طرأ تطور جديد على المشهد العسكري في شمال سوريا، تمثّل بإعلان المجلس العسكري في منبج، التابع لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، عن تسليم القرى التي يسيطر عليها المجلس غرب منبج إلى النظام السوري، بموجب اتفاق أبرمه مع الجانب الروسي، لكن المعارضة السورية اعتبرت أن هذه الخطوة «تثبت العلاقة العضوية ما بين القوات الكردية والنظام وأجندات أجنبية». وسارعت قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا، إلى التعهد بأن «هذا الإجراء لن يحول دون الاستمرار في تقدّم الجيش الحرّ، والسيطرة الكاملة على مدينة منبج وإقامة المنطقة الآمنة». وقال المكتب الإعلامي لمجلس منبج العسكري في بيان، أصدره أمس: «التزاما منا بعهدنا وببذل كل ما هو ممكن، ولأجل مصلحة وأمن شعبنا وأهلنا في منبج، نعلن في المجلس العسكري لمنبج وريفها، أننا اتفقنا مع الجانب الروسي، على تسليم القرى الواقعة على خط التماس مع درع الفرات والمحاذية لمنطقة الباب في الجبهة الغربية لمنبج، لقوات حرس الحدود التابعة للدولة السورية». ولفت البيان إلى أن حرس الحدود التابع للنظام «سيقوم بمهام حماية الخط الفاصل بين قوات مجلس منبج العسكري ومناطق سيطرة الجيش التركي وقوات درع الفرات». ونقلت «رويترز» عن مسؤول كردي، تأكيده أن هذا الإجراء «يهدف إلى حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والدماء، وما تحمله من مآس، وحفاظا على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها وقطع الطريق أمام الأطماع التركية باحتلال مزيد من الأراضي السورية». هذا القرار لم ير فيه الجيش الحرّ جديداً، إنما جاء ليكشف ما كان يتم بالسر بين الفصائل الكردية والنظام، وأوضح مصطفى سيجري، القيادي في إحدى فصائل الجيش الحرّ الذي يقاتل ضمن قوات درع الفرات، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما حصل هو انتقال من تنسيق غير معلن بين الميليشيات الانفصالية والنظام على مدى ست سنوات، إلى تنسيق وتعاون علني ومكشوف». ورأى أن «هذه الخطوة يراد منها قطع الطريق على الجيش السوري الحرّ، لفرض سيطرته على مدينة منبج». وقال إن «الجيش الحرّ ومن ضمن عملية (درع الفرات) ماضٍ بمهمته بشكل كامل وفرض المنطقة الآمنة في شمال سوريا، وما قامت به ميليشيات الـ(pyd) لن يحول دون سيطرتنا الكاملة على منبج بإذن الله». المعارضة السياسية المستاءة من هذا القرار، رأت فيه تبادل أدوار بين ما سمتها «الميليشيات الانفصالية، والميليشيات الإيرانية الإرهابية». ورأى عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة أحمد رمضان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تسليم القرى إلى ميليشيا الأسد يؤكد أن وحدات الحماية (الكردية) والجهات التابعة لها، على علاقة وتنسيق دائم مع النظام السوري، وهي مرتبطة بأجندات خارجية، خصوصا أنها بررت هذا القرار بأنه استجابة لطلب جهة أجنبية». وقال إن «هذا المخطط ليس إلا محاولة لمد نفوذ الميليشيات الإرهابية الإيرانية، التي تهيمن على قرار النظام إلى مناطق في شرق حلب». واعتبر رمضان أن «هذا التوجه خطير جداً، وهو يسعى لإنشاء مناطق نفوذ تتقاسمها الميليشيات، التي تشكل دعما للإرهاب العابر للحدود ولنفوذ القوى المحتلة وفِي مقدمتها إيران وتنظيماتها الطائفية». ومعلوم أن مجلس منبج العسكري هو جزء من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، التي تضم وحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتل تنظيم داعش، وتعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا على الدولة التركية. أما الخبير العسكري والاستراتيجي خليل الحلو، فأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «النظام السوري سيستغّل هذه الخطوة، ويستثمرها كإنجاز عسكري له»، لكن لفت إلى أن النظام «لن يتجرأ على فتح مواجهة عسكرية مع الأتراك، لسببين، الأول أن قواته العسكرية فشلت في مناطق متعددة، وليست لديه قوات قادرة على مواجهة قاسية، والثاني لأن النظام لن يقدم على اشتباك مع التركي ما لم يكن لديه غطاء روسي، وهو يعلم أن الدخول التركي إلى سوريا جاء بموافقة روسية». وشدد الحلو على أن «التركي سيتفادى إحراج روسيا عبر التصادم مع النظام، لأن حماية نظام الأسد أولوية بالنسبة لموسكو، إلى أن تتضح معالم التسوية في سوريا، لذلك فإن المشهد في الشمال السوري بات معقدا إلى حد ما». القيادي في «درع الفرات» مصطفى سيجري، لا يجد المشهد بالغ التعقيد، وشدد على أن «هذه التطورات، تأتي ضمن تنسيق كامل بين القوى النافذة في الداخل السوري، التي كان لها الدور الأكبر في تثبيت نظام الأسد على مدى السنوات الست الماضية»، مشيرا إلى أن «درع الفرات جاءت لتقلب المشروع الدولي القائم على إنشاء إقليم كردستان سوريا». وأضاف: «نحن مستمرون في تخريب المشروع الروسي القائم على كذبة أن نظام الأسد هو الجهة الوحيدة التي تحارب إرهاب (داعش)»، معتبرا أن بشار الأسد «يمثل رأس الإرهاب في المنطقة، ونظامه هو من أنتج (داعش) وكل المجموعات الإرهابية التي تعيث فسادا في سوريا ودول الجوار».
مشاركة :