مي السكري | أيام موحشة وأطلال ذكريات مؤلمة لا يمحوها الزمان.. بطولات وتضحيات خالدة في الأذهان على مر العصور.. وأحلام شبابية تحوّلت إلى آلام وكوابيس. ملحمة وطنية عاشها الشعب الكويتي بمختلف فئاته وأطيافه على مدى سبعة أشهر إبان فترة الاحتلال العراقي الغاشم. بتر ساق وفقدان بصر وسمع، وعاهات مستديمة، هكذا أفرغ ذوو الإعاقة ما في جعبتهم من أحزان وأوجاع ملازمة لهم مدى الحياة، لتظل محفورة في خانة الذكريات. «الإعاقة كانت معاناة مضاعفة» بهذه العبارة وصف أولياء الأمور حالهم أثناء الفترة العصيبة، حيث تجرّعوا مرارة الاحتلال وإعاقة أبنائهم وحمايتهم نفسيا واجتماعيا في الوقت ذاته. فبحسب روايات وشهادات أولياء الأمور، بعض الأسر تحوّلت إلى عين ساهرة لحماية أبنائها من ذوي الإعاقة، لا سيما الذهنية طوال الليل، حيث لم يكن لديهم عاملات منازل (خادمات) لمساعدتهم على رعاية أبنائهم بينما كان أرباب المنازل ضمن المقاومة الشعبية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى المستشفيات لعدم توافر وسائل النقل المرخصة بلوحات عراقية. ولَم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كانت صدمة الاحتلال ودخول الجنود العراقية المنازل لتفتيشها ورفع الأسلحة أمام قاطنيها بمنزلة إعاقة أخرى لكثير من الأطفال ممن أصيبوا بالتبول اللاإرادي والتأتأة حينذاك. القبس شاركت ذوي الإعاقة وذويهم ذكرياتهم المؤلمة وفرحتهم بالتحرير، واستعرضت قصص بطولات وتضحيات لأبطال الإرادة والتحدي. ناصر القطان: إعاقتي بترت فرحتي بالتحرير.. وعزّزت لدي حب العمل الخيري ناصر القطان وشقيقه بدر واحد المصابين خلال رحلة العلاج في لندن «إعاقتي بترت فرحتي بالتحرير».. هكذا استرجع ناصر القطان شريط ذكريات الاحتلال العراقي والتحرير التي حوّلت مرحلة عنفوان الشباب لديه إلى ذكرى مؤلمة مستديمة لتغيّر مجرى حياته رأسا على عقب من شاب نشط مقبل على الحياة إلى آخر قعيد، عاجز عن الحركة الطبيعية مدى الحياة. وبشعور الأمل والتفاؤل والرضا، سرد القطان تفاصيل الحادثة المؤلمة التي وقعت تحديدا بعد مرور أسبوع من يوم التحرير، حيث كان في التاسع عشر من عمره عندما كان مستقلا سيارته في طريقه إلى شاطئ الخليج العربي بالقرب من الأبراج ليلقي نظرة التأمل على الدمار والخراب الذي خلفه الاحتلال الغاشم. وبينما كان يمشي على طول الشاطئ باحثا عن قبلته لأداء صلاة الظهر، عثر على جثة مجهولة تعود لأحد العراقيين الذين قضى نحبهم إبان الأزمة إضافة إلى مستودع أسلحة مخبأة داخل حفرة، وعند عودته إلى السيارة انفجر لغم في جسده أدى إلى بتر كلي في كف القدم اليمنى وكسر مضاعف في عظام اليد وإصابته بالشلل المؤقت لمدة ستة أشهر. آلام نفسية وأضاف القطان: في بداية الإعاقة، واجهت آلاما نفسية وبدنية، ولكن بدعم الأسرة الدائم لي استطعت أن أتجاوز هذه المِحنة، فضلا عن مساندة شقيقي بدر الذي لم يفارقني طيلة فترة علاجي بالخارج التي استغرقت ستة أشهر تقريبا، مثمنا المرسوم الأميري الذي أصدره الراحل الشيخ سعد العبد الله بشأن توفير كل التسهيلات لمصابي الاحتلال للعلاج بالخارج. وذكر: بالفعل كنت ضمن المشمولين بهذا القرار، وسافرت إلى لندن لتلقي العلاج، وأجريت العديد من العمليات الترقيعية وتركيب طرف صناعي للقدم وخضعت لجلسات العلاج الطبيعي. واستذكر القطان دور النائب السابق آنذاك عباس الخضاري ودعمه الدائم له في تسهيل رحلة علاجه بالخارج، بناء على طلب الراحل الشيخ سعد العبد الله، لافتا إلى أن الإعاقة لم تقف يوما حائلا أمام تحقيق أحلامه ومواصلة حياته، بل عززت لديه حب العمل الخيري والتطوعي وخدمة المجتمع، حيث عمل موظفا لمدة عشرة أعوام بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لمساعدة الأيتام، ولَم تمنعه إعاقته أيضا عن الاحتفال بالأعياد الوطنية والخروج مع الأهل في المسيرات للتعبير عن فرحة التحرير. أول اختصاصي اجتماعي كفيف في وزارة الشؤون غانم العودة: تحمّلت أمانة 105 أيتام.. وواجهت المجهول سبعة أشهر غانم العودة لم تثنه إعاقته البصرية عن تحمّل الأمانة ومواجهة المجهول لمدة سبعة أشهر إبان الاحتلال العراقي الغاشم على البلاد في سبيل رعاية وحماية 105 أطفال أيتام من المبصرين من مختلف المراحل العمرية في ستة مبان في مناطق مختلفة تابعة لدور الرعاية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية، بمساندة اثنين من زملائه، وتحدى كل الظروف والمخاطر بسلاح الإرادة والأمل. فارس الإرادة والأب الروحي للأيتام غانم العودة هو أول كفيف في الكويت يدرس علم اجتماع ويعمل بوزارة الشؤون كاختصاصي اجتماعي خلال الفترة 1981 ــــ 1990. استذكر العودة ذكريات الاحتلال، حيث كان أول من دخل إلى مقر العمل في اليومِ الأول قبل وقوع الاحتلال بساعات، وفضّل المكوث في المبنى بدلا من العودة إلى منزله لرعاية الأطفال اليتامى وحمايتهم وبث الأمن والطمأنينة في نفوسهم، وذلك بمساندة اثنين من زملائه، حيث كان يتردد على منزله كل أسبوعين لزيارة أسرته والتواصل معهم هاتفيا. وأشاد بتضافر الشعب الكويتي ووحدتهم إبان فترة الاحتلال فضلا عن نجاحهم في إدارة الأزمة، في ظل جو يسوده التماسك والتراحم، وهذا ما لمسه من قبل التجار والمتبرعين المجهولين الذين يأتون إلينا خصيصا لتوفير الدعم المادي والعيني والمواد الغذائية للأطفال، فلولاهم لما قدرنا الحفاظ على هذه الأمانة. ولفت إلى دوره وزملائه في تخفيف حدة الأزمة على الاطفال واحتوائهم نفسيا واجتماعيا، من خلال حثهم على تلاوة القرآن والمواظبة على الصلاة والدعاء، إضافة إلى توفير الجانب الترفيهي لهم بحدود الإمكانيات المتاحة، مضيفا: «على الرغم من أن تجربة الغزو تعتبر مؤلمة جدا على الجميع، فإنها أثبتت جدارتنا على تحمل الأمانة وإدارة الأزمات وبرهنت على تماسك الشعب ووحدته». ولفت إلى أنها تجربة فريدة وجديدة بالنسبة إليه أمام مشكلة لا يوجد لها تراث علمي. الاحتفال سلوك حضاري رحاب بورسلي أكدت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين رحاب بورسلي حرص الجمعية على إشراك ذوي الإعاقة في المناسبات الوطنية والدينية لتعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن والقيم الدينية. ولفتت إلى أن بلدية الكويت قامت بتركيب إعلانات الموبي لحملتها الإعلامية الخاصة بالأعياد الوطنية، تحت شعار «الاحتفال سلوك حضاري»، مضيفة: «لا نريد أن نخرج عن إطار الالتزام، حتى ذوي الإعاقة لا نعفيهم من الاحتفال ضمن السلوك الحضاري». أصغر أسير كويتي خسر بصره بسبب نقص الأكسجينمتعب الفضلي: فقدت عيني ولكن الوطن عوضني بالأفضل متعب الفضلي فقد البصر، ولَم يفقد البصيرة، وواجه مسيرة العناء والشقاء بسلاح الصبر والصمود، وحمل فوق طياته العديد من المصاعب، تغلّب على إعاقته البصرية وتسلق طموحاته حتى أصبح معدّا، ومقدِّم برامج في تلفزيون وإذاعة الكويت واستشاريا نفسيا ومعالجا ومدربا بالتنويم الإيحائي ومحلل شخصية عن طريق الصوت. ما إن فتح متعب الفضلي عينيه على الحياة ليجد نفسه أصغر أسير كويتي، فقد وُلد في الغزو وأخذته امرأة عراقية من حضانات مستشفى الكويت وهو في الشهر السابع من عمره إلى العراق وأبعدته عن والديه، وهو غير مكتمل النمو، وفي اللحظة ذاتها استشهد والده؛ فاضطرت والدته إلى الرحيل للمملكة العربية السعودية بعد فقدانها ابنها، ولكن لَم تَكف عن البحث عنه عن طريق «الصليب الأحمر»، فقد وُجِد متعب عن طريق «الصليب الأحمر» وهو في عمر السنة والشهرين، ورجع شمل الأم بابنها، وعاد إلى أحضان الوطن وهو كفيف بسبب نقص الأكسجين. فخر واعتزاز «فقدت عيني، ولكن الوطن عوضني بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى»؛ هكذا عبّر الفضلي عن فخره واعتزازه بإعاقته البصرية التي منحته القوة والعزيمة لتحقيق النجاح، مثنيا على الجهود الحثيثة التي بذلها «الصليب الأحمر» لعودة الأسرى وذوي الإعاقة. ولَم يقطع الفضلي عادته السنوية في الاحتفال بالأعياد الوطنية والخروج في مسيرات والاستمتاع بزحمة الشوارع مع الأصدقاء للتعبير عن الفرحة التي تشاركنا فيها الشعوب الخليجية. «هلا فبراير» أكد متعب الفضلي أهمية إشراك أصحاب المواهب الفنية والموسيقيين من ذوي الإعاقة ضمن الحفلات الغنائية والفقرات الشعرية التي ينظمها القائمون على احتفالات «هلا فبراير»، مشددا على ضرورة دمج هذه الفئة في المناسبات الوطنية والاجتماعية.
مشاركة :