مساء هذا اليوم (الأحد) سيقبل عشرات الملايين من المشاهدين على موعد واحد مع الأوسكار الأميركي في حفل توزيع جوائزه لأفلام العام 2016. إنه الحفل الـ89 منذ عام 1929 عندما تم منح أوسكار أفضل فيلم لإنتاج حربي يدور حول قصـة عاطفية عنوانه «أجنحة». لم يكن فيلم ويليام أ. ولمان هو الوحيد الذي خرج بأوسكار، بل شاركه في ذلك فيلم «شروق» للألماني الذي كان انتقل إلى هوليوود ف. و. مورناو. «أجنحة» نال ما سُـمي آنذاك بأوسكار «أفضل فيلم، إنتاج» و«شروق» مُـنح ما سمي «أفضل فيلم، إنتاج فني فريد». تغيرت المسميات كثيرًا فيما بعد، كما تعددت الجوائز لتشمل كل ركن من أركان العمل السينمائي. وفي تاريخ المناسبات الـ88 الماضية، عرف التمثال الذهبي كيف يعبّـر عن نشاط الآلة الإنتاجية في هوليوود مع مروره بتقلّـبات تبعت انهيار نظام الاستوديو في الخمسينات وارتقاء الفيلم الفني الأميركي بعد ذلك، ثم وصول فيض جيد من الأفلام المستقلة وشبه المستقلة حتى بات اليوم بانوراما شاسعة من أنماط إنتاجية متعددة. هناك الفيلم الذي انطلق مستقلاً وتبنّـته شركة توزيع كبيرة مثل «لا لا لاند» الذي تقوم ليونزغيت بتوزيعه. والفيلم المستقل إنما- بحسب المناهج الهوليوودية الكلاسيكية- مثل «هاكسو ريدج». هذا هو أيضًا حال فيلم «وصول» فهو إنتاج لم تتبناه الاستوديوهات الكبيرة، لكنه ممنهج على نحو إنتاجاتها في حين أن «ليون» و«سياجات» (أو «حواجز») هما إنتاجان مستقلان فعليًا. في المقابل، فإن «مانشستر على البحر» من إنتاج شركة ضخمة (ولو حديثة) هي «أمازون ستديوز» و«أرقام خفية» من إنتاج تونتيث سنتشري فوكس. عنصر جذب كذلك هي أفلام تنتمي إلى تشكيلة متعددة المصادر والتجارب من المخرجين، وذلك على النحو التالي: > هناك مخرج واحد معروف بخلفية تبلغ عشرة أفلام روائية طويلة، وهو الكندي دنيس فيلينييف، صاحب فيلم «وصول». > فيلمان لمخرجين – ممثلين، هما مل غيبسون «هاكسو ريدج» ودنزل واشنطن «سياجات». > مخرج واحد غير معروف سبق له وأن حقق أكثر من خمسة أفلام كلها كانت صغيرة ومستقلة، وهو الأميركي ديفيد ماكنزي «جحيم أو طوفان». > ثلاثة مخرجين كل في ثاني عمل له، وهم باري جنكنز «مونلايت» وداميان شازيل «لا لا لاند» وغارث ديفيز «ليون». > وثلاثة مخرجين سبق لكل منهم تحقيق فيلمين فقط قبل فيلمهما المرشح للأوسكار، وهم ثيودور ملفي «أرقام خفية» ودنزل واشنطن «سياجات» وكينيث لونرغان «مانشستر على البحر». لكن في حين أن هذه المعلومات وما سبقها تشكّـل معالم فعلية لأوسكار يدخل هذه الأيام مرحلة تجديد أخرى، فإنها لا تشكل عنصر جذب أولى في غياب أعمال ضخمة أو تقليدية كما كان الحال عليه حتى عقود قريبة. ليس هناك من «سيد الخواتم» ولا من «تايتانك» ولا «قائمة شندلر». أيامها كان عنصر الجذب الأول هو الفيلم ذاته خصوصًا إذا لم يكن فعلاً وحيدًا من نوعه من حيث ضخامته أو أهميته المرتبطة بحجم إنتاجه. الآن عناصر الجذب في مسابقة الأوسكار تتوزع حسب اهتمامات محددة: بعض صحف الغد ومواقعه الإلكترونية مثلاً ستخصص صفحاتها لمتابعة ماذا ارتدت إيزابيل أوبير، وإذا ما كان كايسي أفلك اعتمد مظهره الفوضوي ليضاهي به الأنيق رايان غوزلينغ. النقاد سينشغلون في تقييم الفائز، وإذا ما كان يستحق. ستديوهات السينما وشركات الأفلام ستحصي عدد الأفلام الرابحة من بين ما أنتجته. أما الجمهور فلديه انشغال آخر هذه السنة وهو الصراع الدائر بين البيت الأبيض وهوليوود. كلاهما مؤسستان كبيرتان، واحدة سياسية تتعاطى حاليًا الشأن الثقافي والإعلامي والفني لتصفه بأنه مفبرك، وواحدة فنية صناعية تتعاطى حاليًا السياسة بعدما فوجئت بموقف رئيس البلاد المعادي للهجرة. كم مشاهد عربي؟ علينا أن نحسب أنه في السنوات الأخيرة بدأت نسبة الإقبال على مشاهدة حفلات الأوسكار بالهبوط تدريجيًا. وعلى سبيل المثال، بلغ عدد المشاهدين الأميركيين لحفلة الأوسكار سنة 2015 نحو 37 مليونا و300 ألف مشاهد في مقابل 44 مليون مشاهد في عام 2014. في العام الماضي، استمر الهبوط فوصل إلى معدل 34 مليونا و300 ألف مشاهد. رد الفعل المعاكس ما هو غريب، ويلعب دور المنقذ إلى حد كبير، هي النزاع السياسي الدائر بين المؤسستين المذكورتين. جمهور الأوسكار هذا المساء سينتظر أن يشن معظم المتحدثين من مقدمين وضيوف وفائزين هجومًا لاذعًا على سياسات الرئيس ترمب الداخلية والخارجية، وفي مقدمتها موقفه من الهجرة، وتهديده المتمثل في كيفية إدارة السلطة. السبب هو أبعد من أن المخرج الإيراني أصغر فرهادي وجد نفسه مبعدًا من حضور الحفل؛ لأنه سيحتاج إلى فيزا لن تمنحها له السلطات الأميركية تبعًا لهويته. فيلمه «البائع» (The Salesman) مرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي لا ينافسه جديًا فيها سوى الفيلم الألماني «توني إردمان». إلى ذلك، مُـنع المصوّر السوري خالد خطيب من الحصول على التأشيرة لدخول الولايات المتحدة رغم أنه أحد مصوّري فيلم «الخوذات البيضاء» الذي يتناول الحرب السورية (من منظور المهام الإنسانية). على الرغم من هذا الموقف الرسمي حيال المخرجين الإيراني والسوري، فإن انتقاد قرارات ترمب المتعلقة بالهجرة بدأت من قبل حفل الأوسكار (بخطاب ميريل ستريب في حفلة «غولدن غلوبس») وستستمر، على نحو ما، بعده. «البائع»، الذي هاجمه نقاد ومسؤولون إيرانيون بتهمة إنه يعطي المجتمع الإيراني صورة مغايرة للواقع، و«توني إردمان» لمارن إيدي الآتي من ألمانيا بجملة من الجوائز الأوروبية والأميركية. «البائع» ليس بجودة فيلم فرهادي السابق «انفصال» الذي فاز بالأوسكار ذاته سنة 2012، لكن القرار السياسي الذي نتج منه منع المخرج من حضور الحفل قد يتدخل هنا لمنحه أوسكار ثانيًا. ما هو مؤكد حتى كتابة هذا التقرير أن عددًا لا بأس به من الأصوات المقترعة التي كانت ستذهب إلى الفيلم الألماني، أو إلى أي من الأفلام الثلاث الأخرى في قائمة «أفضل فيلم أجنبي» تحوّلت إلى الفيلم الإيراني نكاية بذلك القرار. المخرج الإيراني بعث برسالة مصوّرة للمناسبة ستبث لو فاز بالجائزة (أو ربما تبث فيما لم يفز أيضًا) لكن تم اختيار امرأتين إيرانيتين مهاجرتين وتعملان في الحقل الرسمي (بينهما موظفة في وكالة ناسا الفضائية الحاضرة هذا العام عبر الفيلم الأميركي «أرقام خفية») لتسلم الجائزة بالنيابة عنه إذا ما فاز بها. من سيفوز ولماذا؟ وإذ يبدأ الحفل بعد ساعات من الآن، لا بد من النظر للاحتمالات الأعلى بين الفائزين، على الرغم من أن بعض الأفلام والشخصيات في الأقسام الرئيسية باتت شبه مضمونة. > أفضل فيلم: - «لا لا لاند»: كل الرهانات منصبة على هذا الفيلم الموسيقي – العاطفي، وإن لم يفز فإن خسارته ستشكل المفاجأة الأكبر في تاريخ الأوسكار القريب. هل هو أفضل من «هاكسو ريدج» لمل غيبسون، أو من «مانشستر على البحر» لكنيث لونرغان؟ هناك من يقول لا، لكن «لا لا لاند» بالتأكيد أفضل نتيجة من «ليون» و«أرقام خفية» و«سياجات» بينما سيغرق «جحيم أو طوفان» في لا مبالاة آخر لحظة وسيجد «وصول» حبيس حالة من سينما الخيال العلمي التي لم تبلغ مستوى الإنجاز. - سيفوز: «لا لا لاند». > أفضل مخرج: - بطبيعة الحال، فإن داميان شازيل، مخرج «لا لا لاند»، هو الأكثر احتمالاً للفوز بها. هو يشعر بأنه وضع الأوسكار في جيبه لولا أن البعض يرى أن باري جنكينز (عن «مونلايت») أو كنيث لونرغان («مانشستر على البحر») أكثر استحقاقًا من شازيل. شازيل (32 سنة) سيكون ثاني أصغر مخرج ينال الأوسكار بعد الراحل نورمان توروغ الذي كان أصغر من شازيل بنحو 7 أشهر عندما فاز بأوسكاره عن فيلمه الدرامي الخفيف «سكيبي» سنة 1932. - سيفوز: داميان شازيل > أفضل ممثل في دور أول: - كايسي أفلك قدّم أفضل أداء إلى اليوم في «مانشستر على البحر»، أندرو غارفيلد بلور شخصيته على نحو محبب في «هاكسو ريدج». فيغو مورتنسن جيد في «كابتن فأنتاستك»، لكنه ليس الدور المؤهل لقطع الشوط الأخير من المنافسة، كذلك دنزل واشنطن. يبقى رايان غوزلينغ عن «لا لا لاند»، لكن هذا بدوره ليس مضمونًا. - سيفوز: المنافسة الأكبر بين غوزلينغ وكايسي وغوزلينغ لديه درجة أعلى قليلاً. > أفضل ممثلة في دور أول: - نتالي بورتمن قدّمت أداء يثير الإعجاب في «جاكي»، لكن كذلك فعلت منافساتها: إيما ستون في «لا لا لاند» وروث نيغا عن «لفينغ» وميريل ستريب عن «فلورنس فوستر جنكينز» وإيزابيل أوبير عن «هي». لكن المنافسة الأكبر ستقع بين أوبير وستون. - ستفوز: ايزابل أوبير نوعيًا، لكن الجائزة ذاتها ستذهب إلى إيما ستون. > أفضل ممثل مساند: - الجائزة هنا صعبة التكهن وتخلو من أي ممثل من فيلم «لا لا لاند» والحمد لله. ما بين المخضرم جف بردجز («جحيم أو طوفان») والشاب ماهرشالا علي (مونلايت) والمتوسط مايكل شانون («حيوانات ليلية»). الآخران تكملة عددية وهما لوكاس هدجز عن «مانشستر على البحر» و(الهندي) دف باتل (عن «ليون»). - سيفوز: ماهرشالا علي لموهبته بلا ريب، لكن ما قد يساعده أنه ممثل أفرو - أميركي مسلم في حمى الإسلاموفوبيا والعداء للملوّنين والمهاجرين. > أفضل ممثلة مساندة: - ثلاث أفرو أميركيات، هن فيولا ديفيز («سياجات») وناوومي هاريس («مونلايت») وأوكتافيا سبنسر («أرقام خفية»). الأولى حظيت بمعظم جوائز الموسم في هذه الخانة، كما في خانة أفضل ممثلة أولى. نيكول كيدمان مرشحة أيضًا عن «ليون» وميشيل ويليامز عن «مانشستر على البحر»، لكن فوز أي منهما مستبعد.
مشاركة :