لا لوم علينا إن أحببنا الرقي في البرامج، ورفضنا الاسترخاص في الإعداد والتقديم والمضمون والكلام الذي يوجهونه إلينا كمشاهدين. لا لوم علينا إن اعتبرنا أنفسنا مُلّاك الريموت كونترول، الذي يهددنا به أصحاب القنوات كلما اعترضنا على برنامج سوقي، فنحن أصحاب الحق في فرض رسوم على ما يدخل بيوتنا من برامج وقنوات، والرسوم ثمنها الالتزام بالأخلاق ومحاكاة العقول وإعلامنا بما هو جديد ومهم، مع خلطة من الترفيه لا التسطيح. أحرار نحن في مشاهدة كل البرامج من أجل اختيار الأفضل منها، والتعليق إيجاباً لتشجيع صناعها ومقدميها على الاستمرار في نهجهم. وأحرار أيضاً في رفض الابتذال، عن وعي وقناعة تامة بأن الابتذال الذي يمارسه بعض المنسوبين على الإعلام وبعض القنوات، يعيدنا إلى العصر الحجري وليس دليل تقدم أو تحرر كما يروّجون، فشتان ما بين الحرية الحقيقية والمسؤولة، وبين ما نراه على الشاشة. لذا نستغرب من يسألنا لماذا تشاهدون البرنامج الفلاني ثم تعترضون عليه؟ سؤال يزيد من إصرار أصحابه على اعتبار الجمهور قطيعاً يتم سوقه إلى حيث يشاء صاحب القناة أو البرنامج. كيف للجمهور أن يحكم على عمل إن لم يشاهده؟ كيف يختار إن عصب عينيه عما تعرضه الشاشة وترك الآخرين يقودونه حيثما يشاؤون؟ لا بد من المشاهدة والحكم باتزان ووعي وبقدر كبير من المصداقية. لن نسأل الجهات المسؤولة عن دورها الرقابي، فكلمة رقابة صارت هي أيضاً الشماعة التي يعلق عليها المبتذلون كل أخطائهم، باعتبار أنها فكرة مضى عليها الزمن ووجودها اليوم يعني تضييق الخناق على الإعلام، والحجر على حرية الرأي والتفكير والإبداع. علماً بأن المنطق يقول إنه لو كان على الشاشة إبداع حقيقي، فلن يجرؤ أي كان أن يمنعه أو يقف في وجهه. والانفلات على الشاشة واعتبارها ملكاً خاصاً يقدم فيه صاحبه ما يشاء ويقول ما يحلو له بلا أي اعتبار لمجتمع أو شعب أو تقاليد أو أعراف.. فهذا يشبه تماماً تحويل المجتمعات إلى غابة بلا قوانين ولا أنظمة ولا مراعاة لأي حدود وضوابط. هناك قانون يتم تطبيقه عادة، ويقضي بعدم بث بعض الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تتضمن إيحاءات أو عنف ولا تصلح إلا لمن هم فوق ال 18 عاماً، لا تُبث مثل هذه النوعية إلا بعد العاشرة والنصف ليلاً، ويتم الإعلان عنها بعد التاسعة والنصف ليلاً، مع الإشارة إلى الفئة العمرية التي يتوجه إليها البرنامج، على أن تتم ملاحقة كل من يخالف هذه البنود تحت ذريعة الحرية الإعلامية. لكن القانون لم يضع في الاعتبار التطور، والقنوات الواصلة إلى كل الفئات العمرية بلا أي رادع أو رقيب عبر المواقع الإلكترونية. لم يأخذ بالاعتبار مسألة الإعادة والتي تكون بمواعيد مختلفة وعلى مدار الساعة. فهل يعود للقانون أو للملاحقة مكان؟ كل قناة تعيد بث برامجها وكل أعمالها على موقعها الإلكتروني، فمن يتحكم بسن المشاهدة؟ القوانين القديمة تحتاج إلى إعادة نظر، كما يحتاج الإعلام إلى إعادة تنظيم والتزام بضوابط ومعايير يمشي عليها الجميع كي لا يكون هناك سيف رقابي مسلط على الرقاب ويقف عند كل إطلالة وبرنامج وكلمة. والرقابة لا تعني تضييق الخناق على حرية الرأي والإبداع، بل تعني أن يعود أصحاب القنوات أنفسهم وكل مسؤول وإعلامي، إلى إحياء الضمير الغائب عمداً، والعمل بهدف بناء مجتمعات وتطويرها لا هدمها، وبهدف التقدم مع شبابنا نحو مستقبل واع وقادر على احترام الإنسان وحريته وعقله. لا تضعوا أنفسكم والمشاهدين بين سندان الحرية ومطرقة القانون. مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :