من المعروف أن النحل من أذكى الحشرات؛ ولطالما استحوذ على إعجابنا. فمنذ أن عرف المصريون القدماء طعم العسل، حظيت خلية النحل بالاحترام نظرًا لما يتطلب العمل عليها واستخراج العسل فيها من أخلاقيات الإيثار والعمل الدؤوب. وعلى الرغم من ذلك، أُثير جدل حول ما إذا كان النحل يتمتع بالذكاء كلا على حدة أم لا، حيث يرى الكثيرون أن كل فرد منه غبي نسبيًّا. وكما يقول المثل اللاتيني "نحلة بمفردها لا قيمة لها". وبدأت إرهاصات ذكاء النحل في الظهور مع أبحاث عالم الحيوان النمساوي "كارل فون فريش"؛ فخلال عمله في فترة الحرب العالمية الثانية، لاحظ أن النحل جامع الرحيق غالبًا ما يؤدي رقصة متمايلة غريبة فوق قرص العسل، «الرقص الاهتزازي» الشهير، حيث تشير حركاته إلى الاتجاه والمسافة التي تفصله عن الزهور القريبة. أما في أحدث دراسة لتسليط الضوء على المواهب المفاجئة للحشرات، فقد اكتشف الباحثون أن النحل قادر على تعلم كيفية مناورة الكرة عن طريق مشاهدة الآخرين القيام بالمهمة. وأثبتت الدراسة التي نشرت في "Journal Science" أن للنحل قدرة تحليلية كبيرة، حيث بامكان النحلة تعلم سحب الاوتار والحبال، ودفع أوزان معينة وحتى تدوير رافعة للوصول إلى الغذاء. كما أن لها قدرة هائلة على حل المشكلات والعقبات التي تواجهها. ووجدت بحوث سابقة أن بامكان النحل فعل مهام معقدة، ولكن هذه المهام كانت دائما قريبة جدا من السلوك الطبيعي، بحسب المؤلف الأول للدراسة من جامعة الملكة ماري في لندن أولي لوكا، لافتا إلى أن النحل غالبا ما يكون مهارات مختلفة تمكنه من التلاعب بأجزاء مختلفة من الزهور للوصول إلى الرحيق. ويضيف "أما الآن، فقد أظهرت الدراسة الجديدة أن للنحل طاقة غير طبيعية مثل تعلم الجري وراء الكرات المتحركة وملاحقتها بدقة". في الجزء الأول من هذه الدراسة، وضع النحل على منصة مع كرة صفراء ومنطقة "مستهدفة" تحتوي على خزان من السكروز. وقد أظهر النحل مرارا وتكرارا القدرة على مناورة الكرة من فوق المنطقة المستهدفة للوصول إلى السكروز. وتم ذلك عبر تحريك نحل صناعي وقيامه بهذه المهمة أمام النحل الطبيعي. فأثبتت الدراسة أن مشاهدة النحل للعملية يمكنه من حفظ الخطوات والقيام بها مباشرة. وشملت التجربة الثانية ثلاث كرات تفصلها مسافات مختلفة من نقطة الانطلاق. وانقسمت التجربة الى ثلاث فقرات. فقرة تظهر نحلة صناعية يتحكم بها العالم، تقوم برمي الكرة الى الهدف أمام النحل الطبيعي، وفقرة تظهر أداة معدنية تقوم بالمهمة، وفقرة لم تظهر أي شيء يجسد التمرين أمام النحل. وجاءت النتائج لتظهر أن 90% من النحل الذي أصاب الهدف هو من شاهد نحلا يجسد التمرين أمامه. وقال لوكا "هذا يعني أن للنحل قدرة على نسخ بعضها البعض بالتصرفات والأفعال، ما يظهر بدوره كمية كبيرة جدا من المرونة الإدراكية". أما الخبير في تصرفات الحشرات بول غراهام، فقد وصف النتائج بأنها مثال جميل لسلوك الحيوان، لكنه أضاف أنه لم يتضح ما إذا كان سلوك النحل هذا نتيجة للتخطيط الاستراتيجي أو لأسباب أخرى. ومع ذلك، يؤكد غراهام أن النحل يسعى على مثابرة العمل عندما يتعلق الأمر بالحصول على جائزة، وهي السكروز في هذه الحالة، ما يعزز الرأي القائل بأن هذه المخلوقات الذكية دليل آخر على أهمية التعلم الاجتماعي، وحقيقة أن حتى المخلوقات الحيوانية تميل للعمل أكثر عندما ترتبط المهمة بمكافأة.
مشاركة :