في السعودية، ثمة حاجة للاستعداد لمواجهة كوارث السيول ـ

  • 2/27/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الكوارث الطبيعية تحدث في كل مكان ولا توجد دولة واحدة على وجه الأرض إلا وأخذت نصيبها من الكوارث الطبيعية. هناك دول تواجه الأعاصير الموسمية بأقصى درجات الحيطة والحذر، لكن ذلك في بعض الأحيان لا يجدي نفعاً مع قوة الإعصار وبطشه في كل الأشياء التي تعترض مساره. وهناك دول أخرى تتعرض للزلازل والبراكين المدمرة من حين لآخر بصورة مفاجأة، ورغم ذلك تعايش سكانها مع هذا الوضع المخيف والمرعب لدرجة أنهم في بعض الأحيان يمارسون أعمالهم أثناء حدوثها وكأن لا شيء يحدث من حولهم! اليابانيون-على سبيل المثال-استطاعوا أن يتعايشوا مع الهزات الأرضية المتكررة دون أن يكون لذلك أي تأثير على أنشطتهم اليومية، فتجدهم غالباً غير مستاءين من هذه الظاهرة الطبيعية لأنهم أوجدوا لأنفسهم طريقة مثلى للتغلب عليها، لذلك لا يشعرون بالخوف والرعب كلما اهتزت الأرض تحت أقدامهم بفضل استعدادهم وجهوزيتهم الدائمة لأي طارئ يمكن أن يحدث جراء الاهتزازات الأرضية، فبيوتهم مصممة بطريقة تناسب الطبيعية الجيولوجية لأرضهم. لذلك هم غير مستاءين مما يواجهونه من صعوبات في حياتهم لأنهم مقتنعون تماماً بأن الحلول التي توصلوا إليها هي أقصى ما يمكن فعله في مثل هذه الحالات. مؤخراً انقسمت الآراء حول الأمطار الغزيرة التي هطلت على مناطق متفرقة في السعودية، فمنهم من يختلق الأعذار الواهية لتقصير المسؤولين عن الأضرار التي خلفتها الأمطار الغزيرة، ومنهم من يؤكد بأن الأمطار كشفت بصورة جلية مدى تفاقم الفساد واستشرائه في أغلب مشاريع البنية التحتية في بلادنا. وللجميع الحق في إبداء رأيه مهما كانت وجهة نظره مغايرة، فتعدد وجهات النظر أمر يتسق مع طبيعة الكون المتسمة بالتنوع والتعدد في كل شيء. لكن ذلك لا يعني أن يمارس أحدهم خلط الحقائق بالأكاذيب تبجحاً بأنها من باب اختلاف وجهات النظر، كأن يستشهد بما يحدث في بعض البلدان المتطورة من فيضانات وأعاصير وزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية، حين يكون الحديث عن الأوضاع المزرية التي يعاني منها المتضررين من الأمطار في أغلب مناطق المملكة من أجل تظليل العامة وإيهامهم بأن ما يجري لهم من كوارث موسمية أمر طبيعي طالما أن أكثر الدول تقدماً وتطوراً تعاني هي الأخرى من كوارث مشابهة! والحقيقة أن المشكلة الرئيسة التي يعاني منها سكان المملكة لا علاقة لها بما يستشهد به هؤلاء من حوادث متفرقة هنا وهناك، فالسبب الرئيسي هو عدم وجود شبكات تصريف قادرة على استيعاب مياه الأمطار الغزيرة، بحيث يمكن الاستفادة منها لاحقاً لأغراض الشرب والري والتخزين كما تفعل الكثير من الدول. ثم إن الدول المتقدمة التي يستشهد بها المضللين والمطبلين باعتبارها دولاً تشهد حالات مماثلة لما يجري في بلادنا، وذلك بهدف إسكات المنتقدين والغاضبين من سوء الخدمات التي تقدمها الأمانات والبلديات في المملكة لم تتقاعس في أداء واجباتها تجاه الموطنين من خلال تهيئة البنية التحتية ووضع الخطط المناسبة لمواجهة أخطار الكوارث الطبيعية، فأميركا على سبيل المثال من أكثر الدول تعرضاً للأعاصير المدمرة والتي عادة ما تخلف ورائها خسائر فادحة في الممتلكات الخاصة والعامة رغم تفوقها في كافة المجالات إلا أنها لم تستطع التغلب على الظواهر الطبيعية، فقوة الطبيعة تفوق القوة البشرية بمراحل يعجز العقل البشري عن استيعابها، بيد أنه لولا استعدادها وجهوزيتها المبكرة لمواجهة تلك الأعاصير الموسمية لتضاعفت الخسائر في الأرواح والممتلكات إلى أعداد مهولة ومفزعة، وقس على ذلك حالات مشابهة في أكثر من بلد. الناس باختصار لا تريد من المسؤول مثلاً أن يمنع المطر من الهطول بغزارة على مدنهم وقراهم، الناس تريد منه حلولاً تمنع تجمع الأمطار حول مساكنهم ومرافقهم العامة. تريد أن تمارس أعمالها دون أن تخشى أن تداهم الأمطار مقار أعمالهم وبيوتهم أو أن تتعطل مدارسهم ومستشفياتهم عن العمل لأجل غير مسمى. هم بكل بساطة لا يريدون أن تتوقف الحياة عن الدوران كلما أمطرت السماء بغزارة على مدنهم وكأنها عقوبة إلهية جراء ذنوبهم التي لا تغتفر! الناس أيها المضللون والمطبلون تدرك بأنه ليس بالإمكان التحكم في الظواهر الطبيعية لكن هم يعرفون جيداً أن هناك ثمة حلول تخفف من وطأة الآثار الناجمة عنها، فليس من المنطق أن تستمر معاناتهم مع الأمطار الموسمية بهذا الشكل المحزن مع أن الحل لا يحتاج إلى تفكير عميق ولا إلى الاستعانة بشركات الاستشارة العالمية. حين يتجاهل المسؤول مطالب الناس المشروعة في الإجابة على تساؤلاتهم حول الكوارث التنموية في مدنهم وقراهم، ولا يعير أدنى اهتمام إلى أصواتهم الغاضبة من سوء الخدمات والمرافق العامة، ربما يقودهم ذلك إلى فقدان الأمل في إيجاد حلول تخفف من وطأة خسائرهم في الأرواح والممتلكات. وإذا فقد أفراد المجتمع الأمل في تجاوب المسؤولين مع مطالبهم المشروعة أو على الأقل إشراكهم في البحث عن حلول للمشاكل والأزمات التي يواجهونها في حياتهم اليومية، فإنهم أيضاً سيفقدون معه الرغبة في البذل والعطاء وسينظرون إلى المستقبل بعيون يملؤها التشاؤم والإحباط، وهذا سينعكس حتماً على الأجيال القادمة التي سيرهقها كثيراً إرث أجدادها وآبائها المتخم بالإخفاقات المتراكمة.   عيد الظفيري كاتب سعودي مهتم بالشؤون الدينية والسياسية

مشاركة :