تجد تنزيلات محال الملابس والأحذية الأوروبية المستعملة والبالية رواجاً في مدن الأطراف في الأردن، فيما يغطي سماء قراها النائية غمام أسود، بسبب لجوء عائلات فقيرة إلى استخدام هذه الأمتعة وقوداً لمدافئ الحطب، بعدما نفد ما جمعوه من أغصان متكسرة في الغابات المحيطة بقراهم، بسبب ارتفاع أثمان المحروقات، التي تفرض الحكومة عليها ضرائب مرتفعة. ويشدد الأردن من إجراءاته للمحافظة على الأحراج الغابات التي تتقلّص كل عام بسبب تحطيب عصابات مختصة أجزاء منها، مستغلة الظلام لتستل مناشيرها وتعمل تقطيعاً في جذوع وأغصان. وعادة تعلن محال الملابس والأحذية الأوروبية المستعملة عن تنزيلات كبيرة خلال هذه الفترة من العام، من أجل تصفية بضاعتها، فتصبح في متناول أسر فقيرة نفد لديها ما جمعته من أغصان وأعشاب جافة من الغابات، التي تخضع لرقابة مشددة. وعلى رغم تحذير الجهات الصحية والبيئية من خطورة حرق الأحذية والملابس المستعملة من أجل التدفئة، إلا أن أسراً فقيرة كثيرة لا تجد وسيلة أخرى لتدفئة أطفالها، علماً أن غازات ورذاذاً ناتجاً عن الاحتراق يتسبب بأمراض خطيرة. يؤكّد الستيني أحمد العياصرة من سكان بلدة ساكب في محافظة جرش (50 كلم شمال العاصمة عمّان) أنه لا يستطيع شراء الوقود لارتفاع ثمنها، ما يضعه أمام خيارين: مغافلة حراس الأحراج أو الغابات وتحطيب ما يمكنه جمعه وحمله قبل أن يلقى القبض عليه، وهو خيار لا يمكن الركون إليه في توفير ما يقي برد الشتاء أو اعتماد الخيار الثاني وهو الأسهل بنظره، أي شراء كميات كبيرة من الملابس والأحذية الأوروبية المستعملة لاستخدامها وقوداً للمدفأة. واستنفدت أسرة العياصرة كل ما جمعته من حطب وأغصان جافة باكراً لأن فصل الشتاء شديد البرودة هذا العام، علماً أن استخدام مدافئ الحطب يعد الوسيلة الوحيدة للتدفئة والأقل ثمناً، مقارنة بوسائل أخرى لا تتناسب مع المدخول المتواضع. ويبرر الخمسيني فؤاد الزعبي في إحدى القرى الحدودية الشمالية مع سورية، أن احتراق الأحذية والملابس المستعملة وعلى رغم خطورته، تنتج منه حرارة عالية لا يوفرها الحطب، موضحاً أن وجود مادة البلاستيك يجعلها تشتعل لساعات أطول من أي وقود آخر. ويستخدم الزعبي، الذي يتقاضى راتباً متواضعاً جراء عمله في شركة أمن وحماية، هذه الوسيلة «الرخيصة والفعالة» منذ سنين طويلة، وهي بديل «اقتصادي» يجابه به ارتفاع أسعار المحروقات التي لا يقوى على شرائها. في المقابل، يشدد المهندس البيئي مصطفى الخطيب على أن «استخدام الألبسة والأحذية كوقود للمدافئ يشكّل خطراً على الصحة»، مطالباً السلطات بمنعه. ويضيف أن خطورة ما ينتج من الاحتراق يتعدّى المنزل إلى جواره والمقيمين فيه. فهو ذات سمية خطيرة جداً تؤثّر بالدرجة الأولى في الجهاز التنفسي وفي مختلف الأعمار، فضلاً عن تلوّث الهواء. كما أن ثاني أوكسيد الكربون يسبب التهابات رئوية حادة تؤثر في القصبات والشعب الهوائية، وينجم عنه أمراضاً أخرى في جهاز التنفّس. كما أكدّ الخطيب أن استخدام الحطب و «الجفت»، وهو بقايا عصر الزيتون، في المدافئ يُعد من المواد الخطرة أيضاً، وتؤدّي إلى انبعاث غازات، علماً أنها أقل سميّة مما ينتج من احتراق البلاستيك والأقمشة. ويشجّع على استخدام مدافئ الغاز والكهرباء لأنها أقل خطورة بيئياً.
مشاركة :