القاهرة: عبد الستار حتيتة وشريف اليماني ردا على مبادرات طرحتها قيادات مقربة من جماعة الإخوان المسلمين تصب في طريق عودة الرئيس المعزول محمد مرسي للحكم، قال مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن مثل هذه المبادرات تهدف فقط لإطالة أمد الأزمة و«تعقيدها»، مشددا على أن الجهات المسؤولة في الدولة تعطي في الوقت الحالي الأولوية لحفظ الأمن وليس للمفاوضات التي تهدف إلى العودة إلى المربع صفر الذي تجاوزه الشعب المصري. وقال الدكتور مصطفى حجازي، مستشار الرئيس المصري للشؤون الاستراتيجية، في مؤتمر صحافي مساء أمس، ردا على سؤال بشأن مبادرة صرحها الإسلامي محمد سليم العوا، إننا نرحب بكل المبادرات الوطنية الحريصة على تحقيق سلم المجتمع، ولكن هذه المبادرات مهما كانت من أي من الشخصيات الوطنية التي نقدرها يجب ألا تتجاوز الواقع الجديد الذي تشكل بعد 30 يونيو (حزيران) 2013، مع تأكيد المضي قدما في خريطة الطريق، وألا تتعالى أي مبادرة على الواقع الجديد أو تتجاوزه، وهناك واقع جديد يجب أن نحترمه. وعبرت الرئاسة المصرية عن «الحزن لإراقة الدماء»، وأكدت وجود «موجة إرهاب» في البلاد. وفي هذه الأثناء بدا أن السلطات تؤكد إصرارها على التعامل بحسم مع أنصار الرئيس المعزول الذين يتركز احتشادهم في منطقة رابعة العدوية شرق القاهرة، وسقط منهم أكثر من سبعين قتيلا في مواجهات مع الشرطة والأهالي استمرت في القاهرة وبورسعيد حتى فجر أمس. وأضاف الدكتور حجازي قائلا، إن الدولة ستعمل بكل جد وقوة على تأمين المواطن والمجتمع المصري من الحرب الإرهابية التي يتعرض لها وتشن ضده منذ نحو شهر في مناطق مختلفة من الجمهورية، موضحا أن أعمال جماعات الإرهاب تتجاوز الاحتجاجات والاعتصامات السلمية وحرية التعبير عن الرأي، وبالتالي أصبح يتعين على الدولة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المجتمع. وأوضح أن الدولة ستتخذ كل الإجراءات القانونية بما يتفق مع حقوق الإنسان لإعادة الهدوء والاستقرار للشارع المصري، مشيرا إلى أن من حقوق الإنسان أيضا أن ينعم المواطن العادي بالأمن والسلام وألا يعتدي أحد على حقوقه في السكينة. وأضاف أن «معتصمي رابعة العدوية وميدان النهضة يحاولون تحويل أنفسهم إلى ضحية لتحسين ظروف التفاوض بالنسبة لهم على طاولة المفاوضات»، مؤكدا أنه لا يمكن حل موقف سياسي أو أي خلاف سياسي عن طريق العنف. وأعرب عن اعتقاده أن ما يحدث في الشارع السياسي حاليا لا يتعلق فقط بخلاف سياسي، ولكنه احتقان مجتمعي أو مشكلة مجتمعية تحولت إلى حرب إرهاب تشن على المجتمع، وهذا التعبير ليس فيه تجاوز. وأكد أن الدولة المصرية لا تقبل على الإطلاق إراقة دم أي مصري قائلا: «ستتم محاسبة كل من يريق الدم مهما كانت جهته، كما أنه لا يمكن قبول الاتجار بالدماء أو استخدامه من أجل أحداث تدفع الآخرين للتعاطف معها أو الاستفادة منها في تفاوض». وجدد التأكيد أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاعتداء على مواطنيها أو ترويعهم أو ابتزازهم سياسيا، وسيتم تفعيل القانون بكل حسم وعزم. ومن جانبه، قال اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، في كلمة له في حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب كلية الشرطة، بحضور الرئيس المصري عدلي منصور، والفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، إن الشعب المصري «منح للجيش والشرطة شرعية شعبية وتفويضا شرعيا ليتصدوا بكل الحسم والقوة لكل من تسول له نفسه الإقدام على زعزعة استقرار الوطن بأحداث إرهابية أو أفعال إجرامية واهما بقدرته على تنفيذ مخططاته لترويع المجتمع وتهديد سكينته». وأضاف: «لن نسمح لأي حاقد أن يحاول تعكير صفو تلك الأجواء من التلاحم والإخاء وسنتصدى بكل القوة والحسم لأي محاولة للإخلال بالأمن، وهو عهد وميثاق قطعناه على أنفسنا ونحن لعهدنا موفون ولميثاقنا حافظون». وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس منصور عقد مساء أمس اجتماعا لبحث الموقف الأمني في البلاد شارك فيه رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي، إضافة للفريق أول عبد الفتاح السيسي، والدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية، واللواء محمد إبراهيم، ورئيس المخابرات. وأضافت المصادر أن الاجتماع تطرق إلى الكيفية التي يمكن بها التعامل مع الاضطرابات الأمنية واعتصام أنصار الرئيس السابق في ساحتي رابعة العدوية ونهضة مصر في كل من القاهرة والجيزة. وحول اجتماع مجلس الدفاع الوطني، قال الدكتور حجازي إن الاجتماع أكد أن الشعب اجتمع على كلمة واحدة ضد الإرهاب وضرورة الامتثال للإرادة الشعبية وأنه لا مكان في المجتمع المصري للعنف والإرهاب والعنصرية والكراهية. وأفاد بأن المجلس أكد أيضا أنه لا يقبل تحت أي مسوغ أو مبرر استباحة الدم المصري وأنه أعرب عن أسفه للدماء التي سالت وسيكون هناك موقف بعد إجراء التحقيقات اللازمة، مؤكدا حرية الاعتصام السلمي في ميداني النهضة ورابعة العدوية، في إطار القانون، مع وضع خطوط حمراء لأي تجاوز في التعبير السلمي أو ما يهدد كيان وحركة المجتمع أو حقوق مواطنين مصريين. ومن جانبه، قال الدكتور محمد البرادعي، إن أولوياته الآن «حث كل الأطراف على نبذ العنف بكل أشكاله للتوصل إلى توافق وطني يعبر بمصر إلى بر الأمان». وأضاف في تغريدة له على حسابه بموقع «تويتر»: «أسأل الله التوفيق في وقف نزيف الدم المصري». ورفض تكتل القوى الثورية الذي يضم 9 حركات وأحزاب سياسية مبادرة المفكر الإسلامي محمد سليم العوا، التي تدعو إلى التفاوض على أساس مرحلة ما قبل عزل مرسي، وقال هذا التكتل في بيان له إن مثل هذه المبادرات تهدف للخروج الآمن لقيادات جماعة الإخوان وعودتهم مجددا للمشهد السياسي دون محاسبة. كما نفت حركة شباب 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية)، ما تم نشره بواسطة بعض الصفحات الإخوانية على مواقع التواصل، حول اعتزام الحركة الانضمام لاعتصام مؤيدي مرسي في رابعة العدوية. وأعلنت الحركة أن هذه الإشاعات المكررة ما هي إلا كذب وحيلة رخيصة يراد بها محاولة إثارة التعاطف الشعبي تجاه أنصار الرئيس المخلوع مرسى وإيهام الرأي العام بأن شباب الثورة ينضمون إليهم. يأتي هذا في وقت اتسع فيه نطاق الاشتباكات بين أنصار «الإخوان» ومعارضيهم، ووصلت إلى محافظة بورسعيد (شمال شرقي القاهرة)، وضاحية حلوان (جنوب العاصمة)، وخلفت قتيلا وعشرات المصابين. واندلعت الاشتباكات في بورسعيد الواقعة على قناة السويس بحلول فجر أمس (الأحد)، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة النارية والخرطوش والحجارة بين مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي والأهالي بالقرب من كنيسة ماري جرجس في المدينة الساحلية، أسفرت عن إصابة 28 شخصا، ومصرع شخص آخر. وبحسب شهود عيان، فإن اشتباكات بورسعيد بدأت عند تشييع جنازة أحد قتلى أحداث شارع طريق النصر التي وقعت فجر السبت الماضي بالقاهرة وخلفت نحو 72 قتيلا بحسب الروايات الرسمية. وقال شهود عيان في بورسعيد إنه أثناء مرور الجنازة بأحد الشوارع، حطم أنصار مرسي عدة سيارات وأطلقوا أعيرة نارية على أبواب كنيسة في الجوار. وانتشرت قوات الجيش والشرطة بكثافة في أرجاء المحافظة لملاحقة الجناة وتأمين محيط مسجد التوحيد الذي يعتصم فيه أنصار للرئيس المعزول وتطويقه بالمدرعات وجنود القوات المسلحة والشرطة العسكرية والقوات الخاصة التابعة لفرق أمن بورسعيد. وأكد مصدر أمنى بمديرية أمن بورسعيد، أنه تم القبض على اثنين من أنصار مرسي خلال الاشتباكات. وفي ضاحية حلوان، جرت اشتباكات عنيفة أيضا بين مؤيدي «الإخوان» وأهالي المنطقة، استخدمت فيها الأسلحة النارية والخرطوش، وكشفت التحريات الأمنية عن أن الاشتباكات التي وقعت كانت بتحريض من قيادات إخوانية، وأصدرت النيابة قرارا بضبط وإحضار6 متهمين من قيادات الجماعة، من بينهم محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ومحمد البلتاجي وصفوت حجازي. وتمكنت أجهزة الأمن من القبض على ثلاثة متهمين جرى ضبطهم في تلك الأحداث، حيث أسندت إليهم اتهامات بالشروع في القتل والحرق العمد وحيازة وإحراز أسلحة نارية وذخائر من دون ترخيص، واستخدام زجاجات حارقة، واستخدام أسلحة ومفرقعات. وأشارت تحقيقات النيابة إلى أن مجموعة من شباب «الإخوان»، تجمعوا عقب صلاة التراويح الليلة قبل الماضية أمام أحد مساجد حلوان وتوجهوا في مسيرة إلى ميدان الشهداء، وكانوا يطلقون النيران بشكل عشوائي في الشارع لترويع الأهالي. وفي مدينة نصر حيث يعتصم أنصار مرسي عثر أهالي المنطقة على جثتين لمجهولين ملقاتين خلف مسجد رابعة العدوية، وانتقلت النيابة العامة لمعاينتهما، وأثبتت وجود آثار تعذيب في أنحاء متفرقة من جسديهما. ومن المقرر أن تكون كاثرين أشتون، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، قد وصلت إلى مصر اليوم (الاثنين) في إطار محاولات لرأب الصدع في الجبهة الداخلية المصرية بعد نحو ثلاثة أسابيع من عزل الرئيس السابق. وتعد زيارة أشتون الثانية لمصر خلال هذا الشهر، حيث سبق وزارت القاهرة يوم 16 من الشهر الحالي. وقالت وكالة الأنباء المصرية الرسمية أمس إن أشتون سوف تلتقي الرئيس منصور ونائبه البرادعي ووزيري الدفاع والخارجية، إضافة إلى ممثلين عن جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة (التابع للجماعة). لكن الدكتور حجازي قال ردا على سؤال حول زيارة أشتون: «إنها ليست في مهمة وساطة أو طرح مبادرة، وإنما ستتواصل مع بعض الأطراف.. ونحن نرحب بالجهود التي تزيل الاحتقان المجتمعي ونرى أنها تتفهم خطورة الموقف في مصر ولا تقبل قتل المصريين بسبب الخلاف السياسي.. وأنه آن الأوان لإزالة هذا الاحتقان من دون إراقة دماء». وأضاف أن زيارة أشتون لا تعد تدخلا في الشأن المصري. وقال الدكتور حجازي في رده على أسئلة الصحافيين أمس، فيما يتعلق بمكان احتجاز الرئيس السابق مرسي، والتهم الموجهة إليه خاصة تهمة التخابر مع حماس ومدى تأثيرها على علاقات مصر بالجانب الفلسطيني، إن «هناك فارقا بين التواصل مع حماس، وهذه مسألة طبيعية مع الأشقاء الفلسطينيين، وبين تهمة التخابر معها التي تعني الإضرار بالمصلحة العليا للبلاد ومنها اقتحام السجون المصرية (أثناء ثورة 25 يناير 2011، والمتهم فيها قيادات الإخوان ومن بينهم مرسي)». وحول مكان احتجاز الرئيس السابق، أجاب حجازي: «قد يكون عدم الإعلان عن مكان احتجازه بدافع من المصلحة العليا للوطن أو للحفاظ على أمنه وحياته»، مشيرا إلى أن الوفد الحقوقي الذي زار مكان احتجازه مؤخرا والتقى مساعديه تأكد من أن الرئيس السابق في حالة جيدة ويعامل باحترام وتقدير، قائلا «إن الرئيس السابق رفض مقابلة الوفد.. وهذا حقه».
مشاركة :