كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والتي تعتبر أول زيارة لوزير خارجية سعودي إلى العراق منذ نحو 14 عاما، محاولة لإعادة العلاقات الى مسارها الصحيح بعد فترة من التباعد والجمود. وقد كانت السعودية قد أعادت فتح سفارتها في العراق في ديسمبر عام 2015 وعينت سفيرا لها، وذلك للمرة الأولى بعد 25 عاما من إغلاقها إثر حرب الخليج الثانية في عام 1991. وكان فتح السفارة عد من قبل كثير من المراقبين مؤشرا على بداية التنسيق والتعاون بين البلدين في محاربة تنظيم داعش الارهابي. الا ان العلاقة عادت للتوتر من جديد بعد المعركة الكلامية حول ميليشيات «الحشد الشعبي» والدور الإيراني في العراق، وصلت في أكتوبر عام 2016 إلى سحب السفير السعودي من بغداد وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى قائم بالأعمال. الا ان الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية السعودي برأيي هي مؤشر ايجابي قد يساهم من جديد في انفراج العلاقة بين بلدين كبيرين لديهما مصالح مشتركة. وبالتالي أعتقد ان الزيارة يمكن ان تساهم في تحقيق عدة امور اهمها: الاسهام في اعادة الاستقرار السياسي للعراق، وكما ذكرت سابقا ان هناك ارتباطا وثيقا بين درجة عدم الاستقرار السياسي وزيادة وتيرة العمليات الإرهابية، فكلما زادت درجة عدم الاستقرار السياسي في المجتمع زاد الصراع الداخلي في الدولة وبالتالي زادت وتيرة العمليات الإرهابية. وهذا ما يمكن تطبيقه على الحالة العراقية. فالعراق لا يزال يعاني عدم الاستقرار السياسي منذ الغزو الامريكي عليه في عام 2003 مما جعله يتصدر مؤشرات الارهاب العالمي. فبناء على مؤشرات الإرهاب العالمي لعام (2012 - 2015) الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة وأستراليا، ست دول عربية تتصدر المؤشر بينها العراق. بل ان العراق في الثلاث السنوات الاخيرة تصدر المركز الاول في مؤشر الإرهاب العالمي. فما زال العراق يعد الدولة الأكثر تضررا من الإرهاب، فبناء على مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2016، تصدر العراق بنحو 10 آلاف حالة وفاة مقترنة بالإرهاب وهو أعلى عدد يتم تسجيله في دولة واحدة. وبالتالي فالبيئة التي ينعدم فيها النظام او يضعف هي البيئة الجاذبة للعناصر المتطرفة واستيرادهم من الداخل او تلك التي تقدم من الخارج ومن ثم توجيههم الى مناطق اخرى مضطربة. وهذا ما شهدته الساحة العراقية وغيرها من دول ما يسمى بالربيع العربي كليبيا وسوريا واليمن ومصر وتونس. وعليه فالعلاقة وثيقة بين الارهاب وعدم الاستقرار السياسي. والسعودية بثقلها السياسي والاقتصادي مع شقيقاتها دول الخليج يمكن ان تدخل بثقلهم في دعم الحكومة العراقية ودعم مؤسساتها السياسية والامنية لتحقيق الاستقرار السياسي والتوافق الداخلي. كذلك وبناء على الاستنتاجات العامة لتقارير مؤشر الإرهاب الدولي GTI، فإن تنظيم داعش الارهابي يعد الجماعة الإرهابية الأكثر خطورة في منطقة الخليج. فعلى سبيل المثال، نفذ ما يقدر بحوالي 88% من الهجمات الإرهابية على السعودية. وبناء على الاستنتاجات نفسها ان أربع جماعات ومنظمات ارهابية مسؤولة عن ثلثي العمليات الإرهابية خلال الاعوام الماضية يتصدرها تنظيم داعش الارهابي. وتنظيم داعش الارهابي مركزه الاساس ومنطلقه للقيام بعملياته الارهابية هو العراق، وبالتالي فإن هناك مصلحة حقيقية للتنسيق والتعاون الامني بين السعودية والعراق من خلال ضبط الحدود وإيقاف عمليات تنظيم داعش او غيره من التنظيمات الارهابية المتواجدة بالعراق. في التجنيد والتهريب وتدريب اتباعه على الأسلحة والمتفجرات. أضف الى ذلك الجانب الاقتصادي وتعزيز فرص الاستثمار والتجارة بين الطرفين، فالتبادل التجاري بين الطرفين لا يزال متواضعا فخلال السنوات العشر الماضية لم يتجاوز التبادل التجاري 2 مليار دولار وكان اعلى معدل وصله هو 3.18 مليار دولار في عام 2009. وبالتالي يمكن للرياض وبغداد العمل على تعزيز فرص الاستثمار بينهم من خلال العمل على فتح منفذ جميمة، وهو معبر إستراتيجي وسوف ينعكس بلا شك على انعاش المناطق الشمالية من السعودية والمناطق الغربية من العراق. كذلك تفعيل الطيران المدني للقيام برحلات جوية مباشرة بين البلدين او غيرها من الفرص الاستثمارية. واخيرا لا مناص من عودة العراق هذا البلد العظيم الى حضنه العربي فهو منبع العروبة والحضارة والتاريخ. وتتطلع شعوب دول المجلس دائما الى عودته الى مكانه الطبيعي كأحد اعمدة النظام العربي.
مشاركة :