هناك كم هائل من طرق تدريس الفنون، وما هو متوفر في ساحتنا المحلية هو تدريس مادة التربية الفنية التي قد لا تفي بما هو مؤمل من قبل طالب الفن لكي يصبح رساماً أو فناناً حقيقياً بما تعنيه الكلمة من معنى. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يوجد فنانون شباب جادون استطاعوا باستخدام طرق أخرى لتطوير فنهم وذلك بالتطلع والاستفادة ممن هم أكثر خبرة ومعرفة في مجال الفنون التشكيلية أن يصلوا لمستوى جيد من الأداء وهؤلاء هم الندرة التي تتقبل النقد وتملك الصبر والمثابرة. ولذلك كان من اهتماماتنا إلقاء المزيد من الضوء النافذ لاستطلاع ما تحت السطح من التجارب الفنية السطحية التي تتداولها المعارض والمسابقات، والكشف عن المقومات المتاحة لإمكانية أو تمكين الهاوين أو المبتدئين في الفن الذين يتطلعون إلى استجلاء الطريق الصحيح إلى عالم التجارب الراقية والجادة في الفنون التشكيلية. يلجأ الفنانون المبتدئون إلى الوسائل السريعة لإنتاج عمل فني، ولعل النزعات المعاصرة والاختلافات الفلسفية في الرؤية والتفسير والتقييم هي من أحد أو أهم الأسباب التي حفزت الشباب على أخذ خطوات الدرج بوثبة واحدة فكانت النتيجة التعثر أو الصدام. كما أن النزعات الفنية المعاصرة هي من ابتداع الدول الغربية ولا مانع هنا بأن تكون هناك تجارب جديدة ومتجددة محلياً تواكب النزعات العالمية في الفنون ولكن إذا نظرنا إلى هؤلاء الفنانين الغربيين المعاصرين سنجد أنهم تأسسوا بخلفية فنية قوية قبل اللجوء إلى النزعات المستحدثة بل إن معظم رواد الفن العالميين ونذكر منهم فنانين الفن الحديث كالتأثريين أو التكعيبين أو السرياليين وغيرهم قد رسموا في البداية الواقعية وانصهروا في تجارب لونية تصوغ رؤية فنية حديثة فلم تأت تجاربهم من فراغ بل كانت المعرفة والتجارب والاكتشافات المثيرة الفكرية منها والعلمية وقدراتهم على اكتشاف مواهبهم في تحليل وتفسير العملية الإبداعية وما تطلبه من دراسات أكاديمية لتغيير ظروفها ومؤثراتها هي من وضعتهم في هذا السباق الحضاري. من أبرز الظواهر التي نلمسها في كثير من الأعمال الفنية مؤخرا للمواهب الثورية لشباب الفن المعاصرين عدم دراستهم الوافية لأبسط مقومات العملية الإبداعية وهي "اللون" الذي افتقر كثيرا إلى الهرمونية والنضارة. فعدم فهم اللون هو مثل المسافر الذي نسي الأمتعة الخاصة به في المنزل وعاجلا أو آجلا سيتحتم عليه الذهاب إلى الوراء للحصول عليها. فالفن بدون لون لا يمكن تصوره مهما كانت النزعة الفنية أو الأسلوب الفني الممارس وكما قال الفنان الفرنسي مونيه " Monet "- أحد رواد الفن التأثيري -: إن اللون ليس محاكاة حرفية للأشياء المعنية، فالضوء لا يملكه الرسام ولكنه يترجمه إلى لمسات لونية تُكسب اللوحة انطباعها الحر الذي يبعدها عن شبهة النقل الحرفي.. إن عملية مزج الألوان وترتيبها واكتشاف الثلاثيات المتناغمة وفهم ووعي الفنان بأدواته وطريقة استخدامها والاعتناء بها هي بداية الرحلة للمبتدأ الناجح في عالم الفن. عندما يقرر الفنان المبتدأ لعب دور حاسم في تغيير المفهوم الفني الحديث فلا شك لا بد أن يكون ملما بهذا المفهوم بل وممارسا له مع توسع مداركه التي تشمل الأبعاد الجوهرية والانفعالية والظروف الاقتصادية والقيم الروحية أو السيكولوجية والتطور التكنلوجي في تاريخ الفن المحلي والعالمي فجميعها عوامل أثرت على بناء واختلاف وتطور البناء التعبيري وظهور الاتجاهات الحديثة في الفنون. كما لا يقتصر العمل الفني على الإعجاب الذاتي للفنان أو المقربين من الناس بعمله الفني. إذ إن النظرة الفنية المتخصصة تختلف كثير الاختلاف فربما يعجب العامة بعمل فني يراه جميلا أو تجذبه تجاهه أحاسيس عاطفية أو ربما لا يفهمه وينثر كلمات الثناء كتشجيع للمبتدئ. ولعل الكاتب التشكيلي يكون له دور في إبراز الجانب الإعلامي للفنان المبتدئ كتشجيع، وهذا الأخير قد يظن أنه يأخذ الخطوات الصحيحة للشهرة وأنه دل الطريق الفني الصحيح، ولكن النظرة الفنية المتخصصة تختلف كل الاختلاف عن النظرة العامة. إن الفنان المبتدئ الجاد في تطوير أعماله ينظر إلى العملية الإبداعية في بداية طريقه من النواحي الأكاديمية الباحتة كإحدى التي ذكرناها سلفا عن "اللون" بجانب عوامل أخرى كالتكوين والنسب والتناسب والمنظور وأسس التشريح وغيرها. فهذه النواحي لا تعد تقليدية ولكنها تكشف لنا مجموعة من حقائق التعبير الثقافي الأصيل وتشهد على المستوى العالي وفهم أصول العملية الإبداعية المتطورة. دائرة لونية للمناظر الطبيعية للفنانة كوستا فافشيكي
مشاركة :