مصر تغيرت كثيرا. ورام الله مازالت هي نفسها لم تتغير منذ عام 2005 حين انتخب عباس رئيسا. الرجل لم يغير تفكيره بل تمادى في سياسته.العرب أحمد فايز القدوة [نُشر في 2017/03/02، العدد: 10559، ص(8)] لم تنته اللعبة بعد. مصر أخرجت ورقة حمراء بوجه قيادات مقربة من رئيس المقاطعة برام الله. كانت رسالة حازمة إلى السلطة الفلسطينية مفادها أن القاهرة قادرة على التخلي عن “قيادات متهوّرة” وإخراجها من حساباتها السياسية. لا يمكن فصل منع القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب من دخول مصر عن سياسة القاهرة الجديدة في التعامل مع السلطة التي يقودها محمود عباس. الأخير أدار ظهره للجميع، فلسطينيين وعربا، وتمادى في “تحصين” رئاسته لمدى الحياة وتحجيم أي دور لخصومه. الرجوب، الذي بات اليوم يمتدح الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية بعد قرار منعه “غير المعروفة أسبابه”، كان أحد الأبواق المهاجمة لدور القاهرة وعواصم عربية أخرى في إعادة لملمة صفوف حركة فتح قبل انعقاد مؤتمرها الأخير. كان مؤتمر التصفيق، كما يصفه أنصار فتح أنفسهم، محاولة لإبعاد أي خارطة سياسية داخلية ترسم مستقبل السلطة ما بعد محمود عباس. المؤتمر دشنه محمود عباس على مقاسه. وكان رسالة مفادها أنه ماض في طريقه ولن يقبل بوجود أي تهديد على سلطته. غنى عباس أنشودة القرار المستقل قبل المؤتمر. رددتها بعده قيادات أخرى من بينهم الرجوب، الذي يعرف أكثر من غيره أنه منذ اتفاقات أوسلو لم يعد هناك قرار مستقل فلسطينيا. تناسى التنسيق الأمني المستمر مع إسرائيل. التنسيق الذي أصبح أمرا ضروريا للرجوب، ولرئيس سلطة يمر يوميا عبر حاجز عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية. لم يكن الرجوب قادما إلى القاهرة من “غزوة نضالية” على أبواب القدس. هو الآن رياضي محترف في السياسة، ومتورطا حتى النخاع في سلطة تحوم حولها الكثير من شبهات الفساد. شارك سابقا في القمع حين كان رئيسا لجهاز الأمن الوقائي في الضفة. الرجل لم يكن مؤهلا لدرجة تمكنه من أن يتولى أمانة سر حركة فتح ويتنافس على منصب نائب رئيس، المسألة لها حسابات القرب من عباس والبعد عن خياراته السياسية وتدخل في نطاق الولاء والطاعة لسيادة الرئيس. من يعتقد أن السلطة قوية وقادرة على “تخريج” كفاءات وطنية، فهو واهم. ومن يعتقد أن فتح استعادت أنفاسها فهو في غيبوبة، والدليل أنه تم إقصاء مروان البرغوثي من أي مهام للجنة المركزية لحركة فتح. الرجل الذي كان بإمكانه إعادة التوازن للحركة ولو قليلا. يعرف الرجوب أن أسباب منعه من دخول مصر لها علاقة مباشرة بالتوتر غير المسبوق في علاقة القاهرة ورام الله. العلاقة التي لم يكن لها أي حدود خلال وجود الرئيس ياسر عرفات. الرجوب متهور في تصريحاته ويبدو أنه لا يقيس أبعادها. لم تدرك سلطة رام الله أن استنساخ خطابات حماس التحريضية ضد مصر ستكلفها الكثير. مهاجمة القاهرة لأسباب لها علاقة بمؤتمرات شبابية أو اجتماعات داعمة للقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، الخصم اللدود لعباس، سيكون ثمنها ورقة حمراء في المطارات. صحيح أن مصر هي الحضن الدافئ لقيادات فلسطينية على مر تاريخ الصراع مع إسرائيل، وهي القادرة على تهدئة أي نزاع محتمل مع الدولة العبرية. لكنها لا تتهاون مع من يمس تقاليدها وتاريخها. كان الرجوب البداية في “ردع” القيادات المتهورة، لكنه لن يكون الأخير في حال بقيت الأمور على ما هي عليه. مصر تغيرت كثيرا. ورام الله مازالت هي نفسها لم تتغير منذ عام 2005 حين انتخب عباس رئيسا. الرجل لم يغير تفكيره بل تمادى في سياسته. كانت حالات الانقسام والتشرذم والهوان هي السبيل الوحيد والممثل الشرعي لقضية عمرها سبعون عاما. لم ينتبه رئيس السلطة أو أنه غير مدرك لأهمية دول الجوار العربي في دعم جهوده من أجل إحياء مفاوضات ميتة سريريا. فهو المتمسك إلى اللانهاية بالمفاوضات ولا يريد سوى خيار الإنجازات الدبلوماسية الرمزية. ماذا ينتظر من نتائج قطيعته، شبه المؤكدة، مع دول عربية محورية؟ المسألة أكبر من أن تكون تصفية حسابات لأجل القيادي محمد دحلان. فهي لها علاقة بماذا يفكر قائد السلطة والمنظمة والدولة وفتح لإعادة الهيبة لقضية أضحت مشتتة منذ زمن. العرب باتوا اليوم أكثر انشغالا بقضايا أكثر أهمية بالنسبة إليهم من القضية المركزية. وفتح جبهات هامشية معهم سيورط الجميع في دوامة ستكون نهايتها الغرق. صحافي فلسطينيأحمد فايز القدوة
مشاركة :