تجد المستشارة الألمانية أنغيلا مركل نفسها مضطرة للتخلي عن سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين والمهاجرين التي فتحت عليها أبواب جهنم السياسية حتى داخل ائتلافها الحاكم، وزعزعت من شعبيتها الفائقة، وأطلقت سعير التيارات الشعبوية والقومية المتشددة ضدها، بعد تكاثر الجرائم الإرهابية منذ اعتداءات رأس السنة في كولن التي كان قال عنها أحد وجوه حزبها (الاتحاد المسيحي الديموقراطي ) البارزين فولكر بوفيه: «كولن غيرت كل شيء، الناس يشككون». كشف استطلاع للرأي «أن غالبية الألمان باتت أكثر خوفاً من اللاجئين». ويتضح من الاستطلاع الذي أجرته قناة (ZDF) الألمانية» أن 7 من كل 10 أشخاص أعربوا عن خشيتهم من أن يؤدي قبول اللاجئين إلى مزيد من الجرائم، وقال 42 في المئة «إن الثقافة الألمانية في خطر». ويتضح من نتائج استطلاع آخر أجرته مجموعة (Deutschland trend) وشمل ألف شخص «أن 51 في المئة من الألمان البالغين لا يصدقون تصريحات مركل المتكررة عن قدرة ألمانيا على استيعاب اللاجئين، مقابل 48 في المئة في العام الماضي، وقال 48 في المئة أنهم أصبحوا يخافون من اللاجئين». وأفاد استطلاع ثالث أجراه معهد (يوغوف) لقياس مؤشرات الرأي بأن «أكثر من نصف الألمان يشعرون بأنهم «مهددون» أو «مهددون جداً» بسبب الإرهاب و الجريمة المنظمة». وأشار إلى «أن هذه المخاوف تضاعفت خلال سنة واحدة في أعقاب عمليات ارهابية تعرضت لها ألمانيا عام 2016». وأظهر استطلاع أجراه معهد (أمنيد) أن «58 في المئة من النساء يشعرن بأن الأماكن والساحات العامة ليست آمنة». قبل أشهر معدودة من الانتخابات التشريعية في أيلول (سبتمبر) المقبل، أخذت مركل تبدي مزيداً من الحزم والتشدد حيال اللاجئين غير الشرعيين حيث صادقت حكومتها في 22 شباط (فبراير) على قانون لا يختلف في مضمونه عن إجراءات الرئيس الأميركي ترامب لترحيل اللاجئين غير الشرعيين، ينص على تسريع وتسهيل طرد اللاجئين الذين ترفض طلباتهم، كما يفرض عقوبات أشد على طالبي اللجوء الذين يكذبون في شأن هوياتهم أو يخالفون القانون، ويقضي أيضاً بوضع سوار إلكتروني في معصم كل منهم لمراقبة تحركاتهم، وكذلك الاطلاع على المعلومات والمعطيات في الهاتف الجوال لطالب اللجوء في حال الشك في هويته. وقال وزير الداخلية توماس دي ميزيير: «إذا اتصل مهاجر هاتفياً 90 مرة بالسودان ويزعم أنه إريتري، يكون من الواضح أنه سوداني». وأضاف: «من يرفض طلبه للجوء يجب أن يغادر بلادنا». وتحقق الشرطة مع 60 مرشحاً لنيل صفة اللاجئ للاشتباه بعلاقتهم مع «داعش»، وكشفت عن 300 محاولة قام بها هذا التنظيم لتجنيد لاجئين، وتلقت 400 بلاغ من لاجئين بوجود متطرفين في معسكرات ومراكز اللجوء بمدن مختلفة. وذكرت صحيفة «برلينر تسايتونغ» أن 1600 عائلة من اللاجئين اتصلت بدائرة الهجرة واللجوء تطلب النصح لمنع أبنائها من التطرف. وقالت: «إن مراكز اجتماعية مختصّة تتعامل الآن مع 1600 قضية تخص شباب تطرفوا بتأثير مباشر من الدعاية الإرهابية على الإنترنت». ثقافة وداع بدلاً من ثقافة الترحاب وكانت الحكومة الألمانية توصلت مع حكومات الولايات إلى اتفاق لتسريع وتيرة ترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم». وقالت مركل: «إن خطة الترحيل تستند إلى دراسة مشتركة مع مركز (ماكينزي) للاستشارات»، وأوضحت «أن الهدف هو الحفاظ على روح الرغبة في المساعدة التي نريد أن نقدمها لمن يحتاجون إلى الحماية تحديداً». السلطات أنهت ترحيل 80 ألفاً ممن رفضت طلباتهم عام 2016. وقال وزير المهمات الخاصة لدى المستشارة ومنسق ملف اللاجئين بيتر ألتماير: «إن ألمانيا تعتزم رفع هذا العدد خلال العام الحالي حيث من المرتقب ترحيل أكثر من 500 ألف لاجئ لا تتوافر لديهم الشروط المطلوبة خلال الفترات المقبلة». وكشف ألتماير في حديث مع صحيفة «بيلد إم زونتاغ» أن نصف طلبات اللجوء التي تم تقديمها العام الماضي وعددها الإجمالي 700 ألف، قد رُفض. وقال خبير الشؤون الأمنية في الحزب الحاكم أرمين شوستر في تصريح لصحيفة «شتوتغاردر تسايتونغ» الألمانية: «إننا في حاجة إلى ثقافة وداع»، قاصداً بذلك «ثقافة الترحاب» التي طالبت بها المستشارة، موجهاً الانتقادات اللاذعة للتباطؤ في ترحيل أكثر من 200 ألف لاجئ رفضت طلباتهم، لكنهم لا يزالون في البلاد. وقال الناطق باسم الحزب الاشتراكي الديموقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم بوركهارد ليشكه: «يتعين على كل من رفضت طلباتهم الخروج من ألمانيا». وتخطط الحكومة لإقامة مراكز لتجميع اللاجئين والمهاجرين الذين تتعين عليهم مغادرة البلاد تطلق عليها تسمية (مراكز دعم العودة) بهدف إحباط أي محاولة للفرار من مراكز اللجوء والاختفاء أو القيام بعمليات انتقامية ضد الدولة. ووفق بيانات الهيئة الاتحادية لشؤون الهجرة واللاجئين، يبلغ عدد الأشخاص الذين تتحتم عليهم مغادرة ألمانيا أكثر من 210 آلاف بنهاية عام 2016. تطرف المهاجرين والخوف من الإرهاب ما يثير الانتباه والاهتمام هو أن العامل المشترك بين جميع نتائج استطلاعات الرأي هو أن خوف الألمان من اللاجئين لا يرتبط بالتكلفة المالية التي يتحملها دافعو الضرائب أو من الانعكاسات الاقتصادية عليهم والمتأتية من إنفاق البلايين من اليورو (نحو 38 بليون يورو) على توفير مستلزمات الحياة الأساسية لهم ومشاريع دمجهم في المجتمع وسوق العمل، إذ قال 70 في المئة من الألمان أنهم يشعرون بالأمان من ناحية الوضع الاقتصادي، وتنحصر مخاوفهم في الإرهاب وتهديد الثقافة الألمانية. لهذا، فإن السلطات السياسية والأمنية تركز جهودها لوضع استراتيجيات فعالة لحماية الأمن باتخاذ إجراءات وقائية ضد الإرهاب، وتحت شعار «أوروبا بلا حدود؟ الحرية و التنقل والأمن»، عقد في برلين في 21 و22 شباط أكبر مؤتمر من نوعه في أوروبا حول موضوع «الأمن الداخلي» الذي كان ما سمي «الإرهاب الإسلامي» أحد ابرز محاوره، إضافة إلى الوسائل والأدوات المطلوبة التي ينبغي على ألمانيا وأوروبا انتهاجها لوقف سيل اللاجئين، ووقف تنامي النزعات القومية المتشددة والشعبوية والإسلاموفوبيا. وقال دي ميزيير: «لقد تعلمنا أن الدول ذات القومية الواحدة لا تجلب وحدها مزيداً من الأمن». ورد في تقويم أعدته وكالة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ألمانيا عن مؤشرات التطرف واتجاهاته في أوساط الجاليات العربية والمسلمة خلال السنوات الأخيرة، أن عدد الإسلاميين المتشددين (السلفيين) ارتفع إلى أكثر من 43 ألف شخص. وعزا خبراء الأمن ومكافحة الإرهاب هذه الظاهرة إلى النزاع المسلح في سورية، وظهور تنظيم «داعش». ووفق بيانات الوكالة، ارتفع عدد الراديكاليين الإسلاميين بحوالى 8 آلاف و650 شخصاً عن عام 2010، حيث كان عددهم 37 ألفاً و270 شخصاً، بينما كان عددهم 32 ألفاً و150 شخصاً عام 2006. وقال دي ميزيير أن عدد من يمكن أن نسميهم «نصف إرهابيين»، ارتفع الآن إلى 11 ألف شخص بعد أن كان 1300 فقط عام 2015. أما عدد الإرهابيين المحتملين فيبلغ وفق ما قاله 548 شخصاً ،80 منهم الآن في السجون، فيما البقية تتنقل في شكل حر في أقاليم الفيديرالية. وقدرت دائرة حماية الدستور عدد الإسلاميين المتشددين تحت سن 18 سنة، بحوالى2700. يفيد تقرير أمني نشر بعض تفاصليه موقع «دويتشة فيله» الألماني بـ «أن عدد حاملي الجنسية الألمانية الذين انضموا إلى صفوف «داعش» و «جبهة النصرة» في سورية، يصل إلى أكثر من 800، ثلثهم تقريباً عاد إلى البلاد وافق 20 في المئة منهم فقط على التعاون مع أجهزة الأمن، فيما يحافظ الآخرون منهم على ولائهم للتنظيم الإرهابي. ويلاحظ التقرير أنه على رغم موجات اللجوء الكبيرة عام 2015، يبقى الأتراك يمثلون المجموعة الأكبر وسط حاملي الأفكار الدينية المتطرفة، ومثل هذه الظاهرة وفق التقرير يمكن رصدها وسط الجاليات العربية، ويتوزع المتطرفون الإسلاميون العرب وفق تصنيف وكالة حماية الدستور على الشكل الآتي: المغاربة 10 في المئة، العراقيون 8 في المئة، اللبنانيون 8 في المئة، الجزائريون 7 في المئة، الروس وجمهوريات آسيا الوسطى 6 في المئة، المصريون 5 في المئة، التونسيون 5 في المئة. أما الألمان المتشددون المتحولون إلى الإسلام، فيشكلون نسبة كبيرة تصل إلى 17 في المئة. وبرأي الخبير في الشؤون العربية والإسلامية فلاديمير جوكوف، فإن «ما يثير الاهتمام هو أن 90 في المئة من الإسلاميين المتطرفين هم من الأقاليم الغربية في ألمانيا مثل بافاريا وويستفاليا وبادن بيتوتنبرغ، ويقطن 70 في المئة منهم في مدن يصل عدد سكانها إلى 100 ألف نسمة، يمثل الألمان بينهم 30 في المئة فقط»، لافتاً إلى «أن عدد الإسلاميين المتطرفين في الأقاليم الشرقية (ألمانيا الشرقية سابقاً) قليل جداً على خلاف الأقاليم الغربية، وذلك بسبب انتشار الإسلاموفوبيا في شكل أقوى وأكبر». الخطباء و الأئمة وجاذبية الكاريزما «تمتع الخطيب أو الإمام، بشخصية كاريزمية، كفيل بأن يمنحه القدرة على اجتذاب الشباب والتأثير فيهم للالتحاق بداعش»، بهذه الكلمات وصف «الجهادي» الموقوف في ألمانيا أيوب.ب (27 عاماً)، دور الإمام في جذب شباب إلى «داعش»، خلال اعترافاته أمام محكمة مدينة سيلة شمال ألمانيا. أيوب شاب ألماني من أصول تونسية، صار محور اهتمام وسائل الإعلام بعد ما انتسب إلى «داعش» في أيار (مايو) 2014، وعاد إلى ألمانيا، بعدما شارك في القتال مع التنظيم وفق الاتهامات التي وجهها إليه المدعي العام الاتحادي. تتزايد أصوات السياسيين من مختلف التوجهات بتشديد الرقابة على المساجد ومنعها من جلب الدعاة والأئمة من البلدان الإسلامية والعربية. ولا تخفي الهيئات الألمانية المعنية واقع تحول المزيد من مساجد ألمانيا البالغ عددها 3600 مسجد مع عشرات غيرها من غير المرخصة إلى مراكز لنشر التطرف وأفكار العنف ضد الأديان الأخرى. ووفق تقرير لوكالة حماية الدستور، فإن «تجنيد الشباب المسلمين يستند إلى استراتيجية استقطاب بوسائل خطب تحفيزية ولقاءات دورية منتظمة في المساجد». ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن 48 في المئة من الجهاديين الألمان تم تجنيدهم في المساجد للتطوع للقتال في سورية والعراق في صفوف داعش والتنظيمات الأخرى». وأغلقت السلطات مسجد النور في العاصمة برلين، وقبل إغلاقها مسجد (فصلت 33) في حي «موابيت» البرليني في نهاية الشهر الماضي الذي كان يتردد عليه الإرهابي أنسي العامري، سارع ممولوه إلى إغلاقه ووضع إعلان على بابه بأنه لن يستقبل المصلين بعد الآن. وتتجه السلطات الألمانية إلى اتخاذ قرارات صارمة في ما يخص إقامة مجتمعات موازية لا تحتكم إلى القوانين والمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان ، وتفرض اتباع أسلوب حياة وأنماط سلوك اجتماعية تتعارض مع القيم الأوروبية. وتحدثت وسائل الإعلام الألمانية عن قيام ما يسمى (شرطة الشريعة) التي أطلقها عدد من الإسلاميين المتطرفين في شوارع مدينة فوبرتال لتقوم بدوريات حراسة لمراقبة السلوكات وإرغام مرتادي النوادي من الألمان على عدم تناول الكحول أو الاستماع إلى الموسيقى. وهذه المجموعة التي أثارت برامج حوارية في محطات التلفزة الألمانية ظهرت لأول مرة في شريط فيديو انتشر على الإنترنت. وقال وزير العدل هيكو ماس: «لن نتساهل مع أي ممارسات غير قانونية موازية للنظام الألماني»، فيما قال وزير الداخلية دي ميزيير: «أحكام الشريعة غير مسموح بها على الأراضي الألمانية». وخلصت دراسة أعدتها وزارة الأسرة الألمانية ونشرت تفاصيلها في شباط إلى «أن ظاهرة ختان الإناث تنتشر في أوساط الجاليات الإسلامية في ألمانيا رغم أن القانون الألماني يجرم هذا الفعل». وأشارت إلى أن «عدد النساء والفتيات المختونات ارتفع بنسبة 30 في المئة في الفترة بين أواخر 2014 – 2016 بسبب وجود مهاجرين يتحدرون من دول يمارس فيها الختان». تتضمن الدراسة معلومات مؤكدة تفيد بوجود 47 ألف و300 فتاة مختونة في أوساط الجاليات العربية والأفريقية المسلمة. وقال وكيل وزارة الأسرة رالف كلاينيديك: «إن ختان الإناث يمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان ويسبب آلاماً جسدية ومعاناة نفسية خطيرة العواقب»، ما دفع السلطات المعنية إلى استصدار قرارات بمنع المهاجرين من القيام برحلات إلى بلدانهم لإجراء عمليات ختان لبناتهم وسحب جوازات السفر منهم في حال اكتشاف قيامهم بذلك عند عودتهم إلى ألمانيا.
مشاركة :