من مصر، بيت القوة العربية الناعمة والدائمة، يبقى صوت شيرين عبدالوهاب وإحساسها هو (العوض) عن الأصوات المصرية الرائدة التي فقدناها بحكم تقادم الزمن ورحيل العمالقة. تُسقينا هذه المرأة، المصابة بمرارات نعرفها ومرارات لا نعرفها، من معاناتها حين تغني وتستدر دموع الحجر والبشر في تعبيرها عن حالة الحب أو حالة الفقد، أو تلك الحالات التي تقع بين بين. ولأنها تعرف كيف تغرف من موهبتها الفذة لم أرها يوما تظهر إلا بمظهر المطربة المحترفة، بعيدا عن صخب فنانات هذا الزمان اللاتي يوزعن مفاتنهن على الشاشات وفي المسارح المفتوحة على الشهوات الصبيانية. كنت من الذين صدموا بإعلان شيرين اعتزال الغناء، وكنت أيضا ممن فرحوا بعودتها عن هذا القرار غير الصائب عربيا وطربيا. نحن في أزمات تطحننا على كل صعيد ولا ينقصنا أن تخلو ساحتنا الغنائية من مطربة محترمة مثلها ليكون ذلك بمثابة إيذان بتنامي هذا العبث وهذا الغثاء الغنائي الذي صدره، أول ما عرفناه، اللبنانيون الذين لحق بهم بعد ذلك المصريون والخليجيون، وحتى المغاربة الذين عرفوا بأصالة المنبت الطربي وتقاليده ومتانته. على مسرح (آراب أيدول) في حلقته الأخيرة، عادت شيرين إلى نفسها وجمهورها وحقيقتها التي لا تقبل الغياب أو الاضمحلال. وكانت على ذلك المسرح، من جديد، مدرسة لا تبارى، على الأقل إلى الآن، في الإحساس الذي يأخذك من رتابتك واعتيادية وسماجة ما تسمع كل يوم من القافزين والقافزات على سلم الطرب. لذلك، أنا أعلن هنا قناعتي الطربية بها. وبعد أن حرمت في عمري هذا أن أحضر أية حفلة غنائية، أعود فأقبل بحضور أي حفلة - متاحة- لها في أي مكان من عالمنا العربي، حتى لو لم أقدر إلا على تذاكر الصف الأخير. أريد أن أسجل في حياتي أنني حضرت حفلة لمطربة حقيقة تعود بنا، رغم التجديد، إلى ذلك الزمن الجميل، الذي كان فيه للطرب قيم وللمطربين قيمة.
مشاركة :