نجاح أم فشل؟ كيف حدت إسبانيا من تدفق المهاجرين السنغاليين

  • 2/28/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يتواصل النقاش في أوروبا حول كيفية وقف الهجرة غير المنظمة من إفريقيا. وهناك إجماع على أنه بدون تعاون مع بلدان المصدر، فلن يمكن النجاح في الحد من تدفق المهاجرين. وهناك مثال التعاون بين السنغال وإسبانيا في هذا الشأن. قبل نحو عشر سنوات تدفق عشرات الآلاف من الشباب السنغاليين على جزر الكناري الإسبانية، واليوم لم يعد يُشاهد سنغالي واحد يعبر عبر طريق البحر بفضل التعاون مع السنغال للحد من تلك الهجرة. القبطان أنطونيو كبيدو يقف فوق سطح زورق الشرطة وينظر إلى البحر. غروب الشمس يغشي ميناء دكار بلون ذهبي. إنه منظر جميل لو لم تكن هنا تلك الرائحة الكريهة لبقايا السمك. ببطء يقترب زورق ثاني للشرطة الإسبانية وعلى متنه رجال شرطة إسبان وسنغاليون. لحظات وسيقوم زملاء أطونيو بإرسال تقريرهم إلى مركز التنسيق في جزر الكناري. التقرير يُدوٍن المهمات التي قام بها رجال الشرطة هناك. ويقول كبيدو:"مازلنا نكشف عن ثمانية إلى عشرة قوارب يوميا ونعترض لاثنين منها". ويتحقق رجال الشرطة من ركاب القارب لمعرفة ما إذا كان به مهاجرون مختبئون. ويضيف كبيدو:"إنه من غير المجدي اليوم محاولة عبور طريق البحر. أحيانا نقبض على أشخاص سافروا من بعيد. يحاولون منذ سنتين هنا ركوب قارب في السنغال أو موريتانيا. فهم يستثمرون الكثير من المال فقط ليسقطوا فيما بعد في شباكنا في عرض البحر وبلا جدوى". اتفاقية إسبانية سنغالية  لم ينتقل فعلا في السنة الماضية ولو شخص واحد في قارب إلى جزر الكناري، فالطريق مسدودة. التدفق الذي حصل عام 2006 لم يعد سوى ذكرى بعيدة. في تلك السنة وصل أكثر من 30.000 شخص إلى جزر الكناري في قوارب من السنغال وموريتانيا. ولا أحد يعرف العدد الحقيقي للذين اختاروا طريق البحر، ولا توجد إحصائيات رسمية حول المفقودين أو الموتى. ولكن هناك أرقام تكشف أن عدد السنغاليين المقيمين في إسبانيا بين 2005 و 2009 تضاعف. وقد اعتمدت الحكومة الاسبانية اتفاقية مع السنغال هدفت إلى منع المهاجرين من العبور إلى جزر الكناري. ألبيرتو بليلا كان إلى فترة وجيزة مسؤولا عن ملف إفريقيا في وزارة التنمية الإسبانية. وهو يشغل اليوم منصب سفير بلاده في السنغال، ويقول:"وصفة النجاح الإسبانية في قضايا الهجرة تكمن في التعاون مع بلدان المنطقة على مستويات مختلفة". وهذا يعني مكافحة الفقر وتقوية التنمية الاقتصادية والعلاقات التجارية وتعميق التبادل الثقافي. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي مراقبة الهجرة، فلا يمكن له النجاح في ذلك إلا إذا استفادت دول المصدر من ذلك". الشرطة الإسبانية تقبض على مهاجرين سنغال قبالة سواحل "لاغوميرا" مثلا تمويل برامج العودة إسبانيا لا تستثمر فقط في مشاريع التنمية لتحسين ظروف العيش في عين المكان، بل إنها تمول أيضا برامج العودة لفتح آفاق للسنغاليين الذين يعودون إلى وطنهم. ثم إن هناك تكاليف من أجل تأمين الحدود. وأوروبا تناقش حاليا كيف يمكن لها حماية حدودها في بلدان المصدر والمعبر وهو ما تقوم به حكومة إسبانيا منذ سنوات. ويتحدث موظفون في ممثلية الاتحاد الأوروبي بدكار فعلا بإيجابية عن النهج الإسباني، باعتبار أنه قد يشكل نموذجا لأوروبا. فإسبانيا كانت في السابق تحت ضغوط قوية كما هو الحال في الوقت الراهن بالنسبة إلى أوروبا. فالبحر كان يلفظ من حين لآخر أشلاء أفارقة على شواطئ المنتجعات السياحية، مما دعا إسبانيا للتحرك والاستثمار. وهكذا عرضت الحكومة 20 مليون يورو على السنغال لوقف الهجرة. ويقول علي تانديان، خبير شؤون الهجرة السنغالي:"السنغال كانت حينها تعيش غمرة الانتخابات الرئاسية، والرئيس واد تقدم مجددا للانتخابات، فوُجدت فجأة أموال يمكن توظيفها لخدمة أهداف أخرى". وقد تم الترحيب بتلك القروض الإسبانية الخاصة في أوقات الحملة الانتخابية، علما أن القرض لا يجب استرجاعه إلا بالنصف. كما أن إسبانيا رفعت بقوة من رصيد المساعدة الإنمائية للسنغال. وتفيد منظمات إسبانية أن حكومة مدريد تنازلت للسنغال عن 12 مليون يورو من الديون. كما تم استثمار جزء من أموال المساعدة الإنمائية في محاربة الهجرة، وبالتالي ارتفعت وسائل العمل للتعاون بين أجهزة الشرطة بقوة، أي من 78.000 يورو  عام 2006 إلى 1.9 مليون يورو عام 2007. المهربون يستخدمون الطريق البري ويقول المفتش السنغالي مامادو فال المسؤول عن الهجرة غير الشرعية لدى شرطة السنغال:"إسبانيا جهزت السنغال بإمكانيات فنية للقدرة على العمل". وأضاف:"في الميناء لدينا زوارق تقوم  بدوريات منتظمة. ولدينا الآن مروحية للجيش تحلق فوق الشواطئ للكشف عن قوارب المهاجرين. وهنا لدى شرطة الحدود لدينا قسم مجهز بشكل أفضل للتحقيق مع شبكات المهربين". ويقول المفتش فال بأن المهربين مازالوا ينشطون، ولكنهم  لا يقودون المهاجرين حاليا عن طريق البحر، بل عبر البر والدول المجاورة. في هذه الأثناء ينتقد إستبان بلتران من منظمة العفو الدولية سياسة إسبانيا بهذا الشأن ملاحظا أنها لم تعمل إلا على تغيير مسار الهجرة: "فالأشخاص الذين يريدون اليوم العبور إلى إسبانيا يحاولون ذلك عبر المغرب أو ليبيا. وقبلها كانوا يمرون عبر السنغال، واليوم عبر مالي". عدد كبير للسنغاليين المغادرين إلى أوروبا  يمثل السنغاليون فئة كبيرة بين المهاجرين إلى أوروبا. فشرطة حماية الحدود الأوروبية فرونتيكس تدرج السنغال بين دول المصدر الخمس الأولى. فالسنغاليون لم يمكثوا في وطنهم حتى بعد مرور عشر سنوات على التعاون بين إسبانيا والسنغال. الكثير منهم يختار درب الهجرة، لأنهم لا يحصلون أيضا على تأشيرة سفر إلى أوروبا. فهل تستطيع السنغال بعد مرور عشر سنوات على تأمين حدودها بدون مساعدة إسبانية؟ الشرطي أنطونيو كيبيدو يبتسم لهذا السؤال، ويلاحظ  أن ما سيقول هو رأيه الشخصي:" الهجرة هي مشكلتنا. السنغاليون يقدمون لنا الدعم، لكن الهجرة هي مشكلة الإسبان والأوروبيين". مارك دوغه/ م.أ.م

مشاركة :