«الندبة».. أهازيج فرح من أعالي جبال رأس الخيمة

  • 3/4/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كان 23 من فبراير الماضي شاهداً على طقس زفاف تقليدي مميز في منطقة وادي «فداعة» المنحدر من الجبل الأحقب، تلك المنطقة التي تتميز بالطبيعة الجبلية الساحرة، حيث تصل درجات الحرارة لأدنى معدلاتها، تدوي فيها صيحات «الندبة» بأصوات شبابية قوية مع قرع الطبول تأتي من أعالي الجبال والوديان. حيث تتلاقي حدود 7 مناطق جبلية كانت تنتشر فيها عائلات قبيلة «الحبوس»، لنجد المؤدين للمراسم قد تجمعوا من مناطق مختلفة وقطعوا طرقاً وعرة، ليقدموا واجب التهنئة لأهل العريس، وسط صخب من الترحاب والضيافة. كابراً عن كابر انتقل زفاف الشاب المواطن «عبدالله» الذي يعد آخر الأنجال الذكور لعلي سيف بن يهمور الحبسي، بطقوسه المميزة التي ظلت متوارثة على مدار سنين طويلة من قرع الطبول وإنشاد الأهازيج القديمة، وبنفس المكان والصيغة وبأجواء شبيهة مثل تلك التي تزوج فيها الوالد «علي» في فترة الثمانينات من العقد الماضي، وأيضا الأربعة الآخرون من أبنائه. حيث إن خطر الاندثار والزوال كان قد واجه هذا التقليد في أكثر من مرة. ولم يعد هناك طريقة سوى الاستناد إلى قصص وحكايات الأجداد الذين حضروه في الماضي لمحاولة إحيائه من جديد، كما وصفها علي بن برشم الشحي. نكهة خاصة سجلت «البيان» تفاصيل احتفال قبيلة الحبوس، بنكهة زفاف خاصة ترسم صورة جميلة حافلة بالبساطة والعفوية، مليئة بالثراء والتنوع من حسن الاستقبال للنساء والرجال وحتى في فنون الضيافة، ولم يقتصر الاهتمام فقط على أهالي المنطقة، بل تعدّاه إلى الزوار والسياح الذين وفدوا للاستمتاع بطقوس العرس التقليدي. وأوضح علي سيف بن يهمور الحبسي والد العريس، أن الأفراح في الماضي تعبّر عن تعاضد القبيلة وتواصلها مع القبائل الأخرى، وكانت تستمر أياماً عدة على اعتبار القادمين من سائر قرى الجبل ومن بعض المناطق البعيدة. حيث يقرع فيها الرجال الطبول ويستقبلون المهنئين الذين يأتون من مختلف المناطق الجبلية منشدين «وسلاحنا وارد جديد بإيدين شبان وحيا»، حيث يبدؤون «الندبة» من فوق الجبال مرتدين الأسلحة والخناجر والسيوف، ومرددين: «بفرحكم جينا نشارك ونزف للمعرس التهاني»، ونكون في استقبالهم مرديين: «يا حي بالربع اللي لافونا بالكرم والحشمة». زفة الضحى وأشار علي الحبسي إلى أن أعراس أبناء الجبال تبدأ في وقت مبكر، بعد صلاة الفجر، حيث يتجمع العريس وأشقاؤه وأبناء عمه والأقارب أمام منزل العائلة للانطلاق في مسيرة كبيرة إلى منزل والد العروس، التي تسمى بـ«زفة الضحى» للإعلان عن انتقالها إلى منزلها الجديد، حيث يبدأ الحضور بدق طبول الرواح بوقوف عائلة العريس صفاً لاستقبال المهنئين من أبناء القبائل الأخرى، على أنغام دق طبول «الرواح» التي تصنع من خلال حفر جذع شجرة السدر. ويبدأ رجال القبيلة بالوقوف صفاً طويلاً ويبدأ الجميع في القرع على الطبول بأكفّهم، حيث تختلف أسماء «الرواح» باختلاف أوقاته، الذي يبدأ الإيقاع بطيئاً ثم يأخذ بالتسارع، ففي الصباح يقال «السيرح»، وفي الظهر يسمى «الصودر» وبعد صلاة الظهر حتى المغرب يسمى «الرواح»، وبعد صلاة المغرب يطلق عليه «السيري». «الندبة والرزيف» وأضاف ابن يهمور: خلال الساعات الأولى من الصباح يستقبل أبناء الحبوس المهنئين من القبائل الأخرى الذين يقدمون للتهنئة منشدين «الندبة» بإطلاق أصوات خاصة تحتاج إلى قوة في الصوت لينتشر بين الجبال للإعلان عن وصولهم، ليبدأ «الرزيف» حين يقتربون من العرس، التي يمشي فيها الرجال مسلحين منهم من يلعب بالسيوف ومنهم من يعزف على الطبول، ويستقبلهم والد العريس بـ«الرزيف» حتى يلتقي الجمعان، فتكتمل الأفراح وتتنوع الأهازيج التي تعبر عن تلاحم القبيلة ومشاركتها في العرس. ثلاثة أيام وأشار والد العريس أن الأفراح قديماً كانت تمتد لأكثر من ثلاثة أيام وتصل إلى أسبوع كامل، نظراً لإقامة أبناء القبائل الأخرى في مناطق بعيدة، أما في الوقت الحالي فاختلفت الأعراس بإقامة ليلة خاصة بالعروس، التي تكون في أغلب الأحيان داخل صالات الأفراح والليلة الأخرى خاصة بالعريس، لافتاً إلى أن في إقامة عرس ابنه عبدالله في منطقة وادي فداعة التي شهدت زواجه بوالدته، إضافة لأعراس أشقائه الأربعة، تأكيداً على التمسك بعاداتنا وتقاليدنا، إلى جانب إيمانه وتفاؤله بقيمة الانتماء للمكان الذي ولد وترعرع فيه. فوالة الصباح وتابع الحبسي: الأعراس قديماً كانت تقام ليلة الخميس، أما الآن ونظراً لظروف العمل، تحولت الأعراس إلى يوم الجمعة، وتبدأ مع ساعات الصباح الأولى بالتجمع والجلوس معاً لتناول «فوالة الصباح»، التي تكون وجبة إفطار خفيفة من الهريس والعسل الجبلي والجبن والفواكه، وبعد صلاة الجمعة تبدأ القبائل بالوصول إلى العرس في مجموعات والصياح للإعلان عن وصولهم. فن الحربية قال والد العريس: إن فن «الحربية»، يعتبر من الفنون التي تميَّز بها أهل الجبال، وكانت تغنى في الأعراس قديماً من دون مصاحبة الإيقاع الذي دخل عليها منذ وقت قريب، حيث يتقابل فيه الرجال منشدين القصائد التي تعتمد على أداء المشاركين للقصائد بألحان خاصة وإيقاع مشترك يتفق عليه الجميع وتكون حركة المشاركين مناسبة للألحان وتتنوع قصائدهم بين المديح والفخر، حيث يقوم أحد شعراء «الرزفة» بتلقين أحد الصفين نص الغناء، أما الصف الآخر فيردد ما يغنيه الصف الأول، ويستمر تبادل الغناء حتى ساعات الليل. وأردف قائلاً: كما كانت الأسلحة جزءاً مهمّاً من عرس الجبال، فالرجال يقتنون أنواع البنادق، مثل «الصمعة» و«الميزر» و«أم خمس» و«أم عشر» و«أم فتيلة» و«ميزر سلطانية» و«ميزر أم تين طويلة»، حيث يطلق الرجال النار ترحيباً بالقادمين من المهنئين وتظهر هيبة الرجل بتمنطقه بخنجره وحمله لسلاحه، وكانت الأسلحة وسائل اتصال وإشارات تنبيه بين الناس تدعوهم إلى المناسبات أو تنبههم إلى الأفراح أو المخاطر. وأشار الحبسي إلى أن أعراس قبائل الجبال كانت متشابهة تتبادل فيها القبائل التهاني ويلعبون بالسيوف ويرتدون المحازم والخناجر وصفوف الرصاص، وكانت الأعراس في الصيف تقام على البطيحة أي الأرض المستوية أمام البيوت، أما في الشتاء فيصعد الرجال إلى الجبال، وفي الشتاء يكون العرس أفضل. تعريف فن «الندبة» عبارة عن فن كان في السابق يستخدم خلال الأعراس تحديداً، ويلجأ إليه الضيوف القادمون من مناطق مختلفة، للفت نظر أصحاب العرس إلى قدومهم، لاستقبالهم وتأدية واجب الضيافة والترحيب بهم.

مشاركة :