اشتباكات عنيفة بين ميليشيات موالية لحكومة الوفاق وأخرى تابعة لما يعرف بحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل، ما أثار مخاوف المراقبين من أن تنعكس هذه الاشتباكات على جهود التسوية السياسية التي تقودها دول الجوار منذ فترة.العرب [نُشر في 2017/02/25، العدد: 10554، ص(4)]أمن المواطن آخر ما يعنيهم طرابلس - طغى صدى الاشتباكات المسلحة، التي تصاعدت حدتها وسط العاصمة الليبية طرابلس، على الحراك السياسي والدبلوماسي لتسوية الملف الليبي، على قاعدة المبادرة الرئاسية التونسية التي تدعمها مصر والجزائر. وتزايدت التحذيرات من دخول ليبيا مرحلة جديدة من اقتتال الميليشيات، ما يبدد أجواء التفاؤل الحذر التي سادت المشهد الليبي خلال الأيام القليلة الماضية. واندلعت تلك الاشتباكات المُسلحة ليلة الخميس-الجمعة في مناطق أبوسليم والهضبة الخضراء و”المشروع الزراعي” بالعاصمة طرابلس، باستعمال الأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين ميليشيات سارع أفرادها إلى سد الشوارع بالسواتر الترابية، في مشهد أثار الرعب لدى سكان طرابلس. وتم خلال هذه الاشتباكات استخدام الدبابات والعربات المُدرعة التي تبادلت القصف انطلاقا من مواقع تمركزها بجوار عمارات حي ناصر ومصنع المشروبات في أبوسليم، فيما كان دوي الانفجارات وإطلاق النار الكثيف يهزان مختلف أنحاء العاصمة طرابلس. ونقلت وسائل إعلام ليبية محلية عن أحد سكان العاصمة قوله إن “حالة من الذعر تسود المنطقة، وإنه سمع صراخ نساء وأطفال جراء شدة القصف المتبادل بين أفراد الميليشيات المسلحة”. ودارت تلك الاشتباكات التي تجددت صباح الجمعة بين قوتي الردع والتدخل المشتركة بقيادة عبدالغني الككلي والأمن المركزي المواليتين لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، و”كتيبة صلاح البركي” الموالية لحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل. وأسفرت الاشتباكات في حصيلة أولية عن سقوط تسعة قتلى و16 جريحا، إلى جانب إلحاق أضرار مادية بالغة بالمباني السكنية والمستشفيات الموجودة بالمنطقة. وكشفت إدارة الأمن المركزي بمنطقة أبوسليم أن الاشتباكات الدائرة بالمنطقة، جاءت على خلفية اختطاف أربعة عناصر تابعة لفرع الأمن المركزي في أبوسليم من قبل مسلحين يتمركزون في مقر الشرطة العسكرية السابق بالمنطقة. وقالت الإدارة في بيان على صفحتها الرسمية بوقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، “إن الاشتباكات اندلعت بعد أن قامت مجموعة مسلحة تتمركز في مقر الشرطة العسكرية سابقا تدّعي تبعيتها لكتيبة البركي، وبدعم من العصابات المتمركزة في مشروع الهضبة الزراعي، باختطاف أربعة أعضاء تابعين لفرع الأمن المركزي في أبوسليم”.الاشتباكات تسفر عن سقوط تسعة قتلى و16 جريحا، إلى جانب إلحاق أضرار مادية بالغة بالمباني السكنية والأملاك العامة ووصف مراقبون هذه الاشتباكات التي تأتي بعد نحو أربعة أيام من محاولة اغتيال رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج التي يُعتقد أن عناصر موالية لخليفة الغويل تقف وراءها، بأنها الأعنف من نوعها في طرابلس منذ سنوات. وحذر هؤلاء من تداعياتها على مناخات الحوار التي بدأت تتجمع على وقع الحراك السياسي والدبلوماسي لتونس ومصر والجزائر لإيجاد تسوية سياسية للمأزق الليبي تقوم على قاعدة الحوار والتوافق. وكثفت الدول الثلاث من تحركاتها واتصالاتها بالفرقاء الليبيين لحثهم على الجلوس إلى طاولة الحوار، حيث اجتمع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الخميس، مع عبدالرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة بليبيا، الذي بدأ الخميس زيارة رسمية إلى تونس بدعوة من رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، محمد الناصر. وقالت دائرة الإعلام والتواصل التابعة للرئاسة التونسية في بيان لها، إن الرئيس السبسي أكد خلال هذا الاجتماع الذي تم خلاله التطرق إلى آخر المستجدات والتطورات على الساحة الليبية، ونتائج الاجتماع الوزاري الثلاثي الذي عُقد في تونس، على أن “استقرار ليبيا من استقرار تونس والمنطقة بأكملها”. كما أشار إلى أن المبادرة التونسية التي تم التوافق عليها ودعمها من الجزائر ومصر، من خلال وثيقة “إعلان تونس الوزاري لدعم التسوية السياسية الشاملة”، الموقعة الاثنين الماضي بتونس، “تهدف إلى تسهيل وتشجيع الحوار بين مختلف الأطراف الليبية، وتكثيف التشاور معها لتقريب وجهات النظر لإقناعها بأهمية تجاوز الخلافات للوصول إلى توافق ليبي-ليبي”. وأعرب الرئيس التونسي، الذي أعاد التأكيد على أن بلاده تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية، عن تطلع بلاده إلى أن “يُفضي التوافق الليبي-الليبي إلى الخروج من حالة الانسداد، وإيجاد حل سياسي شامل قابل للنجاح يُمهّد الطريق لبناء دولة ليبية على أسس صلبة، وذلك بمساعدة دول الجوار الثلاث وتحت رعاية منظمة الأمم المتحدة”. ومن جهته، أكد عبدالرحمن السويحلي ترحيبه بهذه “المبادرة وبدور تونس لحل الأزمة الليبية عبر تشجيع الحوار بين مختلف الفرقاء الليبيين”، مشددا في نفس الوقت على أنه “لا خيار أمام الليبيين إلا خيار السلام والتوافق لتحقيق الاستقرار في ربوع ليبيا”. وقال إن “الوضع الراهن في ليبيا لم يعد يحتمل الانتظار”، لذلك تتعين”الاستفادة من هذه المبادرة الرئاسية، ومن زخم دعم دول الجوار وتقبل الشعب الليبي لها، للوصول إلى حل سريع للأزمة”. وفي أعقاب اجتماعه مع رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر، أكد السويحلي أن انفراج الأزمة الليبية “قريب جدا وأن المبادرة التونسية هي دليل واضح على ذلك”، مبرزا استعداد جميع الأطراف الليبية والدولية المهتمة بالشأن الليبي للقيام بما يجب فعله من أجل الوصول إلى حل نهائي للأزمة. وجدد دعوته لكل الفرقاء الليبيين، الذين لم ينخرطوا بعد في الحوار، إلى المشاركة في هذا المسعى والتعامل بايجابية مع المبادرة التونسية، مؤكدا أن ليبيا “ليس لديها سوى خيار واحد وهو خيار السلام المبني على الحوار والمصالحة الوطنية”.
مشاركة :