لم تعد الوعود الإسرائيلية للمواطنين البدو بامتيازات خاصة لمن يخدم في الجيش الإسرائيلي، تنطلي على غالبيتهم وهم يرون واقعاً مريراً في بلداتهم، خصوصاً في النقب حيث يقطن نحو 300 ألف بدوي، نصفهم في قرى غير معترف بها تنقصها أدنى مقومات الحياة من مياه وكهرباء ومدارس، وأهلها مهددون بالترحيل وهدم بيوتهم. وبعد أيام على وعد وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان بالاهتمام بتمتين العلاقات «بين الدولة والبدو»، بعد أحداث قرية أم الحيران وهدم نحو 15 منزلاً فيها وقتل المربي يعقوب أبو القيعان، وبعد يومين على وعد من وزير الزراعة أوري آريئل ببناء شقق سكنية جديدة للجنود البدو بعد إنهاء خدمتهم، كانت المفاجأة عندما أرسل 25 جندي احتياط من بلدة بئر المكسور البدوية في الشمال، رسالة غاضبة إلى وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان أبلغوه فيها قرارهم عدم الالتحاق بجيش الاحتياط حيال عدم سماح مؤسسات الدولة لهم بالعمل في أعمال مختلفة، على رغم كونهم «جنوداً مسرَّحين». وجاء في الرسالة: «حملنا السلاح عندما كنّا في الثامنة عشرة ودافعنا عن مواطني الدولة، لكن في نظر الدولة، كما يبدو، فإن ثمة خطراً من حمْل البدو السلاح إذا ما رغبوا في الالتحاق بسلك الشرطة أو العمل في الحراسة أو في جهاز إطفاء الحرائق». وأضافوا: «هناك كما يبدو من يعتقد أن البدوي سيقوم بعملية دهس، وعليه لا يمكنونه من أن يكون سائق باص»، في إشارة إلى اتهام الشهيد يعقوب أبو القيعان من أم الحيران بعملية دهس أفراد شرطة قبل أكثر من شهر. واختتم الجنود رسالتهم: «هذه بصقة في وجوهنا من قبل من أرسلنا لإراقة دمنا». ونجحت السلطات الإسرائيلية بقدر كبير في العقود الأخيرة في سلخ البدو عن الجمهور الفلسطيني في الداخل مثلما فعلت مع الدروز، من خلال إغرائهم بالالتحاق بالجيش على رغم أن القانون لا يلزمهم. ويبرر معظم البدو ممن يلتحقون بالجيش الإسرائيلي خطواتهم بمبررات اقتصادية ظناً أنهم سيحظون بمكانة اجتماعية في بلداتهم، وبالتالي سيستطيعون الاندماج في المجتمع الإسرائيلي. لكن الوعود بامتيازات بقيت حتى الآن حبراً على ورق، بل إن البدوي يشعر بأن السلطات تميز ضده كما ضد سائر المواطنين العرب، وهو ما أكدته رسالة الجنود الـ25. ويخدم غالبية المجندين في كتيبة المشاة الصحراوية المعروفة باسم «الكتيبة البدوية» التي تكبدت في الحدود مع قطاع غزة خسائر في الأرواح. ويحمل بدو النقب بشدة في السنوات الأخيرة على السلطات الإسرائيلية على مواصلتها هدم البيوت بداعي البناء غير المرخص. وصبت جريمة قتل أبو القيعان بداعي أنه اعتزم دهس أفراد شرطة، الزيت على العلاقات المأزومة، خصوصاً بعد أن تبين الأسبوع الماضي من تحقيقات الشرطة نفسها أنه لم تكن لديه نية دهس الشرطة إنما كان يهرب من أفرادها الذين أمطروه بالرصاص. وترتفع أصوات كثيرة في النقب، كما قادة عرب الداخل، مطالبة بإقالة وزير الأمن الداخلي وقائد الشرطة روني الشيخ على خلفية وصمهما أبو القيعان بالإرهابي وبأنه داعم لتنظيم «داعش». في هذه الأجواء، يأتي قول وزير الزراعة، المسؤول في الحكومة عن «الوسط البدوي»، إنه يعتزم تخصيص مساكن للجنود البدو «لأن هذا واجب أخلاقي تجاه من يخدم في المؤسسة الأمنية، فضلاً عن أنه سيشجع الشباب البدو على الالتحاق بالخدمة العسكرية، وهذا جيد لنا ولهم».
مشاركة :