صور نمطية عن الألمان تجافي الواقع

  • 3/2/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الألماني المنضبط الذي لا يتأخّر عن مواعيده أبداً، القادر على تنفيذ المهمات المطلوبة، يخطط ويدقق ويوفّر، لا يجتاز الطريق وإشارة المرور حمراء، وهو نازي مغرور، أشعل بعنفوانه وغروره حربين عالميتن. إنها صور نمطية كثيرة منها السلبي المسيء ومنها الإيجابي المفرط في تدليل حسنات الألماني، وكلتا الحالتين تعيقان تقدّم الحقيقة والكشف عنها. فحول الألماني لا توجد صور نمطية معتدلة، حال الكثير منها مأخوذ عن شعوب العالم، ويعزز هذا أيضاً عدم وجود تقارب حقيقي بين الشعوب المختلفة، يخفف من حدة الأفكار والقوالب الجاهزة التي من شأنها أن تجعل التجربة الحقيقية هي الحكم. ولعل تجربة السوريين مع الألمان كسرت صوراً نمطية سلبية وإيجابية كثيرة عند الطرفين. يقول مصطفى (لاجىء سوري): «كانت ألمانيا بالنسبة إلي منزلاً خشبياً في غابة خضراء هادئة، وناساً لطفاء يعاملون الغريب بودّ، معامل وشركات ضخمة ورفاهية تشمل أطياف المجتمع كله. لكن هذه الصور النمطية تحطّمت مع الوقت، ولم أعد أرى الألمان أبطالاً في فيلم أجنبي جميل». أما ليلى فلديها صور نمطية أخرى وانطباعات جديدة مختلفة، تقول: «كنت أعتقد بأن النازية متفشّية في المجتمع، وأني سأعامل بعنف أو بعدم ودّ فقط كوني محجبة. ولكن وجدت لدى الألمان اعتبارات أخرى في التواصل وتفاجأت عندما علمت أن رموز النازية محرّمة، والإشارة حتى لو من باب المزاح بتحية هتلر أمر يعاقب عليه القانون. وأنا لا أعني أن الناس جميعهم لطفاء ومحبون، لكني لا أستطيع أن أقول أنهم نازيون مغرورن». خالد مهندس السوري يعيش منذ أعوام في ألمانيا، كان يتوقّع أن يجد الألمان يمتلكون سيارات فارهة، لكنه صدم عندما وجد أن سيارات كثيرين منهم متواضعة وأقل من عادية، وليس شرطاً لديهم أن تكون قد صنعت في ألمانيا. المعلّمة كوني التي سافرت إلى المكسيك لتتعلّم اللغة الإسبانية هناك، تتحدّث عن تجربتها مع الصور النمطية عن الألمان، وما سببته لها من معاناة. فحين كانت تفصح عن هويتها الألمانية، كان يشار إليها مباشرة بأنها تنتمي إلى حيث ولدت النازية. وقد تعرّضت لأسئلة من قبيل هل أنت نازية؟ وتضيف: «لا يقدّر الناس في الخارج كم قد تكون مثل هذه الأسئلة مرعبة لشخص يساري مثلي». وتجربة كوني ليست الوحيدة، فكثر من مواطنيها يذكرون أنهم حين عرّفوا عن هويتهم في بلدان زاروها، كان يصدمون بالتحية على طريقة هتلر، وترفق الحركة بضحكة ساخرة أو أخرى توحي بالإعجاب. وفي معرض نظّم في لندن لكسر الصور النمطية حول الألمان والإضاءة على وجههم الآخر، سئل إنكليز عن الصور المسبقة في مخيلتهم فأتت الإجابات بجمل وتعابير بسيطة للمستشارة أنغيلا مركل، الجعة، أعداء الأمس والحرب، جدار برلين. وتعزو لوزينا تولين، الروسية الأصل، من مكتب الاندماج في تورنغن، الصور النمطية عن ألمانيا في روسيا، إلى إعلام موسكو الذي يصوّر ألمانيا على أنها أرض الأحلام المحققة، فتقول: «ترسم المقالات والبرامج والإعلانات صوراً ساحرة عن هذا البلد، ما يجعلني في صدام دائم مع أهل بلدي عندما يأتون إلى هنا بأحلام كبيرة، فأنا أعرف مدى صعوبة تحقيقها. ولكني أعرف أيضاً أنهم ضحايا بروباغندا إعلامية كبيرة، تنقل لهم صوراً وواقعاً لا يقارب الحقيقة في أحيان كثيرة. يصدمون مثلاً بعدد ساعات العمل وعدم وجود رفاهية كبيرة، والإجازات التي يحصل عليها الألمان على مدار السنة لا تعادل شيئاً من حجم الضغط الذي يعانونه في العمل. وهذه حقائق لا تشير إليها الصور الإعلامية التي تعزز الوهم». لقد أضحى تكرار هذه الصور النمطية من المسلّمات، وخدشها أو إخضاعها للبحث أمر غير مقبول أو يتطلّب جهداً مضنياً لاستخلاص نتائج معاكسة. وأخذت شركة ألمانية بالتعاون مع «معهد يوجوف» والطبيب النفسي هولغر جايسلر، على عاتقها التدقيق في صور مماثلة. وأجرت على مدى سنوات دراسة على عيّنة واسعة من المشاركين، وخلصت إلى نتائج مغايرة عما يعتقد حتى الألمان عن أنفسهم. فقد اجتاز ٧١ في المئة من المستفتين إشارة المرور عندما كانت حمراء مرة واحدة على الأقل، و٣٩ في المئة قادوا سياراتهم من دون رخصة قيادة، و٦١ في المئة اعتبروا أن هناك قوانين وأنظمة كثيرة مُكبِلة. وعلى عكس الرصانة التي يُعرف بها الألمان، أظهرت الدراسة أن ٧٧ من مجموعة البحث يستقبلون أصدقاءهم في المنزل، و٨٠ في المئة منهم يحيونهم بالعناق والقبل، وغالباً ما احتسوا النبيذ بدلاً من الجعة، المشروب الأكثر شعبية في ألمانيا. ولكن ما بقي نمطياً ألمانياً وإن لم يكن مفاجئاً، فهو أن ثلثي المشاركين في الدراسة اعتبروا أن سيارة فولكسفاكن أكثر تمثيلاً لبلدهم (70 في المئة) من الأديب (يوهان فولفغانغ فون) غوته (٤٩ في المئة) والمستشارة مركل. ومثلاً، يؤكّد الكاتب والصحافي قسطنطين شرابير في كتابه «مرحباً باللاجئين»، أن صوراً نمطية كثيرة لا تنطبق عليه. فهو يفضّل أكل الخضروات على شرائح اللحم، ومشاهدة مباريات كرة القدم أثناء كأس الأمم الأوروبية أو بطولة كأس العالم فقط. والمعاين لأوضاع حي برينر لاوربيرغ في برلين، يدرك اختلاف صورة الرجل الألماني العادي بالكامل. فقد أصبح طبيعياً أن يأخذ الرجل إجازة الأبوة، وأن يحمل طفله الرضيع في حاملة أطفال ويتجوّل به في الحي. وينفق الناس مالاً كثيراً لشراء مواد غذائية عضوية ويفضلون أن تكون نباتية. ويتابع شرابير، أحد سكان هذا الحي، مشيراً إلى أن البدائل كثيرة، يوغا للأطفال ودروس اللغة الصينية لأفراد الأسرة، وكل ما قد يخطر على بال. ويعلّق: «أشعر بأن هذا كثير بعض الشيء».

مشاركة :