أحاطت السرية بالاجتماع الأول للمختصين والفنيين في لجنة مراقبة اتفاق خفض الإنتاج، التي اجتمعت في فيينا برئاسة محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك، وبحضور الخبراء والمندوبين من الدول الخمس الأعضاء في لجنة مراقبة الاتفاق، وهي: الكويت وروسيا وفنزويلا والجزائر وسلطنة عمان. وبدأ توافد مندبو الدول الأعضاء والخبراء منذ صباح الأمس في أجواء دافئة وطقس معتدل كان غائبا عن العاصمة النمساوية فيينا على مدار الأسابيع الماضية، وقد حرص قيادات الجهاز الإدارى لمنظمة أوبك على استقبال الحضور والترحيب بهم. وقالت مصادر في أوبك إن الأحد عشر منتجا مستقلا للنفط، الذين انضموا إلى اتفاق عالمي لخفض الإنتاج لتعزيز الأسعار قد حققوا 60 في المائة على الأقل من التخفيضات التي تعهدوا بها، وهو ما يفوق التقديرات الأولية. وسيطرت أجواء من الهدوء الشديد على أروقة وكواليس الاجتماع، حيث خلا من أي توتر حدث في اجتماعات سابقة، ويعود ذلك بالأساس إلى النجاح السابق، الذي حققه الاجتماع الوزاري الأول للجنة، الذي عقد في 22 من الشهر الماضي بحضور وزراء الدول الخمس الأعضاء في اللجنة، إلى جانب الوزيرين السعودي المهندس خالد الفالح والقطرى محمد السادة. ومن المعروف أن السعودية تولت رئاسة المؤتمر العام لمنظمة أوبك عام 2017، على أن تتولى الإمارات الرئاسة الاحتياطية، وكانت قطر تتولى رئاسة المؤتمر عام 2016، الذي وصف من خبراء المنظمة بأنه واحد من أصعب الأعوام في تاريخ صناعة النفط. وفضل الخبراء عدم الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، واكتفوا بالتنويه إلى أن توصياتهم ستعرض على الاجتماع الثاني لوزراء دول مراقبة اتفاق خفض الإنتاج، الذي سيعقد في الكويت في 17 آذار (مارس)، حيث من المتوقع أن يعرض الوزراء التطورات التي حدثت في خفض الإنتاج بكل تفاصيلها في اجتماع الكويت المقبل. ومما سهل أيضا اجتماع الخبراء في فيينا البيانات السابقة التي صدرت عن المنظمة الدولية وتصريحات رئيس لجنة مراقبة اتفاق خفض الإنتاج عصام المرزوق وزير النفط الكويتي، الذي أكد فيها أن نسبة الالتزام بخفض الإنتاج في دول أوبك وصلت إلى 92 في المائة، فيما وصلت نسبة الالتزام خارج أوبك إلى 50 في المائة، ولكنها مرشحة للتزايد بشكل كبير خلال الشهور القليلة المتبقية من عمر الاتفاقية، التي يمتد العمل بها إلى نهاية أيار (مايو) المقبل. ومن المعروف أن منظمة أوبك تصدر تقريرا في يوم 17 من كل شهر يخص اتفاق خفض الإنتاج، ويتضمن أحدث البيانات عن وضع الإنتاج والتصدير في كل دولة من الدول المشاركة في الاتفاقية، ولا يتم فيها الاعتماد على مصدر واحد للبيانات، بل يؤخذ في الاعتبار البيانات الرسمية لوزارت الطاقة، إلى جانب تقييمات المؤسسات الدولية المعنية بالطاقة، مع الأخذ في الاعتبار ظروف الاقتصاد الدولي وأيضا نشاط الإنتاج الأمريكي. وبحسب متابعين للمشهد فإن أجواء الثقة تتزايد بين دول أوبك والمنتجين المستقلين من خارجها بعد التقدم السريع في تنفيذ الاتفاق، وهو ما جعل المناقشات في التفاصيل الفنية مهمة ليست صعبة، كما أن كل الدول المشاركة لديها التزام كامل بالشفافية وتقديم كل البيانات المطلوبة عن وضع الإنتاج لديها، وهو ما سيشجع على انضمام مزيد من الدول إلى الاتفاقية، مؤكدين أن الجميع ملتفون حول هدف واحد حاليا، وهو توازن السوق وتنشيط الاستثمار. إلى ذلك، قالت لـ "الاقتصادية"، مصادر في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، إن قرار خفض الإنتاج والاتصالات المكثفة التي تجري حاليا لضمان نجاح تطبيقه بفاعلية كبيرة بين دول "أوبك" وخارجها ستوجد دون شك الظروف المواتية والملائمة لانتعاش صناعة النفط عن طريق تعزيز وتوفير الاستثمارات اللازمة على المديين المتوسط والطويل الأجل، ما يجعلنا نقول بثقة إننا في طريقنا لتحقيق مستقبل أفضل في مجال الطاقة. وأشارت المصادر إلى وجود نمو في الطلب بشكل خاص على نفط "أوبك"، حيث من المتوقع أن ترتفع إمداداتها من النفط الخام إلى 41 مليون برميل يوميا بحلول عام 2040، وذلك بنمو قدره تسعة ملايين برميل يوميا عن مستوى عام 2016، في مقابل انخفاض إمدادات خارج "أوبك" بنحو مليوني برميل يوميا، منوها إلى أن هذا سيؤدي إلى ارتفاع الحصة السوقية 3 في المائة لتصل إلى 37 في المائة من المعروض النفطي العالمي خلال تلك الفترة. ونوهت المصادر إلى أن دول "أوبك" ستظل على مستوى تحديات السوق، وستكون حاضرة بقوة لبقاء السوق قوية ومزدهرة، ومن خلال ذلك ستستمر دول "أوبك" في الاستثمار رغم الصعوبات التي عاشتها السوق على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وستركز على الاستثمار في الطاقات الإنتاجية الجديدة والبنية الأساسية لمشروعات النفط الخام. وفي هذا الإطار، أوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن اجتماع الخبراء والتقنيين في فيينا حدد الكثير من الجوانب الفنية في ضوء البيانات التي تقوم بإعدادها "أوبك" بشكل دقيق، ويتم تحديثها بصفة مستمرة للوصول إلى صورة دقيقة عن وضع الإنتاج في الدول المشاركة في الاتفاقية. وأشار ديبيش إلى أن نسبة التزام دول "أوبك" التي تخطت 90 في المائة مرضية للغاية، وتبقى ضرورة التثبت من التزام دول خارج "أوبك" التي تشارك لأول مرة مع "أوبك" في برنامج تعاون مشترك. وأضاف ديبيش أن اجتماع فيينا سيمهد دون شك للاجتماع الوزاري المقبل للجنة مراقبة الإنتاج، الذي يعقد في الكويت في 17 آذار (مارس)، مشيرا إلى أن مد العمل بالاتفاقية – على الأرجح - مؤجل لحين قرب انتهاء مدة العمل بالاتفاقية في أيار (مايو) المقبل، مشيرا إلى أن القضية الأكبر التي تشغل بال دول "أوبك" هي مستوى المخزونات النفطية، الذي ما زال مرتفعا بعد شهرين من تطبيق الاتفاقية، وهو ما يحول دون تعافي الأسعار إلى المستوى المأمول. وذكر ديبيش أن المخزونات ما زالت أعلى من المتوسط في خمس سنوات بنحو 300 مليون برميل، على الرغم من تراجعها 800 مليون برميل في الربع الرابع من العام الماضي بتأثير من التوصل إلى اتفاق خفض الإنتاج وإعلان التعاون بين دول "أوبك" والمنتجين المستقلين. وقال لـ "الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن الاجتماعات المكثفة التي تقوم بها "أوبك" حاليا بالتعاون مع دول من خارج "أوبك" تعطي فكرة عن الجهود المتواصلة للمنتجين لدعم استقرار السوق، خاصة بعد النشاط الواسع الذي حدث في الإنتاج الصخري الأمريكي عقب خفض الإنتاج، وهو ما عطل كثيرا تعافي الأسعار وتحقيق التوازن السريع في السوق. وأعرب كروج عن اعتقاده الخاص بأنه إذا تمت توسعة الاتفاق بضم منتجين جدد حسبما تؤكد "أوبك" وروسيا، وذلك بالتزامن مع زيادة الخفض في الإنتاج ومد العمل بالاتفاقية، فسنرى نتائج مبهرة في السوق سواء على مستوى الأسعار أو على مستوى نمو الاستثمارات، وستتغلب تلك التعديلات على نحو كبير على أي تأثيرات أخرى مضادة، وعلى رأسها زيادة الإنتاج الأمريكي. وقال لـ "الاقتصادية"، رالف فالتمان المحلل في شركة "إكسبرو" للخدمات النفطية، إن استمرار الولايات المتحدة في بيع حصص متتالية من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لا شك أنه ستكون له تأثيرات ضاغطة في الأسعار، إلى جانب تأثيرات زيادة الإنتاج الصخري الأمريكي. وأشار فالتمان إلى أن وزارة الطاقة الأمريكية أعلنت بيع عشرة ملايين برميل من الاحتياطي الاستراتيجي، وقبل أشهر قليلة باعت ثمانية ملايين برميل، معتبرا أن الأمر يعكس الرغبة في الاستفادة من تعافي الأسعار، والثقة بأنه لا حاجة إلى احتياطي استراتيجي ضخم في ضوء توقعات استمرار وفرة المعروض من الموارد النفطية. Image: category: النفط Author: أسامة سليمان من فيينا publication date: الخميس, فبراير 23, 2017 - 23:30
مشاركة :