أكد الباحث بتاريخ المدينة المنورة الدكتور فايز موسى البدراني أن الأحاديث النبوية والشواهد التاريخية، ومدونات الرحالة العرب والعجم الذين زاروا المدينة في أوقات متفرقة من العصور الماضية تتفق على خروج الأنصار من المدينة وتفرقهم في العالم وتناقص أعدادهم، حتى إنه لا يكاد يبقى من نسلهم أحد في المدينة المنورة. وآثار البدراني التساؤلات في المحاضرة التي أقامها نادي المدينة المنورة الأدبي مساء أول من أمس بعنوان (قلة الأنصار في الأحاديث والآثار)، عندما ألمح إلى عدم وجود الأنصار في المدينة المنورة بعد تفرق أهلها وهجرتهم منها بسبب الأوضاع السياسية والكوارث والنوازل الطبيعية التي ألمت بأهل المدينة، وتأكيده أن سكان المدينة الحاليين هم من وصفهم (بالمجاورين) الذين أصبحوا هم سكان المدينة. 6 عوامل عرف البدراني «الأنصار» أنه لقب أطلق على الذين نصروا الرسول من «الأوس والخزرج» القبيلة الأزدية المعروفة التي قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم في المدينة، وسموا الأنصار تخليدا لدورهم وجهودهم في نصرة الدعوة الإسلامية. وأرجع البدراني قلة الأنصار وتناقص أعدادهم لستة عوامل، هي استشهادهم في المعارك، وظاهرة انقطاع الذرية، والخروج لطلب العيش، وانتقال الخلافة من المدينة للشام، والكوارث والنوازل الطبيعية، والاضطرابات السياسية التي عصفت بالمدينة في العصور الماضية. واستعرض البدراني عددا من الأحاديث والنصوص الشرعية التي أخبرت عن تناقص أعداد الأنصار وما جاء في كتب المؤرخين والرحالة الذين رصدوا الحياة الاجتماعية في المدينة المنورة بما يوافق ما ذهب إليه من اختفاء الأنصار، ناقلا عن الرحالة الشنقيطي المعروف (بابن طوير الجنة) المتوفى سنة 1165 أنه لا يوجد من الأنصار في المدينة المنورة أثناء زيارته لها سوى أسرة واحدة، وقوله كل قبيلة تدعي أنها من الأنصار فدعواها باطلة، ويخشى على مدعي الأنصارية من الردة بسبب معارضته حديث النبي الذي أخبر فيه عن تناقص أعداد الأنصار. روايات تاريخية تطرق المحاضر إلى توسع الإمام ابن حزم المتوفى سنة 456 هـ في ذكر انساب الأنصار وتفرقهم في الأمصار، وذكر أنه لم يبق منهم أحد في المدينة في زمنه، ونقل عن ابن سعيد المتوفى سنة 685 هـ أنه زار المدينة عام 651 هـ وأنه دوّن في مؤلفاته أنه لم يجد أحدا في المدينة من الأوس والخزرج، وهو مصداق للحديث النبوي (إن الأنصار يقلون ويكثر الناس، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام). ونقل البدراني عن ابن خلدون المتوفى 808 هـ حديثه عن الأنصار «اتسعت بلاد العرب وتوزع الأنصار في الثغور في الشام والأندلس وأفريقيا والمغرب حتى خلت منهم المدينة». وأضاف «زار الرحالة السويسري بوركهارت المدينة عام 1229 هـ ومكث فيها 6 أشهر، وذكر أن الأنصار في المدينة 10 أسر فقط». نزوح ذكر البدراني أن أهالي المدينة الأصليين نزحوا لليمن والشام والعراق ومصر وخرسان بسبب الأوضاع السياسية والنوازل والكوارث الطبيعية، معددا بعض الظروف والمجاعات التي تعرضت لها المدينة، منذ عام الرمادة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، و الأحداث والنوازل الأخرى التي تسببت في تفرق أهل المدينة. وأورد ما ذكره إبراهيم رفعت باشا الذي قال في مؤلفاته إنه زار المدينة وكان يسكنها آنذاك 65 ألفا بينهم عدد لا يزيد عددهم على أصابع اليد من الأنصار ولا يوجد غيرهم. وشهدت المحاضرة مداخلات أكثرها حملت استفهامات عن مصير الأنصار، وهل بقي منهم أحد أو يعرف منهم أحد اليوم.
مشاركة :