أهرامات الحضارة الكوشية كنز سياحي منسي قد يظن البعض أن مصر هي البلد الوحيد الذي يحتوي على أهرامات ورغم ضخامة وروعة تصميم هذه الآثار، إلا أن الحقيقة التاريخية تؤكد أن هناك أهرامات كثيرة في عدة دول، ولكن بطرازات مختلفة.العرب [نُشر في 2017/02/26، العدد: 10555، ص(17)]أكبر موقع للأهرامات في العالم الخرطوم - قال محمد أبوزيد مصطفى، وزير السياحة والآثار والحياة البرية في السودان، إن الحكومة ستلاحق الآثار السودانية المنهوبة والمسروقة في متاحف العالم، وستعمل على استردادها عبر الوسائل الدبلوماسية والقانونية، مؤكدا أن بلاده تملك أكبر موقع للآثار في العالم. وسينظّم متحف اللوفر في باريس العام المقبل معرضا مخصصا للآثار السودانية بالتركيز على مقتنيات الملك السوداني تهراقا، الذي حكم من السودان حتى فلسطين، قبل أكثر من 33 آلاف سنة. وكشف مصطفى أن السودان سينتهز المناسبة لتجديد مطالبه باسترداد آثاره. من جهة أخرى، توقع الوزير أن يبلغ عدد السياح مليون سائح بعد أن كان عددهم في العام الماضي 800 ألف سائح أنفقوا في السودان أكثر من مليار دولار. كما أكد مصطفى أن السودان يملك أكبر موقع للأهرامات في العالم في منطقة واحدة، 120 هرما في البجراوية، وهو من الميزات النسبية التي أسهمت في تسجيل الموقع ضمن التراث الثقافي العالمي. ولدى السودان 9 محميات طبيعية تضم غابات وحيوانات نادرة الوجود، ويملك عددا كبيرا من الحيوانات التي لا توجد في كثير من بلدان العالم. يذكر أن أهرامات السودان هي الأقرب لطراز الأهرامات المصرية، ويرجع هذا لتشابه الحضارة المصرية القديمة مع الحضارة الكوشية. بل تمتلك السودان أهرامات أكثر من مصر، وإن كانت أقل حجماً. وفي شَمال العاصمة السودانية الخرطوم على طريقٍ ضيق مهدته الحكومة الصينية توجد قرية صلب، وهي قريةٌ قديمة مليئة بالمقابر والأهرامات، ويوجد بها معبد صلب، وهو أفضل المعابد المتبقية في السودان من حيث حالته. على الضفة الغربية لنهر النيل؛ لا يوجد سور واحد يمنع الدخول. ولا يوجد حارس أمن واحد على بوابة الدخول، الآثار متناثرة في كل زاوية: الأعمدة الشاهقة، والأقواس، والجدران المنحوتة.أهرامات السودان هي الأقرب لطراز الأهرامات المصرية، ويرجع هذا لتشابه الحضارة المصرية القديمة مع الحضارة الكوشية معبد صلب، بناه الفرعون أمنحتب الثالث في القرن الـ14 قبل الميلاد، إهداءً للإله المصري آمون، ولم يزره سوى الملك الطفل توت عنخ آمون. ونقش اسمه على أحد الأسود التي كانت تحرس مدخل المعبد، لكنَّه لم يعد متواجداً في الموقع الأثري لأنَّه يوجد الآن في المتحف البريطاني. وفي منتصف المعبد، توجد أسماء علماء الآثار الفكتوريين الأوائل الذين اكتشفوا هذا الموقع منقوشةً على الجدران العالية، وهو ما يدل على مستوى ارتفاع الرمال وقت الاكتشاف عام 1844. الغاية من بناء المعبد في الفترة من عام 3100 إلى 2890 قبل الميلاد، أرسل الفراعنة المصريون جيوشهم إلى الجنوب على امتداد نهر النيل بحثاً عن الذهب، والغرانيت من أجل تماثيلهم، وريش النعام، والعبيد. واستمرت جيوش الفراعنة في التقدم جنوباً حتى وصلت إلى جبل البركل (جبل صغير شمال الخرطوم)، حيث قاموا ببناء القلاع والمعابد بعدها على طول الطريق لإثبات سيطرتهم على النوبيين. وأصبحت المنطقة المحتلة تُعرف فيما بعد بمملكة كوش، وتبنَّى الكوشيون جميع جوانب الثقافة المصرية، من الآلهة وحتى الصور الرمزية. لكن النوبيين حصلوا على حريتهم بعد انهيار المملكة المصرية الحديثة عام 1070 قبل الميلاد. وعلى الرغم من ذلك، تعمقت جذور ديانة آمون في المنطقة، وهو ما دفع ألارا ملك كوش بعد 300 عام أن يقود نهضةً ثقافيةً مصرية، بما في ذلك بناء أهراماتهم الخاصة. ونتيجة اعتقادهم بأنَّهم الأبناء الشرعيون للإله آمون، قام بعنخي حفيد ألارا باحتلال الشمال لإعادة بناء الأهرامات العظيمة. وظل “الفراعنة السود” يحكمون مصر لقرابة الـ100 عام. وفي أوج فترة حكمهم، تحت قيادة طهارقة الملك الكوشي الشهير، امتدت أراضيهم لتشمل ليبيا وفلسطين. وكان تاج الملك يحمل اثنتين من أفاعي الكوبرا: واحدة لبلاد النوبة، والأخرى لمصر. ويقع آخر المقابر العظيمة لملوك الفراعنة السود في مروي، المدينة القديمة على الضفة الشرقية لنهر النيل. وتبعد تسع ساعاتٍ بالسيارة عن مدينة صلب، لكنها تستحق عناء السفر، فهناك يوجد أكثر من 200 هرم مجتمعة في ثلاثة مواقع أثرية. في الشمال، يوجد 43 هرماً مدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، ومنتشرة بطول سلسلةٍ من التلال. وتوجد على الحجارة هناك رسومات لزرافة ونخيل وغزال، مما يدل على أن هذه المنطقة في الماضي كانت مساحات خضراء، وسمحت التربة الطميية الخصبة للكوشيين بزراعة الشعير والذرة. وعلى بقية الأحجار هناك رسوم رديئة تركها جنود الجنرال البريطاني هربرت كتشنر. حيث مر جنود كتشنر بهذا الموقع الأثري في طريقهم لمعركة كرري الدموية، التي خاضوها انتقاماً لموت الجنرال تشارلز جورج غوردون، الذي قُتل خلال ثورةٍ سودانيةٍ ضد الحكم البريطاني عام 1898. انهيار كوش بحلول عام 300 ميلادية، بدأت مملكة كوش في الانهيار، إذ أدّى نقص الزراعة وتزايد الغزوات القادمة من إثيوبيا وروما إلى نهاية عصر حكمهم. وتبع ذلك دخول المسيحية والإسلام، الأمر الذي جعل الصلوات للإله المصري آمون تُمحى من الذاكرة. وربما تكون عوامل الزمن قد تركت آثارها على الأحجار الخارجية.
مشاركة :