اختتمت فعاليات الدورة الثانية عشرة لـ «ليالي العزف المنفرد» التي يستضيفها المسرح البلدي لمدينة سوسة في الساحل التونسي، بعزف منفرد على آلة الناي للتونسي نوفل المانع واللبناني شربل روحانا على آلة العود. ويجمع المهرجان سنوياً نخبة من أمهر العازفين على مستوى العالم. ويُكرّس هذا الحدث الدولي الذي ينظم كل ربيع في جوهرة الساحل التونسي نجوماً من نوع آخر، وبما أن المتلقّي عموماً تعوّد أن يتعامل مع المطرب أو المطربة كنجم أوحد في أي عمل موسيقي، فإنّ فكرة هذه التظاهرة تهدف ليكون العازف نجماً فوق المسرح، وليس مجرد مرافق للمغنّي. ويؤكد المتابعون أن المهرجان حقق الهدف الأساس واستطاع تقديم عدد كبير من نجوم العزف على مستوى العالم، واستقبل المسرح البلدي أسماء لها وزنها وحضورها ومن كل القارات تقريباً. وانطلق المهرجان خجولاً في دوراته الأولى، حيث أقيم في فضاء تراثي في المدينة القديمة ليتحوّل في ما بعد إلى فضاء أرحب وأكبر في قلب المدينة قريباً من شاطئ بوجعفر الشهير عالمياً. وتضرب «ليالي العزف المنفرد» عصفورين بحجر واحد إذ تعمل على تقديم وجبات ثقافية دسمة وفي مستوى فنّي راق جداً، وتسعى إلى توفير مادة سياحية بعيداً من الشمس والبحر، هي عملية ترويجية للسياحة الثقافية في بعض أوجهها. العرض الافتتاحي قدّمه في جزئه الأول عازف الكمان التونسي بشير السالمي، فيما واصل الجمهور الجزء الثاني مع عازف القانون المصري ماجد سرور. والسالمي صاحب مسيرة طويلة مع آلة الكمان ويعتبر أحد أهم عازفي هذه الآلة على المستوى العربي، وكان اِنضم إلى الفرقة الموسيقية للإذاعة التـونسيـة عام 1974، ليـتـولى في ما بـعد قيـادتـها لمدّة أربع عشرة سنة، فيما يـشغـل حالياً منصب مدير مصلحة الموسيقى في الإذاعة التونسيّة. ويتميّز السالمي، بحسب العارفين بالموسيقى، بموهبته العالية وحساسيته العميقة في العزف على الكمان مع قدرة على مزج الألوان الموسيقيّة المغربيّة والشرقيّة من دون الابتعاد عن القوالب الموسيقيّة التقليديّة التونسيّة، وهو رافق أبرز الفنانين التونسيين والعرب وتعتبر تسجيلاته المتوافرة في خزينة الإذاعة الوطنيّة نموذجاً ومرجعاً للأجيال الموسيقيّة القادمة، وله عدد من المؤلفات الموسيقية من بينها «ليالي الخليج»، «فجر السّعادة»، «تحدّي» و «النهر الخالد». ولم يخفِ السالمي سعادته بالعرض وبتفاعل الجمهور الذي ملأ أرجاء المسرح، وقال في حديث إلى «الحياة»: «فوجئت وسُعدت في آن بهذا الجمهور النوعيّ الذي جاء ليستمع للعزف وليس لشيء آخر»، مضيفاً: «أعتقد أنها عودة من الباب الكبير بعد غياب دام سنوات، ولا يمكنني وصف هذا الإحساس الذي ينتابني وأنا أستمع لتصفيق الجمهور وتعبيره عن إعجابه بما قدمت». وقدم السالمي عدداً من المقطوعات الموسيقية بدأها بمعزوفة «النهر الخالد» ثمّ قدم تحية إلى السيدة نعمة من خلال عزف إحدى أشهر أغانيها وهي «كلمني في التلفون»، مازجاً بينها وبين أغنية شادية المعروفة «مخاصمني»، كما قدّم لحنين جديدين من إنتاجه أحدهما بعنوان «سايكا» وهي في النمط الأندلسي والثانية «ابتهاج». في حين قدّم ولأول مرة في مسيرته كوكتيلاً للسيدة فيروز. أما الجزء الثاني من السهرة فكان مع عازف القانون المصري ماجد سرور صاحب التجربة الثرية في العزف خلف أبرز المطربين العرب وأهمّهم الفنانة وردة التـي عزف طويلاً معها، وقال إنّه كان محظوظاً إذ عزف مع فنانة في قيمتها. قدم سرور مجموعة من معزوفات الفنان محمد عبدو صالح سماها «عزيزي عبدو صالح» إضافة إلى مجموعة أعمال لمحمد عبد الوهاب تحت عنوان «تقاسيم وهابية». وبما أنّ الجمهور التونسي عرفه من خلال عزفه مع الفنانة وردة الجزائرية، ووفاء منه لمسيرتها قدم مقطوعة سماها «من كل بستان وردة»، ولم يتردد في تقديم معزوفات تونسية شهيرة. ورافقت سرور فرقة من خيرة العازفين الشباب الذين أبدوا مستوى راقياً وتناغماً ملحوظاً معه، على رغم البعد الكلاسيكي الذي يشتغل عليه في كل المعزفات التي يقدمها، ما يبرز مواهب العازفين الشباب في تونس. وجمعت هذه الدورة، عازفين من البرازيل وكوبا وأميركا وفرنسا وإيران وأذربيجان ومصر ولبنان وبلغاريا وتونس. وتضمن برنامج التظاهرة عدداً من الورش المختصة التأمت في المعهد العالي للموسيقى في سوسة، تحت إشراف ضيوف المدينة من كبار العازفين لفائدة طلبة الموسيقى في المعهد. منوعات
مشاركة :