انتقد كثيرون نادي ليفربول الإنجليزي عندما دفع 34 مليون جنيه إسترليني في يونيو (حزيران) الماضي للتعاقد مع اللاعب السنغالي ساديو ماني الذي كان يتبقى في عقده مع ساوثهامبتون عامان فقط، لكن بعد مرور ثمانية أشهر بات من الصعب أن تجد أي منتقد لتلك الصفقة. أحرز اللاعب السنغالي البالغ من العمر 24 عاما هدفين في غضون 138 ثانية فقط في مرمى توتنهام هوتسبر في الجولة الخامسة والعشرين من الدوري الإنجليزي الممتاز، ليضع حدا لمسيرة ليفربول السلبية بعدم تحقيق الفوز في خمس مباريات متتالية في الدوري الإنجليزي الممتاز، وتخطى بسهولة السجل التهديفي لنجم ليفربول السابق لويس سواريز في أول 21 مباراة له مع الفريق، ففي حين أحرز المهاجم الأوروغواياني ثمانية أهداف وصنع ثلاثة أهداف أخرى خلال تلك الفترة عقب انتقاله لليفربول قادما من أياكس أمستردام الهولندي عام 2011، نجح اللاعب السنغالي في إحراز 11 هدفا وصناعة أربعة أهداف أخرى خلال الموسم الأول له مع ليفربول. لكن الشيء الأبرز في هذا الإطار هو التأثير الواضح والقوي لغياب اللاعب السنغالي عندما كان يشارك مع منتخب بلاده في نهائيات كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في الغابون في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث لم يحقق ليفربول الفوز سوى في مباراة واحدة فقط من التسع مباريات التي خاضها بدونه، وسجل خلالها ثمانية أهداف فقط وتلقى خسارات كلفته الكثير في الثلاث بطولات التي يشارك بها. وكان المدير الفني لليفربول يورغن كلوب في حاجة ماسة لجهود ماني في مباراته أمام تشيلسي في 31 يناير، التي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق للدرجة التي جعلته يرسل طائرة خاصة تحضر اللاعب السنغالي بعد خروج منتخب بلاده بصورة مفاجئة من الدور ربع النهائي لكأس الأمم الأفريقية بعد الخسارة أمام الكاميرون بركلات الترجيح. ويتذكر بجورن بيزيمير، وكيل أعمال ماني، ما حدث قائلا: «لقد استعان النادي بطائرة خاصة لضمان عودة اللاعب في الوقت المحدد والمشاركة في التدريبات. كان ماني لا يزال حزينا ويشعر بأنه مسؤول عن خروج منتخب بلاده من البطولة، لكننا حاولنا توضيح أن هذه الأمور تحدث باستمرار في كرة القدم ويتعين عليه تجاوز ما حدث بسرعة. ربما ساعدتنا الظروف لأن مباراة تشيلسي كانت في اليوم التالي وكان ليفربول في حاجة لجهود اللاعب. وكان أهم شيء بالنسبة لي هو ألا أتركه بمفرده في المنزل يحدق في الجدران». ومنذ أن شوهد ماني من قبل الكشافة من أكاديمية الأجيال لكرة القدم في العاصمة السنغالية داكار وهو في السادسة عشرة من عمره، كان من المتوقع أن يكون له شأن كبير في عالم كرة القدم. وخرج من تلك الأكاديمية، التي أسسها اللاعب المحترف السابق مادي توريه بدعم من صديق طفولته المغني يوسو ندور، لاعبين آخرين مثل لاعب وستهام ديافرا ساخو ومهاجم نيوكاسل السابق بابيس سيسيه. لكن توريه قال لصحيفة الـ«غارديان» عام 2014، إن ماني الذي ينحدر من منطقة كازامانس على بعد نحو 500 كيلومتر جنوبي العاصمة داكار، هو «جوهرة التاج» بين جميع اللاعبين في الأكاديمية. انتقل ماني لنادي ميتز الفرنسي عام 2011، لكنه تعرض لإصابة خطيرة منعته من اللعب في الفريق الأول. وبعد هبوط ميتز لدوري الدرجة الثالثة في فرنسا، انتقل اللاعب السنغالي لنادي ريد بول سالزبورغ النمساوي مقابل أربعة ملايين يورو بعد الأداء الرائع الذي قدمه مع منتخب السنغال في دورة الألعاب الأولمبية عام 2012. ويقول بيزيمير: «تلقى اللاعب عروضا أخرى، لكن نادي ريد بول كان صاحب العرض المالي الأكبر، لذا وافق ميتز على رحيله إلى النمسا. الدوري هناك جيد، لكن يتعين عليك أن ترحل في مرحلة زمنية معينة. لو استمر اللاعب هناك أكثر من عامين فإنه يواجه خطر الاعتياد على وتيرة اللعب وعدم تطوير أدائه. ويعد ماني أفضل مثال على ذلك لأن مستواه كان يتطور من موسم لآخر». نجح ماني في تسجيل أكثر من 20 هدفا في الموسمين اللذين قضاهما في النمسا، وهو ما جذب اهتمام الكثير من الأندية في دوريات أقوى، قبل أن ينتقل لنادي ساوثهامبتون الإنجليزي في أخر يوم من فترة الانتقالات عام 2014. ويقول بيزيمير: «تلقي ماني عروضا من أماكن مثل الصين وروسيا وأندية أوروبية كبرى، لكننا قلنا إن هذا ليس الوقت المناسب للبحث عن الأموال الطائلة أو الجلوس على مقاعد البدلاء في ناد كبير، وإنما يجب الانضمام لناد يساعد اللاعب على تطوير مستواه، لذا وافق اللاعب على العرض المالي الأقل من نادي ساوثهامبتون لأننا رأينا أن هذه هي الخطوة الصحيحة في تلك المرحلة. تحدثت مرات قليلة مع المدير الفني ومدير الكرة بنادي ساوثهامبتون وانتابني شعور جيد. لقد وثق ماني في هؤلاء الأشخاص، وكان على حق». وأضاف: «هدفنا هو أن يصبح ماني أفضل لاعب في أفريقيا. الشيء الأهم هو أن نساعده على اتخاذ القرار الصحيح. من السهل إبرام اتفاق بسرعة، لكننا نفضل أن يكون لدينا علاقة طويلة الأمد مع جميع لاعبينا». واجه ماني اختبارا حقيقيا لمدى صلابته وقوته عقب إخفاقه في تسجل ركلة جزاء حاسمة أدت إلى خروج منتخب السنغال من كأس الأمم الأفريقية الأخيرة بالغابون بعدما كان منتخب بلاده هو المرشح الأقوى للحصول على اللقب لأول مرة في تاريخه. وغضب الجمهور السنغالي بشدة وتعرضت سيارة مملوكة لعمه لتخريب في العاصمة داكار. يقول بيزيمير إن ما حدث كان كفيلا بأن يشتت انتباه أي لاعب، لكن ماني قدم أداء قويا للغاية في أول مباراة يشارك فيها مع ليفربول بعد عودته من كأس الأمم الأفريقية أمام تشيلسي عندما دخل كبديل، قبل أن يحصل على لقب أفضل لاعب في المباراة التالية أمام توتنهام. ويقول وكيل أعمال اللاعب السنغالي: «كان ماني غاضبا، لكن أفضل شيء بالنسبة له كان اللعب مرة أخرى. تحدثت معه قبل المباراة بشكل مباشر لتحفيزه». وأضاف: «لكي تكون قريبا من أي لاعب يتعين عليك أن تقضي بعض الوقت معه. أنا وشقيقي جان نقضي خمسة أو ستة أيام كل شهر مع لاعب معين، ونحاول مساعدته في الأعمال اليومية، وفي بعض الأحيان نطهي الطعام سويا ونتحدث عن أمور الحياة بصفة عامة». وقبل مباراة ليفربول أمام توتنهام، قال البعض إن ماني رفض الانتقال لتوتنهام رغم أنه عقد اجتماعات مع المدير الفني للفريق ماوريسيو بوكتينيو. وكان مانشستر يونايتد قد أعرب أيضا عن رغبته في ضم اللاعب، لكن بيزيمير أصر على أن رغبة اللاعب هي التي حسمت انتقاله إلى ليفربول، بغض النظر عن المقابل المادي. وقال بيزيمير: «تكرر ما حدث عند انتقاله من سالزبورغ، فقد كنا نريد أن نتخذ الخطوة الصحيحة في النادي المناسب في تلك اللحظة. أنا أعرف يورغن كلوب منذ أن كان يعمل في ألمانيا، وكنت أعتقد أنه المدير الفني المناسب لكي يطور أداء ماني بعد انتقاله من ساوثهامبتون. لا يستطيع أي شخص أن يعلم الغيب، لكننا نجتهد من أجل اتخاذ القرار المناسب. لقد درسنا كل شيء في ليفربول قبل أن يقرر اللاعب الانضمام إليه. وفي الحقيقة يتمتع النادي بقدر كبير من الاحترافية، وليس المدير الفني فحسب. وأعتقد أن الأمور تسير على ما يرام هناك».
مشاركة :