لكن الوضع مطمئن!

  • 4/21/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

أكتب هذه السطور وثمة ظل ثقيل يجثم على قلبي، وكأن قطار الأخبار المحزنة لا ينوي أن يبلغ محطته الأخيرة بعد، بل يبدو وكأنه في بداية رحلة طويلة ستدعس قلوباً كثيرة لا يعلم عددها إلا الله. أسبوع مشبع بالحزن والغموض والألم، الدكتور إسماعيل قوشماق استشاري العناية المركزة ضحية جديدة للفيروس الغامض «كورونا» يصارع المرض على السرير الأبيض جنباً إلى جنب مع زميلنا الدكتور وائل رمال، الذي مازال تحت الأجهزة التنفسية والعناية المركزة. عدد كبير من المناضلين الذين يتساقطون في المعركة كل يوم ورغم ذلك تصر وزارة الصحة على التكتم على أسمائهم وأماكن إصابتهم كأنها أسرار حربية، وتؤكد أن «الوضع مطمئن»! ثمة شعور مقبض ينتابك كلما ذكر اسم الفيروس مقروناً بوزارة الصحة، ثمة شيء يبعث على الأسى أكثر من الغضب في طريقة تعاطي الوزارة مع الحدث، لقد تجاوزنا مرحلة القلق والغضب، أصبح هناك ضحايا ومفقودون من زملائنا وأحبائنا، هناك سحابة قاتمة تحجب شمس التفاؤل ولا يبدو أن أحداً يهتم بتبديدها. ابنتي التي تدرس في المرحلة الابتدائية تخبرني أن مديرة المدرسة طلبت منهن ارتداء الكمامات الواقية في المدرسة وأن الطابور الصباحي سيتم إلغاؤه لكن «الوضع مطمئن..يقول بيان الوزارة الأخير». يمتنع المستشفى الجامعي بجدة عن استقبال مزيد من الحالات لامتلاء غرف العزل، ولكن المتحدث الإعلامي للمستشفى يؤكد أن «الوضع مطمئن» وفي ذات الوقت يمتنع عن إخبار المحرر بعدد الحالات المنومة، لأنه لا يملك إحصائية لعدد الحالات! (الحياة 2014/4/17) تستصدر الوزارة قراراً بمنع النشر عن إحصاءات المرض، و تهدد بالسجن كل من يسرب أياً من أخبارها(عكاظ 2014/4/19)..»لكنها ترى أن الوضع مطمئن»! تخمد أخبار المرض في الصحافة الرسمية امتثالاً للقرار لكنها تشتعل في وسائل الإعلام الموازي، آلاف التغريدات والمقاطع تتحدث عن المرض، شكاوى من مرضى وذويهم، من أطباء وعاملين في القطاع الصحي، نداءات ومطالبات وتحذيرات.. «ولكن الوضع مطمئن». تراقب بقلق طفلتك الصغيرة وهي ترتدي الكمامة وتذهب إلى المدرسة، وأنت لا تعرف على أي أساس وكجزء من أي خطة تم اتخاذ هذا الإجراء. يتضاعف قلقك أكثر بعد أيام عندما تعود وتجدها تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة. لا تعرف هل تعاملها كنزلة برد عادية أم إنه ينبغي أن تذهب بها إلى المستشفى؟ لكن أليست المستشفيات هي مصدر العدوى الغامضة؟ أليس من المحتمل أن تنقل العدوى للطفلة الصغيرة؟ تصاب بالحيرة ولا تعرف كيف تتصرف.. تستعيد في ذهنك العبارة التي تتردد في بيانات الصحة «الوضع مطمئن». تتمنى من كل قلبك أن تصدقها.. لكنك لا تستطيع وبدلاً من ذلك تجد سحابة الحزن الثقيلة تتمدد لتجثم على ما بقي من قلبك!.

مشاركة :