سؤال يتكرر كثيرا، وبخاصة ممن يعيشون في بلاد الغرب، أو البلاد التي يكثر فيه اقتناء أهلها الكلاب، وهو: هل لمس شعر الكلب، أو إذا لعق ثيابنا أو أجسادنا، هل ينتقض وضوءنا أم لا؟ وهل الكلب في حد ذاته طاهر أم نجس؟ وبحكم البيئات التي كثر فيها استخدام الكلاب يكثر السؤال، سواء في بلاد الغرب أو العرب. بداية لم يرد نص صحيح صريح في نجاسة الكلب، ولكن ما ورد من نصوص فهو في ولوغ الكلب في إناء فيه ماء، وقد بنى كل فقيه بعد ذلك موقفه من لعاب الكلب ونجاسته، بناء على ما فهمه من هذا النص، ولذا فرق الفقهاء بين جسد الكلب وشعره، وبين فمه ولعابه، والحديث الذي ورد فيه شأن الكلب هو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبع مرات" وفي بعض رواياته: "أولاهن بالتراب". فمن الفقهاء من فهم من هذا النص النبوي الشريف أن سؤر الكلب، أي: ما يتركه الكلب بعد شربه في الإناء، أنه نجس، وأن النجاسة ناتجة عن نجاسة فم الكلب، فهما من هذا النص النبوي، وهو ما أثار نقاشا فقهيا مهما في شأنه، وقد اختلف الفقهاء بداية في شعر الكلب، وكثير من الفقهاء على طهارته، حيث لم يرد فيه نص صريح، وهو ما يتعرض له الكثير من الناس سواء بلمسهم هم للكلب، أو احتكاك الكلب ولمسه لهم في التعامل في الحياة، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول بطهارة شعر الكلب والخنزير، وبين أنه الراجح. يراجع مجموع فتاوى ابن تيمية (21/617). أما الإمام مالك رحمه الله فقد ذهب إلى طهارة جسد الكلب كله، بما في ذلك فمه، وفهم فقهاء المالكية وغيرهم من هذا الأمر بغسل الإناء سبع مرات، أنه مقصود به الكلب المسعور الذي يعض الناس، وذلك لمرض فيه، فهو في هذه الحالة حامل لمرض وليس لنجاسته، وعللوا ذلك تعليلا مقبولا، فالأمر بغسل الإناء سبع مرات يختلف عن كل أحكام النجاسة، فمعلوم أن أي نجاسة تصيب ثوبا أو غيره يغسل مرة أو على الأكثر ثلاثة، فلماذا كان الأمر في الكلب تحديدا بالمرات السبع، وهي دلالة في العدد تكررت في معظم أحاديث المرض والعلاج، فدعاء الشفاء للمريض سبع مرات، والأمر برقية المسحور سبع مرات، وأمره صلى الله عليه وسلم لمن حوله عندما مرض بالحمى، أن يريقوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، وقوله: "من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" فمن الواضح أن الحديث يتكلم عن حالة مرضية في الكلب، وليست حكما عاما بنجاسته. وفهم الإمام مالك من الحديث أنه أمر تعبدي غير معلل، ينفذه المسلم تعبدا، وذلك بغسل الإناء سبع مرات أولاهن بالتراب، وليس معنى ذلك نجاسة الكلب، واستدل بأمر مهم في ذلك، وهو أن الله عز وجل أجاز للمسلم أن يأكل من الصيد الذي يجلبه له الكلب، المصاحب له في الصيد، وهو الكلب المعلَّم، يقول تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) المائدة: 4. فلو كان فم الكلب نجسا لأمر الشرع بغسل ما يمسكه بفمه لصاحبه بعد صيده، ولم يرد أمر بذلك مطلقا، مما دل على طهارة فمه، وطهارة جسده، وهو الراجح والمستند لأدلة كما ذكره الفقهاء القائلين بذلك بالتفصيل في كتبهم، وهو ما ذكرت مجمله باختصار. يظل حكم اقتناء الكلب نفسه، وهل هو جائز أم محرم، وبخاصة في ظل مستجدات الحياة في الغرب، وقد أصبح اقتناء الكلاب أمرا مألوفا، وأصبحت حاجة الناس للحماية في الحياة الحديثة أمرا ملحا، وهو ما نوضحه في مقالنا القادم إن شاء الله.
مشاركة :