المقاهي سيرة التاريخ والثقافة» عنوان الندوة النقاشية التي جمعت الكاتبة شيماء الوطني، والناقد عبدالإله رضي، وأدارها الدكتور فهد حسين، مساء الأربعاء (22 فبراير)، بـ «أسرة الأدباء والكتاب»، والتي جاءت بتنظيم من «نادي السرد»، التابع للأسرة، حيث استعرض المتحاورون ذلك الرابط الذي يجمع بين المقاهي الأدبية، وحركة الثقافة في مختلف أقطار الوطن العربي. وانطلقت الندوة بالكاتبة شيماء الوطني، التي استعرضت تاريخ المقاهي الأدبية، وحركة انتشارها في المجتمع العربي والغربي، لافتة إلى أن المشرق العربي كان سباقا في معرفته المقاهي، التي وجدت في الحجاز والقاهرة أولا، لتنتقل فيما بعد إلى أسطنبول، في خمسينيات القرن السادس عشر، ولتصبح هذه المدينة واحدة من أبرز مراكز ثقافة المقاهي في العالم. ومن هذا المنطلق بينت شيماء كيف استطاعت هذه المقاهي أن تتحول من مجرد مجمع يجمع عددًا من الناس، إلى مراكز ثقافية يتبادل فيها الساسة والمثقفون والأدباء حواراتهم، إذ أشارت إلى أهم وأشهر المقاهي التي عرفت منذ عام (1750م)، «كان التردد على المقاهي بمثابة الفرض الاجتماعي بالنسبة للناس، حتى بدأ الأدباء والشعراء والفناننون، ورجال السياسة بالتردد عليها، وخلق واقع آخر». هذا الطقس الثقافي عاد ليكون ليعم في أرجاء الوطن العربي، فكانت مصر، ولبنان، والعراق، نماذج بارزة، حيث قدمت شيماء عددًا من هذه النماذج، كمقهى الفيشاوي، الذي يحوز على النصيب الأكبر في الثقافة العربية، لارتباطه بالمسيرة الأدبية للروائي، الحائز على جائزة نوبل، نجيب محفوظ. لتستطرد فيما بعد الحديث عن الأدوار المختلفة والمهمة التي لعبتها هذه المقاهي في التاريخ العربي عمومًا، والثقافي خصوصًا، إذ تعددت جوانب المقاهي لتطال الجوانب الاجتماعية، والسياسية، بل وصل الحد إلى إغلاق بعض هذه المقاهي بعد أن يتم معرفة دورها السياسي المناهض للحكم. أما في الغرب، فبينت شيماء بأن «القهوة كمشروب، لم تعرف إلا بعد حصار الأتراك لمدينة فيينا في العام (1683)، إلا أن ثقافة المقاهي الأدبية في الغرب، ازدهرت خلال القرنيين السابع والثامن عشر الميلاديين، حيث ارتبطت المقاهي بالثورات الفكرية والعلمية والسياسية»، وتابعت «احتضنت هذه المقاهي أهم العواصب الأوربية كباريس، وفيينا، وأمستردام». واختتمت شيماء بالتأكيد على أنه «ليس هناك توثيق جاد لدور المقاهي في منطقة الخليج العربي عموما، والبحرين خصوصًا، وهذا النقص يفقدنا العديد من الخيوط التي تمكننا من فهم العديد من التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية». من جانبه، سرد الناقد عبدالإله رضي أسطورة اكتشاف القهوة، واستدل ببعض أقوال أهم المفكرين والفلاسفة لتبيان ارتباطهم بهذا المشروب الذي مثل بشكل من الأشكال حالة ثقافية، ارتبطت بظهور المقاهي التي ارتادها أشهر الفلاسفة على السياق الغربي، مثل جان بول سارتر، وألبير كامو، وغيرهم. وتناول عبدالإله الجانب السيكولوجي المنعكس على حالة الجلوس في المقهى، إذ بين أن «الجلوس في المقاهي له أسباب نفسية تلبي حاجة الإنسان، فهو أما أن يكون جلوسًا من أجل العزلة أو الاجتماع بالآخرين»، واضح رضي مصطلح (المكان الثالث)، الذي ابتركه المفكر راي أولدنبورج، في كتابه «المكان العظيم بحق»، مبينًا ان هذا المفكر يرى بأن المكان الثالث هو مكان مهم للنشاط المدني، والديمقراطية الصحيحة، وقد أشار هذا المفكر إلى أن أحد أهم هذه الأماكن، هي المقاهي وما تمثله. ومن ذلك انتقل عبدالإله للحديث عن التأثير الفلسفي والسيكولوجي للمقاهي، سواء على الأفراد، أو على الجماعات، كما تطرق رضي إلى التغيير الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي، في دور المقاهي، إذ كان قبل ظهورها، ملجأ يحتضن المواهب والإبداعات الفنية والأدبية، إلى جانب الحركات السياسية، ليختم بالتساءل: «هل حلقت المقاهي الموجودة في وقتنا الحاضر بديلاً عن تلك المقاهي الأدبية التي أسهمت في إغناء الواقع فيما سبق؟».
مشاركة :