في الخضوع اللبناني العام لغواية حزب الله بقلم: شادي علاء الدين

  • 3/2/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

غواية حزب الله شملت الجميع. وصار لبنان مهددا بالتحول إلى بلد غير شرعي في لحظة حسم فيها النقاش حول شرعية الحزب داخليا، وتحول الحزب إلى مصنع إنتاج الشرعيات الوحيد في البلد.العرب شادي علاء الدين [نُشر في 2017/03/02، العدد: 10559، ص(8)] يمثل الخضوع اللبناني التام لسلطة حزب الله حالة غير مسبوقة في تاريخ البلد. لا تتجلى هذه الحالة في واقع التسليم بسلطات طرف يملك من عناصر الغلبة ما لا قبل لأي طرف آخر بمواجهتها، ولكن في كيفية تلقي هذه الغلبة واستبطانها بشكل تتحول فيه من مجرد تفوّق في موازين القوى، إلى نظام يميل الجميع إلى تبنيه والاقتداء به. كان حزب الله مسيطرا على البلد منذ سنوات، ولكن سيطرته كانت تواجه باحتجاج يتخذ طابعا راديكاليا، يرفض الاعتراف بأي قيمة من القيم التي يمثلها ويتبناها. تاليا أسست طبيعة الاحتجاج لحالة لم يكن فيها الاختلال في موازين القوى لصالح الحزب، مدخلا لإغلاق الحياة العامة في البلد على مشهد تمكينه من السيطرة على مقاليد الأمور. كان الحزب يستطيع، مع وجود الاحتجاج عليه، أن يفرض قرارات ويعيد إنتاج سياسات عامة بشكل يتلاءم مع مصالحه، ولكنه لم يكن مُصدّرا للقيم، بل كان، على الرغم من تفوقه وغلبته، مجرد مشروع آيل في أي لحظة للتحول إلى سياق عابر ضمن سياقات الغلبة الكثيرة والعابرة لتاريخ البلد. الجديد في مشهد البلاد أن الحزب تحول من قوة عارية وغالبة، إلى غواية عامة تميل كل القوى السياسية إلى استنساخ تجربتها والتماهي مع قيمها وإعادة إنتاج مفاهيمها. يتجلى هذا الوضع بشكل خاص في ميدان الحياة اليومية. عدد قتلى الخلافات على أفضلية المرور في لبنان يتفوق على الحصيلة المتوقعة للقتلى في حالة الحرب، ويقدم مدخلا واضحا لقراءة أثر انتشار فكر الغلبة، واعتماد العنف وسيلة لحل النزاعات ومنطقا ناظما لعلاقات المواطنين مع بعضهم البعض. اللافت أن اعتماد هذا الشكل من المعالجة العنفية ليس خاصا بفئة معيّنة، بل نراه منتشرا وشائعا بشكل يصبح فيه القاعدة وليس الاستثناء. تنتشر كذلك حالة من الفظاظة العامة والتجهّم العام يمكن ملاحظتها في الحياة اليومية، حيث يمكن قياس غياب اللطف والرقة عن منطق التعامل اليومي، ما يشي بنشوء سيكولوجية عامة تتبنى أخلاقيات الفظاظة ورفض النظر إلى الآخر سوى بوصفه مشروع اعتداء دائم. يساهم المشهد الإعلامي السائد في توكيد طابع تفشي أخلاق الغلبة في قلب الخطاب الإعلامي الذي بات ناطقا رسميا باسم الفضائح. خطاب الفضائح هو خطاب اختراق لقيم المجتمع وحياة الناس وأخلاقها، لأنه يحول كل شيء إلى مبالغات. التكرار المتمادي لعرض المبالغات المرتبطة بالفضائح يخرجها من سياق الاستثناء، ويحولها إلى شيء عادي ومألوف. قد يكون التساؤل عن نمو الإعلام الفضائحي في زمن سلطة حزب الله وجيها. السبب يعود، دون شك، إلى أن تحويل المبالغات والأحوال الاستثنائية إلى قاعدة، هو المنطق الذي يريد الحزب أن يعمّمه باستماتة، لأنه المدخل الأساسي والفعال لاكتساب شرعية لا تناقش. تقوم أسس هذه الشرعية على تحويل الحالة الاستثنائية والفضائحية التي يمثلها إلى شيء عادي ومألوف ومقبول، لا بل إلى شيء حميم، قياسا على حميمية التواصل اليومي للناس مع إعلام يغزو غرف نومهم، ويتدخل في تشكيل خصوصياتهم وطريقة عيشهم. بعد ذوبان الحدود القصوى لا يمكن للموت نفسه أن يحافظ على هالته، وخصوصا بعد التعامل معه بمثل هذه المجانية التي يرسل فيها الحزب العديد من المؤيدين له إلى الموت. من يؤسس لمنطق يهدر فيه روحه وأرواح محبيه وأولاده لا يترك مجالا لترسيم الحدود. يشرعن هذا الإهدار الذي يطال الذات كل أنواع الإهدارات الموجهة ضد الآخر ويحرمها من أي إمكانية ضبط. هكذا لا يكون القتل أو قطع أرزاق الناس أو تدمير بنية البلاد على كل المستويات فعلا جديدا لم يجرب من قبل، ولم يتم اختباره، بل يبدو وكأنه إعادة إنتاج لإهدار تم فرضه بعنف شديد على الذات، وعلى البيئة الشيعية الحاضنة قبل أي طرف آخر. لا يسعى الحزب إلى مقايضة إهدار أرواح مقاتليه في ميادين لا تتصل بمصالح اللبنانيين بالقبول بإمساكه بمقاليد الأمور في البلد ولا باستسلام خصومه، بل يقضي شكل الخضوع الذي يقبل به بأن يتحول إلى مصدر أعلى للقيم بما يعنيه ذلك من نهاية للسياسة في البلد. لا شك في أن الحزب نجح في جر الجميع إلى غوايته، فالثنائية المسيحية تستعيد قيمه في قمع الصوت المسيحي الآخر، وكذلك يفعل تيار المستقبل في حرصه على قمع وإسكات الصوت السني الآخر. يجري ذلك في الوقت الذي لم يعد فيه الحزب مكتفيا بكونه السلطة الفعلية الحاكمة وحسب، بل يعمل على فرض قانون انتخابي يؤمن له الانتقال السلس من السلطة المباشرة والمقنعة إلى حد ما، إلى وضع يصبح فيه مصدر التشريع من خلال السيطرة العددية على المجلس النيابي. لم يكن حزب الله قادرا على تحويل البلد إلى مستعمرة خاضعة له في أي مرحلة أكثر من هذه المرحلة. كان دائما متغلبا ولكنه لم يكن شرعيا، وكانت هناك شخصيات وتيارات تجاهر برفضه واحتقاره، وكان قادرا على قمعها ولكنه لم يكن قادرا على إغوائها. ما يحدث اليوم والذي ينذر بدخول البلاد في زمن إلهي أسود، هو أن غواية الحزب شملت الجميع. هكذا صار لبنان مهددا بالتحول إلى بلد غير شرعي في لحظة حُسمَ فيها النقاش حول شرعية الحزب داخليا، وتحول الحزب إلى مصنع إنتاج الشرعيات الوحيد في البلد. كاتب لبنانيشادي علاء الدين

مشاركة :