ربما تكونُ زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير المفاجئة وغير المعلنة إلى العراق فرصة لعودة العراق إلى حضنه العربي، وإقامة أفضل العلاقات معه باعتبار أن العراق البوابة الاقصر والاوسع للوصول الى طهران وهذا ما يجعل الزيارة المفاجئة وغير المعلنة التي قام بها عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، والتقى خلالها نظيره ابراهيم الجعفري ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم والتي أكَّدَ في كل مباحثاته خلالها على رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، ومواجهة الارهاب الفارسي الإيراني الذي يهدد المنطقة ورغبة بلاده في تقديم دعم سعودي لمشاريع اعادة اعمار المناطق المحررة من داعش في الموصل وغيرها ، يجعل تلك الزيارة أملاً وحلماً وتطلعاً يحول الواقع الأليم دون تحقيقه .وكانت الزيارة مفاجئة بالنظر الى العلاقات المتدهورة، بل وشبه المقطوعة بين البلدين، حيث بلغ التوتر ذروته عندما وصف السفير السعودي السابق في العراق ثامر السبهان - وكان مُحِقاً في ذلك - الحشد الشعبي العراقي ذا الاغلبية الشيعية بالمليشيات الفارسية الإيرانية الطائفية العميلة ، ويبدو أنَّ أسباباً عديدة تُبرر التحول اللافت في الموقف السعودي تجاه العراق منها:- عودة السلطات العراقية الحاكمة إلى حربها ضد الارهاب، واستعادة العديد من المدن العراقية التي كانت خاضعة لـداعش ، وتحقيقها تقدماً كبيراً في حربها لاستعادة مدينة الموصل على الرغم من تغاضيها عن الإرهاب الفارسي الإيراني.- توسيع الطائرات العراقية نطاق عملياتها بدعم من امريكا حيث قامت بقصف قواعد لـداعش في مدينة بوكمال الحدودية وداخل الاراضي السورية، مما يعني ان هناك دورا للحكومة العراقية يحظى باتفاق قوى اقليمية ودولية في سورية، وربما في انتقال الجيش العراقي الى حرب تحرير الرقة بعد الموصل لاحقا ، ولكن الجيش العراقي لم يتحرك لمنع تغلغل الميليشيات الفارسية الإيرانية وبسط النفوذ الفارسي الإيراني داخل العراق.- شن قوات تابعة لـداعش هجوماً على مركز طريبيل الحدودي بين العراق والاردن، وقتل العديد من الجنود فيه، وهو معبر قريب من الحدود السعودية، وهناك تقارير تفيد بأن عناصر داعش باتت نشطة في منطقة الانبار المحاذية للاراضي السعودية الشمالية مما حدى بالديبلوماسية السعودية إلى التحرك.- ادركت المملكة العربية السعودية ان العراق سيلعب دوراً اقليماً قوياً في المستقبل المنظور على صعيد التسوية في سورية واليمن فرغبت في مشاركته في ذلك.وخلاصة القول ان زيارة الجبير المفاجئة وغير المعلنة إلى بغداد قد تكون ثمرة مراجعات سياسية سعودية ، ومحاولة لكسر العزلة الإقليمية للعراق وهي زيارة تعطي مؤشراً بأن الصوت العاقل الحكيم في الهرم الحاكم في الرياض بدأ يجد آذاناً صاغية لوجهة نظره ، التي تميل الى المرونة والابتعاد عن الصدامات وهي الضوابط والمعايير السياسية والاخلاقية المتبعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وتوحيدها ، بعد أن خيَّمت التوترات الطائفية وتعمقت في المنطقة بعد النزاعات الدائرة في سورية واليمن على العلاقات السعودية العراقية وبعد أن تحول العراق إلى مُحافظةٍ فارسيةٍ إيرانيةٍ ، ولكن الجبير أبلغ المسؤولين في الخارجية العراقية أن بلاده تنظر بجدية في تعيين سفير جديد لها في بغداد ، ويذكر أن المملكة العربية السعودية فتحت سفارتها في بغداد في عام 2015، وعينت ثامر السبهان سفيراً لها، للمرة الأولى بعد نحو ربع قرن من إغلاقها إثر غزو القوات العراقية للكويت في عام 1990 ، واعتُبِرَ تعيين سفير سعودي في بغداد عام 2015 مؤشراً على بدء تعاون وثيق بين البلدين في محاربة تنظيم داعش وتحجيم النفوذ الفارسي الإيراني في العراق.وتُعَدُّ تلك الزيارة المفاجئة والتي لم يعلن عنها مُسبقاً ، الأولى من نوعها لوزير خارجية سعودي إلى العراق منذ نحو 14 عاماً ، وتأتي لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح ، ولتؤكِّد أن المملكة العربية السعودية تدعم وحدة واستقرار وعروبة العراق ، وأنالمملكة تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات والأطياف العراقية الوطنية العربية وغير الطائفية .ولكن تبقى الآمال والأحلام والتطلعات بعيدةً تماماً عن الواقع إذا أدركنا مدى التغلغل الفارسي الإيراني في كل مفاصل السلطة في العراق ومؤسسات الحكم وصنع القرار التي يسيطر عليها حزب الدعوة الفارسي الطائفي الإيراني برئاسة المالكي والعبادي وعصاباتهما التي نهبت ثروات العراق وخيراته ومقدراته وأبعدته عن محيطه العربي وحولته إلى محافظة فارسية إيرانية تديرها مؤسسة العمائم الطائفية والإرهابية الحاكمة في طهران وقم . عبدالله الهدلق
مشاركة :