وزيرة المرأة التونسية تحث على مشاركة كل الأطراف للحد من العنفرغم ما حققته المرأة التونسية من مكاسب، جعلتها تتصدر مرتبة هامة عربيا وحتى دوليا، إلا أن ما تحقق لها لا يحجب التحديات التي تفرض نفسها على أرض الواقع خاصة عقب استفحال ظاهرة التطرف والعنف. وتناول حوار لصحيفة “العرب” مع وزيرة المرأة التونسية نزيهة العبيدي مساعي الحكومة لتطويع ترسانتها التشريعية من أجل ضمان كرامة المرأة. ويترجم مشروع القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة جدية هذه الجهود الحكومية، خاصة التعديل الذي أكد عدم الإفلات من العقاب في جريمة الاغتصاب من خلال الزواج من الضحية.العرب آمنة جبران [نُشر في 2017/02/25، العدد: 10554، ص(4)]تونس تؤمن بتمكين العنصر النسائي تونس - لم تنف وزيرة المرأة والأسرة والطفولة التونسية نزيهة العبيدي استفحال ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمع، وترى أن تونس “شأنها شأن بقية دول العالم معنية بظاهرة العنف ضد المرأة”. وعن ظاهرة الاغتصاب، تقول العبيدي “هذا النوع من العنف قديم قدم الإنسانية ويمس كل الثقافات ولا يشمل الإناث فقط بل الذكور أيضا”، وتضيف قائلة إن في هذا المستوى تتدخل مقاربة النوع الاجتماعي، لذلك يجب سن الآليات للدفاع عن الحرمة الجسدية دون التمييز على أساس الجنس أو على أساس الدين، “وهذا دور الدولة وما يضمنه الفصل 46 من الدستور”، والذي ينص على أن الدولة التونسية تكفل حقوق المرأة والإنسان بصفة عامة. وأكدت العبيدي، في حديثها لـ”العرب”، أن “الحكومة التونسية تتوجه نحو إلغاء الفصل المكرر من المجلة الجزائية عدد 227 المتعلق بالاغتصاب الذي يسمح للمغتصب بالزواج من الضحية”. وكان غازي الجريبي، وزير العدل، قد صرح في 02 فبراير الجاري، خلال جلسة استماع بلجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، أن الجديد في مشروع القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، هو التنصيص على عدم الإفلات من العقاب في جريمة مواقعة أنثى حتى في حالة زواج المغتصب من الضحية. القضاء على العنف ضد المرأة وترى العبيدي أن هذا القانون “قديم سن منذ 1913 وفي الوقت الراهن تغيرت العقليات وتطورت القوانين، وهو ما تجسده مجلة حقوق الطفل ومجلة الأحوال الشخصية”. وبدأت لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب مناقشة مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، منذ بداية شهر فبراير الجاري. وكشفت العبيدي أن الإحصائيات الرسمية المسجلة بين العام 2008 والعام 2013 قد رصدت أن عدد الشكاوى الواردة على النيابة العمومية في مجال العنف الزوجي بلغ 28910. ووصل عدد المحكوم عليهم في جرائم العنف الشديد المجرد ضد النساء لدى المحاكم الابتدائية إلى 3810 محكومين بالسجن، فيما بلغ عدد المحكوم عليهم في هذه الجرائم لدى جميع محاكم البلاد 11245 محكوما عليه.حين نؤهل المرأة اقتصاديا ونمكنها من المعارف فإن ذلك سيحد من استقطابها، وتشمل الخطة أيضا الاهتمام بالأسرة وأوضحت أن جهود الدولة التونسية لمكافحة هذه الظاهرة انطلقت منذ عام 2006 باعتماد استراتيجية ترتكز على العمل التشاركي بين الوزارة ومكونات المجتمع المدني، وتنبه إلى أن مناهضة العنف ضد المرأة تستوجب آليات قانونية تحمي المرأة. وعقب مرور ست سنوات على الثورة التونسية والمخاض الديمقراطي الذي توج بدستور 2014 وميلاد ثاني جمهورية بعد الاستقلال، أفصحت وزيرة المرأة التونسية، عن تبعات هذه المرحلة على وضع المرأة التونسية وكشفت عن المشاغل والهموم النسوية في تونس. ورغم حجم التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على عاتق حكومة الوحدة الوطنية، أبدت العبيدي ثقتها في المجتمع التونسي، حيث قالت “لم تشهد تونس خلافات أو توترا ناجما عن تحول سياسي إلا ونجت منه بسبب وحدة الشعب ووعيه”. وأوضحت “المجتمع التونسي معتدل بطبعه منذ 3000 عام، فهو وسطي مقبل على الحياة ولا يستطيع أن يتخلى عن القيم الكونية الثابتة التي يراهن عليها”، مضيفة “ولعل دستور 2014 دليل قاطع على أن الاختلاف ليس في الجوهر وأن القوى الظلامية لا تستطيع أن تفتك بتونس”. وفي ما يخص ظاهرة الإرهاب واستدراج الشباب التونسي إلى بؤره وبروز ظاهرة الإرهاب النسوي، أوضحت وزيرة المرأة أن “التصدي للإرهاب يستوجب المعالجة الفكرية والثقافية كما أنه يلاقي معالجة قضائية في الواقع الراهن في تونس”. ولفتت إلى أن “استقطاب المرأة يتم بذات الطرق التي يستقطب بها الرجل، لكن بنسب أقل وأن التحاق العنصر النسوي بالجماعات المتطرفة لا يشمل التونسيات فقط بل هي ظاهرة دولية ومن أوساط ثقافية مختلفة، لذلك فالمسؤولية دولية”. وأشارت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة إلى أن “وزارة المرأة تعتمد استراتيجية لمقاومة الإرهاب، وبرنامج مكافحة التطرف يتم بالشراكة مع وزارات التربية والثقافة والشؤون الاجتماعية والدفاع الوطني”. وكشفت أن الوزارة تهتم في برنامجها بالمناطق الحدودية من خلال تكثيف العمل مع الأسر الموجودة في هذه المناطق، وأن 500 طفل و10000 أسرة تمتعوا إلى حد الآن ببرنامج “بأولادنا نحمي بلادنا”.68 بالمئة من النساء من خريجات الجامعات، لكن مشاركتهن في سوق الشغل حوالي 25 بالمئة وفي إطار مشروع مكافحة الإرهاب، أطلقت وزارة المرأة برنامج “رائدة”، الذي يرتكز على التمكين الاقتصادي للنساء. وتقول العبيدي “حين نؤهل المرأة اقتصاديا ونمكنها من المعارف فإن ذلك سيحد من استقطابها، وتشمل الخطة أيضا الاهتمام بالأسرة”. وتفسر وزيرة المرأة في حكومة يوسف الشاهد سبب التحاق شباب من أصحاب الكفاءات بالتنظيمات الإرهابية بأنه يعود إلى “توجيه الاهتمام إلى التعليم دون الاهتمام بالثقافة لإيماننا في تونس بقيمة المعارف في تحقيق رقي اجتماعي واقتصادي وغفلنا عن قيمة الثقافة الفكرية في معالجة مثل هذه الإشكاليات”. وترى العبيدي أنه كنتيجة لذلك يستوجب على الدولة ترسيخ ثقافة مجتمعية، لأن الوعي الفكري والثقافي هو سبب عدم التحاق أعداد كبيرة ببؤر الإرهاب وعدم رضوخهم للمغريات المادية رغم صعوبة أوضاعهم الاجتماعية. المساواة والنوع الاجتماعي تنادي تونس دائما بالمساواة بين الجنسين وتراهن على هذا المبدأ كحق إنساني راسخ تبذل كل جهودها لترسيخه في جميع المجالات. ولفتت العبيدي إلى حرص تونس، منذ التسعينات، على مأسسة مقاربة النوع الاجتماعي، حيث كانت سباقة في اعتمادها كمنهجية في التخطيط والتقييم ووضع البرامج للنهوض بأوضاع المرأة وتجسيم مبدأ تكافؤ الفرص في كل الميادين والقطاعات. وأضافت “قمنا بإدخال مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط والتنمية وحققنا أشواطا في هذا الجانب، ونظمت الحكومة يوما تحسيسيا في مجال مقاربة النوع الاجتماعي، وهي المبادرة الأولى عربيا وفي مرتبة متقدمة دوليا”. وأشارت العبيدي إلى بعث مجلس نظراء فيه كبار الموظفين في الدولة كجهاز مراقبة يحدد مكامن الخلل في تطبيق المساواة. وتشمل الخطوة الثانية في برنامج ترسيخ المساواة التمكين الاقتصادي. وقالت العبيدي إن 68 بالمئة من النساء من صاحبات الشهادات الجامعية، لكن في المقابل نسبة مشاركتهن في سوق الشغل لا تتجاوز 25 بالمئة.
مشاركة :