تحتفي مدينة الدار البيضاء حاليا بذكرى الفنان المسرحي الراحل الطيب الصديقي من خلال تنظيم معرض خاص به ما بين 28 فبراير (شباط) و2 أبريل (نيسان) بعنوان «الطيب الصديقي... الفنان الذاكرة» بمحطة القطار (الدار البيضاء الميناء)؛ وذلك بمناسبة مرور سنة على وفاته. ويعيد المعرض، من خلال مجموعة من الوثائق والمخطوطات والصور والأعمال الفنية والمؤلفات، مسار رائد المسرح الاحتفالي ومسرح الفرجة بالمغرب. كما سيكون رواد محطة القطار (الدار البيضاء الميناء)، الذين يتجاوز عددهم يوميا 10 آلاف مسافر، إضافة إلى زوار المعرض من الدار البيضاء وخارجها، على موعد مع عروض لأبرز أعمال الصديقي، وبخاصة الشريط السينمائي «الزفت» ومسرحية «الحراز». ويعتبر الصديقي من رواد المدرسة المسرحية المغربية المعروفة بالمسرح الاحتفالي، التي عرفت امتدادا في العالم العربي؛ كونها تنطلق من مبدأ «نزع المعطف الغربي عن الفن المسرحي»، وإعادة إحياء فن تراث الفرجة الشعبي العربي. ومنذ عودته إلى المغرب بعد دراسة المسرح في فرنسا خلال أربعينات القرن الماضي وهو يردد نصيحة أستاذه، المخرج الفرنسي جان فيلار: «عند عودتك إلى بلدك انس كل ما تعلمته هنا إلا التقنيات». ولد الصديقي في بيت عالم دين بمدينة الصويرة. وكان والده فقيها ومفتيا ومؤرخا، ومن بين أشهر مؤلفاته كتاب «إيقاظ السريرة في تاريخ الصويرة». غادر الصديقي بيت الأسرة إلى مدينة الدار البيضاء، حيث تابع دراسته الثانوية، قبل أن يحصل على منحة لمواصلة تعليمه في فرنسا. هناك عرف مساره تغييرا جذريا، حيث انتقل من معهد الدراسات التقنية في المواصلات اللاسلكية إلى معهد الدراسات المسرحية. بعد عودته من فرنسا أسس في الدار البيضاء فرقة «المسرح العمالي» سنة 1957 مع الزعيم النقابي المحجوب بن الصديق، التي قدمت أول أعمالها خلال السنة نفسها تحت عنوان «الوارث». في ذلك الحين كان جمهور الصديقي يتكون على الخصوص من الفرنسيين المقيمين في الدار البيضاء، وكانت جل أعمالها اقتباسات من المسرح الفرنسي مع إضفاء لمسات خاصة. وفي سنة 1964 عينه الملك الراحل الحسن الثاني مديرا للمسرح البلدي في الدار البيضاء. وتميزت هذه المرحلة بقطيعة الصديقي مع التيار النقابي، غير أن التوجهات الجديدة لمسرح الصديقي الخاص بدأت تظهر وصولا إلى بلورة مدرسة «المسرح الاحتفالي» خلال عقد السبعينات، رفقة عبد الكريم برشيد وآخرون. وبعد هدم المسرح البلدي في الدار البيضاء في سنة 1977 دخل الصديقي تجربة جديدة تحت اسم المسرح الجوال. وعمق الصديقي ارتباطه بالتراث من خلال إعادة إحياء مسرح «البساط» الترفيهي، وهو نوع من الفرجة المسرحية من التراث الشعبي المغربي وصلت أوجها في القرن الـ18، ويتميز بارتباطه بالذاكرة وتعدد الموضوعات المثارة خلال المسرحية بخلاف المسرح الكلاسيكي الذي يتميز بوحدة الموضوع، وصولا إلى تجربته مع فرقة «مسرح الناس». ومن أبرز الأعمال المسرحية للطيب الصديقي، التي تجسد هذا التوجه: «ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب»، و«مولاي إسماعيل»، و«الامتناع والمؤانسة»، و«مقامات بديع الزمان الهمداني»، و«أبو حيان التوحيدي»، و«ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ». وبمناسبة افتتاح المعرض، قال ابنه محمد بكر الصديقي، رئيس جمعية الطيب الصديقي للثقافة والإبداع: «المعرض فرصة للكشف عن جوانب غير معروفة للفنان الطيب الصديقي، وتعريف الجمهور بمساره الفني من خلال صور نادرة ووثائق ومخطوطات. كما يتضمن الأزياء التي كان يرتديها في مسرحياته؛ فالصديقي كان ممثلا ومخرجا ومؤلفا وخطاطا ورساما، كان مبدعا متعدد المواهب».
مشاركة :