النسخة: الورقية - سعودي مسيرة التعليم الفني والتقني ممتدة وطويلة، ولكنها - للأسف - لم تضف أثراً في الأهداف المحددة لها، ومن الأمثلة على ذلك ما ذُكر قبل أسابيع في مجلس الشورى في إحدى جلساته ومناقشته لهذا الموضوع أن 11 ألفاً من خريجي المؤسسة العامة للتعليم التقني والفني قد انضموا إلى «حافز». مثل هذه الأرقام تدل بوضوح على أن لدينا خلالاً في مخرجات كليات هذا القطاع ومعاهده، فبدلاً من أن يعمل هؤلاء الخريجون في حرف وأعمال فنية نجدهم أصبحوا عالة على الحكومة، على رغم وجود ملايين من العمالة الوافدة تسيطر على الوظائف الفنية ونجد خريجي المعاهد الفنية عاطلين عن العمل. قد تكون هناك عوامل اجتماعية تحد من قبول بعض المواطنين هذه النوعية من الأعمال، ولكن هذه النظرة تغيرت نوعاً ما، فنحن نشاهد الشباب السعودي يعمل في المطاعم ومحال بيع الخضار، ولكن لا نجد السباك والكهربائي السعودي في السوق المحلية، قد يكون لهذا علاقة لمن يتجه أصلاً إلى التعليم الفني بسبب عدم قبوله في الجامعات أو لظروف اقتصادية واجتماعية. هذا - بحد ذاته - مشكلة تحتاج إلى مراجعة عميقة. فلماذا لا يكون هناك اهتمام بمفهوم التعليم الفني في المراحل المبكرة في التعليم؟ أما من ناحية الدعم المالي للمؤسسة العامة للتعليم الفني فهي تحصل على دعم يصل إلى حوالى ستة بلايين ريال سنوياً، وهي مبلغ ضخم يعادل موازنة أكثر من جامعة، ولكن نسمع دائماً من مسؤولي المؤسسة عن النقص في الدعم المالي لها. والأسبوع الماضي نشرت صحيفة «فاننشال تايمز» البريطانية توقيع المؤسسة العامة للتعليم الفني عقداً مع شركة خبراء بريطانية بقيمة تعدت بليون ريال للتطوير والإشراف على كليات تنوي المؤسسة إنشاءها في بعض المدن السعودية. والغريب أن أحد أعضاء مجلس الشورى طالب بالتريث في افتتاح هذه الكليات، ولكن العقد وُقِّع، أفتحتاج هذه المؤسسة - بعد هذه الأعوام والخبرات الطويلة الممتدة - إلى خبراء وشركات أجنبية لتطوير هذا القطاع، أم أنه إقرار بفشل سياسة المؤسسة لهذا القطاع المهم والحيوي، سواء في برامجه وضعف مخرجاته وعدم ملاءمتها مع السوق الاقتصادية، فنحن لا نريد المزيد من العاطلين وإهدار البلايين على هذه المعاهد والكليات إذا كانت نهاية هؤلاء الخريجين في «حافز». الكثير كتبوا عن هذا الموضوع الذي أرى أنه مهم جداً، فالاستثمار في العنصر البشري يأتي في أولويات الدولة فهي لم تبخل بالدعم المالي، ولكن لم نرَ تغيراً ملموساً في توطين الوظائف في القطاعات المهنية. أذلك بسبب ضعف الرواتب والمزايا الوظيفية في القطاع الخاص أم بسبب جشع هذا القطاع الذي يفضِّل الوافد على المواطن بسبب تدني رواتبه الذي لا يقبل به المواطن، على رغم خطط وزارة العمل واشتراطاتها لسعودة التوظيف في القطاع الخاص، أم أن المشكلة لها علاقة بضعف مخرجات المؤسسة العامة للتعليم الفني؟ هل مبلغ البليون دولار الذي فاز به البريطانيون سيغير من جودة التعليم التقني والفني لدينا؟ لو افترضنا أن سيكون كذلك فكم من الزمن نحتاج وتحتاج المؤسسة إلى تغير نوعية وجودة برامجها ومخرجاتها؟ فكان أولى معالجة قضية القبول والتسرب في معاهدها وكلياتها، التي تصل إلى نسبة 36 في المئة، فهذه النسبة المتدنية في القبول تختصر القضية برمتها، فكان أجدر بالقائمين على هذا القطاع معالجة هذه المشكلات الآن وتوفير البليون في إصلاح كلياتها ومعاهدها بدلاً من البحث عن تميز قد لا يحصل وتطير معه بلاييننا إلى خزانة الشركات الأجنبية. نقطة أخيرة أؤد طرحها في عجالة: التسرب من يحملون شهادات عليا في المؤسسة إلى الجامعات المحلية. ولماذا يقتصر ابتعاث أعضاء هيئة التدريس فيها إلى درجة الماجستير فقط، ونجد المؤسسة تتعاقد مع العشرات من الدكاترة من دولة عربية العام الماضي؟ فكان أجدر أن تعطي الفرصة لأعضاء هيئة تدريسها من المواطنين إذا كانت تعشق التميز إلى هذا الحد.
مشاركة :