التغلب عليها بطريقة تحولها من تحديات تهدد الداخل الأمريكي إلى إنجازات وانتصارات تحافظ على وحدة المجتمع وتمنع انقسامه. *أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
مشاركة :