إِلَّا تَارِيْخنَا المَجِيْد ورِجَالاتنَا الْأَفْذَاذُ..! 1-2

  • 4/22/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

وأنا في لُجَّةِ التناوش، وضجيج الاختلاف، وصخب الادعاء، والقطع بأن كل الناس خطاؤون، أعوذ بالله، وأساله أَلَّا أكون ممن زُيِّن له سُوءُ عمله، فرآه حسنا. ولا مِمَّن عناه الشاعرُ بقوله :- يُقْضَى على المَرْءِ في أيامِ مِحْنَتِه حَتَّى يَرَى حَسَناً ما لَيْس بالحَسَنِ ولا شقياً إذا قيل له: اتق الله، أخذته العِزَّةُ بالإثم. ولا مغروراً يحتكر الحقيقة، ويَرَى نفسه فوق المساءلة والنقد. إذ ما أكثر المصابين بهذه الأدواء القاصمة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ومن هُيئِّت له فرصة التَّضَلُّع من كتب المذاهب، والفقه المقارن، وكتب الاختلاف، ومذكرات صناع اللعب السياسية، ورسامي خرائط الطريق ، تَخِفُّ عنده الحِدَّةُ والحَدِّيَّة، وتتلاشى واحدية الرؤية، والرأي. ثم لا يتردد في القطع بأن الأمة إنما خلقت لتختلف، ولتظل أبد الدهر تبحث عن الحقيقة، والانتصار. والحصيف من يواجه المُخَالِف بالهدوء، والحلم، والأناة، ورباطة الجأش. ويجتهد ما وسعه الاجتهاد، لتهدئة النافر، وترويض الجامح، وبعث الثقة في نفس المرتاب، والعمل على احتوائه، والتخفيف من غلوائه، وتجسير الفجوات، وتنقية قنوات التواصل معه. ومن ركن على القوة، أو الأحقية، خانته إحداهما. فالتأليف بين القلوب مطلب شَرْعِيٌّ، والتنفير مذمة، وخُلُقٌ دَنِيء. والمشرك المستجير، يُسْتَقْبل، ويبلغ مأمنه. فكيف بالمسلم المخالف؟. كل هذا التمهيد يقال بحق الكافة، فكيف بالمخالف إذا كان شريكا على ظهر السفينة، وهي تمخر عباب الفتن. لقد مَلَلْت من ترديد التحذير من تصدع وحدتنا الفكرية، وبرمت من إعادة التأكيد على أنها لا تقل أهمية، ولا خطورة من الوحدة الإقليمية. وسئمت تكاليف التلطف مع المخالفين، الذين يَجْتالهم شيطان التعصب لبادئ الرأي. وأكثرت من ضرب الأمثال بالأحزاب، والمذاهب المُسَيَّسةِ التي أنهكت الأمم، وألهتها عن كل عمل جاد، يُقَوِّي شوكتها، ويدرأ عنها عوادي اللعب السياسية القذرة. وقلت ولَمَّا أزل أكرر القول: بأنني ضد الالتفاف بأي عباءة، لكائن من كان :- [فالليثُ لَيْس يَسِيغُ إِلاَّ ما افْتَرَس]. والناس أمام ما ينتابهم من تنازع حول النوازل السياسية، والفكرية، وسائر المحدثات، بحاجة إلى [النذير العريان] الذي تُصِيخ له الكافة، وتأخذ صيحته مأخذ الجد. و[الرائد لا يكذب أهله]. ولا سيما أن السيل بلغ الزبى، وهم بمثمنات الأمة من لا يدرأ عن نفسه عوادي الزمن. وماذا بعد نطق الرويبضات، وتصدر المتفيهقين، واهتياج العُزَّل من كل معرفة. إن ثورة المعلومات، والاتصالات، وشيوع التقنية الدقيقة، ووصول المبتدئين إليها، وأخذها بغير حقها، عَجَّلَتْ بِتَخوُّفات [حذيفة بن اليمان ] الذي نُدِب إلى عضِّ جذوع الشجر، حتى يلقى ربه. والأجْهَل من استبعد هذه اللحظة الحرجة، أو تصور ما تصوره [ولد نوح ]، الذي عَوَّل على شواهق الجبال، وظن أنها تعصمه من أمر الله. إن الجهلة، والمغفلين، وعشاق الأضواء مَنْ يظنون أنهم في معزل عن الفتن، وأن ما يقع في [الشام] و[العراق ]و[اليمن] التعيس، لا يمكن أن يكون في أرضهم ما هو أسوأ منه. ما سقته من تحفظات، وضوابط، لا يخص حادثة بعينها، ولكنها منهج لمواجهة أي نازلة. لقد استأت كثيراً من ذلك العبث غير المسؤول بمقدرات الأمة المعنوية، والنيل من رموزها الوطنية، و الحط من قدر إضاءاتها التاريخية. وهان عندي العبث بالمقدرات الحسية. واستأت أكثر من تلك الغفلة المعتقة، المتمثلة باستبعاد المصائر المفجعة التي تجتاح عالمنا. ومن ساوره الشك حول مشروعية الاستياءين. فليلق السمع، وهو شهيد، ليتعرف على سلوكيات العابثين بتاريخهم المجيد، والمسيئين لرجالات بلادهم الأفذاذ، والغافلين عما يدور من حولهم. ومع الوقوع في الحِمى، يظل العقلاء متفائلين بالفرج، متلطفين مع المخالف. المثير للعجب أن الفئتين :الجاهلة والمغفَّلة تمضيان في الغي، ورهانها أنه الحق الأبلج ، ولسان حال الوجلين يردد:- [ وَلْيسَ يَنْفَع فِي الأذْهَان شَيْءٌ إِذا احْتَاجَ النَّهارُ إِلى دَلِيل ] ربما يتطلع البعض إلى ضرب الأمثال، واستدعاء الشواهد، والمثيرات للتساؤل، والاستنكار. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كثر الحديث عن حزب [الإخوان المسلمين] وكأنهم الخطيئة الوحيدة التي تمر بها امتنا المهيضة الجناح، ولست معنياً بشأنهم، ولا مدافعا عن هفواتهم. فهم ظاهرة من تلك الظواهر التي نشأت، وعظم شأنها، ثم دالت، كما دال غيرها: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس}. ولسان حالنا معها، وقد غمرتنا الفتن من كل جانب، يقول :- [فَكَيْفَ خَلُصْتِ أنْتِ مِنَ الزِّحَامِ؟ ]. لقد بُليت أمتنا بنوابت سوء، أضاعت عليها الجهد، والوقت، والمال. باركنا بعضها مدارتاً، واتقاءً، على سنن الانحناء أمام العاصفة. وامتعضنا من بعضها الأخر، وكادت لنا أوزاع منها. ومضت كلها إلى مزبلة التاريخ، ونحن أحياء نُرْزَق، موفورو الكرامة، والحرية. و إن ظلت سائر الرهانات تقطع بأننا قلاع من ورق، وأن مسألة هلاكنا مع الذهبين الأولين مسألة زمن:- {‏‏وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }. يتبع...

مشاركة :